السبت 2019/02/16

هل وصلنا إلى نهاية عهد الجمهوريات العربية؟


الجسر للدراسات...


بين ملكية وإمارة وسلطنة تتوزع ثماني أنظمة عربية السعودية والمغرب والأردن والبحرين والكويت والإمارات وقطر وعمان، فيما اختارت باقي الدول العربية النظام الجمهوري بعد الاستقلال عن الدول الاستعمارية التي احتلتها في القرن الماضي.

المملكة السورية العربية، وإرث عائلة الأسد

بعد نهاية "المملكة السورية العربية" بزعامة الملك "فيصل بن الحسين الهاشمي" عام 1920 ومغادرته إلى لندن إثر سقوط البلاد بيد الفرنسيين بعد معركة ميسلون الشهيرة، يتحدث تاريخ سوريا عن انتخابات رئاسية جرت أيام الاحتلال الفرنسي!! ثم جاءت مرحلة الانقلابات العسكرية التي توقفت بتسلّم الفريق "حافظ الأسد" للسلطة لمدة ثلاثين عاماً متتالية، لينتقل الحكم بشكل وراثي إلى ابنه بشار الأسد الذي يضمن ما يسمّى الدستور السوري استمرار حكمه إلى عام 2028، وهو يطلب كما جاء في رده على مقترح الدستور الروسي في أستانا 1 تمديد ولايته إلى عام 2042 ليتمكن من توريث ابنه الحكم من بعده.

المملكة العراقية "الهاشمية"

ملك سوريا المخلوع عام 1920 صار بأوامر إنجليزية ملكاً على العراق عام 1921 إلى أن توفي عام 1933، وانتهت الملكية في العراق رسمياً عام 1958 بمقتل الملك فيصل الثاني على يد تنظيم "الضباط الوطنيين" (الأحرار لاحقاً)، وبين انقلاب عسكري واغتيال استمر تداول السلطة في "الجمهورية العراقية" إلى سقوط بغداد وإعدام الرئيس الأخير "صدّام حسين" الذي كان يعدّ العدّة لتوريث ابنه "عدي" الحكم، ولينتقل نظام الحكم إلى ما يشبه التوريث لرئيس كردي صوري، بينما يتوارث الشيعة الحكم الفعلي للعراق.

  السلطنة "المملكة" المصرية

بعد إعلان الإنجليز مصر محميّة بريطانية عام 1914 عيّنوا أول السلاطين "حسين كامل" بعد عزل أخيه الخديوي "عباس حلمي الثاني"، وغيّر "فؤاد الأول" اللقب عام 1922 ليصبح "ملك المملكة المصرية" التي استمرت إلى عام 1952 حين قام تنظيم "الضباط الأحرار" بانقلاب عسكري أعلنوا فيه نهاية الملكية، وبدء عهد الجمهورية المصرية، التي توالى على حكمها "جمال عبد الناصر" إلى وفاته، و"محمد أنور السادات" إلى اغتياله، وباغتت الثورة المصرية :محمد حسني مبارك" واضطرته للتخلي عن الحكم بينما كان هو أيضاً يعدّ العدّة لتوريث ابنه جمال من بعده، ثم ليعود العسكر إلى الانقلاب على الرئيس الوحيد المنتخب في مصر "محمد مرسي" ويلقوا به في السجن، وليتسلّم السلطة وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة الفريق "عبد الفتاح السيسي" الذي يعمل مجلس الشعب المصري على تغيير المواد الدستورية التي تحدد نهاية حكمه استجابة لمبدأ "كمّل جميلك"!!!

المملكة الليبية المتحدة

تأسست المملكة الليبية المتحدة عام 1951 بعد إعلان استقلالها عن الاحتلال الإيطالي، ثم تحوّلت إلى اسم "المملكة الليبية" إلى عام 1969 حيث قاد الملازم أول "العقيد لاحقا" معمر القذافي انقلاباً عسكرياً سمّاه ثورة الفاتح من أيلول/سبتمبر أطاح بالملكية، واستمر لمدة 42 عاما متتالية متفادياً خلالها عدداً من الانقلابات العسكرية ضده، وعلى غرار الرئيس المصري حسني مبارك فاجأته الثورة الشعبية عليه، وانتهت بمقتله، وهو يعدّ العدّة لتوريث نجله "سيف الإسلام" الحكم خلفاً له، وليعود عهد الانقلابات أيضاً كما حدث في مصر، وليتسلّم السلطة الآن "المشير خليفة حفتر" الذي عاد من الولايات المتحدة بعد فراره إليها إثر انقلاب فاشل على القذّافي، وليعود الحكم العسكري من جديد إلى ليبيا.

السودان إرث العسكر

ما إن حصل السودان على استقلاله عن الحكم البريطاني المصري المشترك عام 1956 حتى بدأ عهد الانقلابات العسكرية فيه بأول انقلاب قاده الجنرال "إبراهيم عبود" عام 1958 تلاه حرب أهلية في الجنوب، أطيح بالجنرال عبود في ثورة أكتوبر 1964 وتشكلت حكومة وحدة وطنية، انقلب عليها الرائد "جعفر النميري" عام 1969 بما سمّي ثورة مايو، استمر النميري في حكمه 16 عاما متتالية إلى أن أطيح به في ثورة شعبية، وتسلّم مجلس عسكري "مؤقت" حكم البلاد برئاسة الفريق "عبد الرحمن سوار الذهب" ليأتي أخيراً انقلاب العميد "عمر حسن البشير" عام 1989 مستمرا في حكمه 30 عاما متتالية، التي يبدو أنها لن تنتهي، فحسب تصريح رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر، بأنه "تلقّى رسالة موقعة من أغلبية النواب، يوم الثلاثاء، تؤيد تعديلاً من شأنه أن يغير مادة تحديد فترة الرئاسة ويجعلها مفتوحة" إلى أن يحدث انقلاب عسكري، أو إلى أن يموت البشير كما يموت الملوك والأمراء والسلاطين، وباعتبار أن البشير لا يعرف أن له ولد يوّرثه السلطة فعلى الغالب ستذهب إلى الإرث العسكري الذي أتت منه.

الجزائر  إرث جبهة التحرير

بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962 سيطرت جبهة التحرير الوطنية على الحكم في الجزائر، وبعد ثلاث سنوات فقط على الاستقلال انقلب هواري بومدين على أحمد بن بلّة الذي بقي في السجن إلى أن أطلق سراحه الرئيس الشاذلي بن جديد عام 1980 بعد سنتين من استلامه الحكم من هواري بومدين إثر وفاته عام 1978، أجبر قادة الجيش الشاذلي على الاستقالة ونصّبوا محمد بو ضياف بديلاً له عام 1992، ثم العقيد علي كافي بعد اغتيال بو ضياف، ثم اللواء اليمين زروال عام 1994، الذي سلّم الحكم عبد العزيز بو تفليقة عام 1999، الذي أعلن رسمياً عن ترشّحه لولاية خامسة "استجابة لكل المناشدات والدعوات، ولأجل الاستمرار في أداء الواجب الأسمى" كما قال في رسالة ترشّحه، وباعتبار أن الرئيس لا زال أعزباً لم يتزوج رغم بلوغه 82 عاما، فكذلك على الأرجح سيعود الحكم في الجزائر إلى قادة الجيش المكان الذي أتى منه.

اليمن أربعون عاماً من عهد علي عبد الله صالح

بعد سلسلة من الانقلابات والاغتيالات وصل "علي عبد الله صالح" للسلطة في اليمن الشمالي عام 1978، ثم عمل على توحيد اليمن الشمالي والجنوبي تحت حكمه عام 1990واستمر فيه لمدة 33 عاماً متتالية، إلى أن أجبرته الثورة الشعبية عليه للتنحي عن السلطة عام 2012، لكنه قتل عام 2017 وهو يحاول العودة إلى السلطة، والتي على غرار غيره من الزعماء العرب كان يعدّ العدّة لتوريثها لنجله العميد "أحمد علي عبد الله صالح".

موريتانيا حكم الجنرالات

بعد 18 عاما من أول حكومة مدنية بعد الاستقلال عام 1960 قاد العقيد "المصطفى ولد السالك" أول انقلاب عسكري في موريتانيا، ليبدأ حكم العسكر عام 1978 ويستمر إلى يومنا هذا عبر سلسلة انقلابات عديدة، فبعد عام واحد فقط على حكم "السالك" قام العقيد "محمد ولو لولي" بانقلاب عليه وأزاحه عن السلطة عام 1979، ولم يمر أيضاً سوى عام واحد حتى أطاح به العقيد "محمد خونه ولد هيداله" ليتبعه انقلاب العقيد "معاوية ولد سيدي أحمد الطايع" عام 1984، الذي واجه هو الآخر سلسلة من الانقلابات الفاشلة على حكمه، وما إن سلّم الحكم طواعية إلى حكومة مدنية منتخبة حتى انقلب عليها قائد أركان الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز وقائد أركان الجيش محمد ولد الغزواني، لينصّب "ولد عبد العزيز" نفسه رئيساً إلى يومنا هذا مع "مناشدات شعبية" له للقبول بتعديل الدستور بحيث يتمكن من تمديد مدة حكمه إلى أجل غير مسمّى، أسوة بباقي الزعماء العرب.

تونس رئيسان فقط خلال 55 عاماً

بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956 أعلن "الحبيب بورقيبة" عن تنصيب نفسه رئيساً لتونس، وبعد مضي قرابة عشرين عاما على حكمه أجرى تعديلاً على الدستور سمح له أن يكون رئيساً مدى الحياة، وبقي في منصبه رغم الاضطرابات الكثيرة التي واجهت حكمه، إلى أن انقلب عليه وزيره الأول "زين العابدين بن علي" عام 1987، أي بعد أن أمضى أكثر من ثلاثين عاماً في الحكم، وبلغ به المرض والشيخوخة والخرف مبلغه وهو بعمر 84 عاماً، استمر زين العابدين 24 سنة في الحكم إلى أن هرب مطلع عام 2011 بعد ثورة الياسمين، أُجبرت حكومة النهضة المنتخبة "ديمقراطياً"  للتخلّي عن الحكم ليأتي "الباجي قائد السبسي" ذو ال 93 "ربيعاً الآن لقيادة تونس، وقد أعلن حزب "نداء تونس نهاية العام الماضي، أنّه سيرشح الرئيس السبسي، للانتخابات الرئاسية المرتقبة في شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019.

فلسطين إرث منظمة التحرير

لا يوجد تأريخ دقيق لتأسيس حركة تحرير فلسطين التي اختصرت باسم "فتح" والتي عرفت لاحقاً باسم منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترفت بها العديد من الدول ممثلا شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، لكن بدأ نجم "ياسر عرفات" يسطع منذ عام 1965، ثم اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني بزعامة عرفات في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 قراراً بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وتم تكليفه برئاسة الدولة الفلسطينية المستقلة في إبريل/ نيسان من عام 1989، وبقي في منصبه إلى أن توفي عام 2004، لترث منظمة التحرير المنصب وتعطيه لمحمود عباس الذي لا يزال فيه إلى يومنا هذا، ومن المؤكد أنه سيورّثه "بعد موته" لأحد أعضاء المنظمة حصرياً، بعيداً عن حماس أو غيرها من المنظمات الفلسطينية الموجودة في الساحة الآن.

لبنان تقاسم سلطة وليس جمهورية

لم تخرج فرنسا من لبنان عام 1943 إلا بعد التوافق على "الميثاق الوطني" الذي نظم أسس "توريث" الحكم في لبنان، الميثاق الذي وضعه بشارة الخوري أول رئيس للجمهورية اللبنانية ورياض الصلح أول رئيس حكومة لبنانية تشكلت بعد الاستقلال، ورغم عدم تأطيره دستورياً إلا أنه أصبح عرفاً متبعاً ولازماً "توزيع السلطة بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان، والمسلمون السنة على رئاسة الوزراء، وينتخب النواب رئيس الجمهورية". مثل هذا النظام هو أبعد ما يكون عن مسمّى الجمهورية باعتباره لا يمكّن الشعب اللبناني من التعبير عن حقيقة إرادته في ممثليه في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على حد سواء، ففيها من المحاصصات وخاصة بعد اتفاق الطائف ما يجعلها أشبه بحكم وراثي طائفي أكثر منه بحكم جمهوري ديمقراطي.

الخلاصـــــــــــــة

الأنظمة العربية التي اختارت نظام الجمهورية "صورياً بعد الاستقلال، مارست فعلياً جميعها نوعاً من الحكم الوراثي بشكل أو بآخر، وجعلته حقاً مكتسباً لها، واعتبرت الاعتراض عليه، أو المطالبة بتطبيق مبادئ الجمهورية وتبادل السلطة تمرداً عليها، وعلى هذا الأساس رأينا ما فعلته هذه الأنظمة بشعوبها في ثورات الربيع العربي من قتل وتنكيل وتدمير وتهجير فاق الوصف، بينما بقيت شعوب الملكيات والإمارات والسلطنة آمنة من هذه العواقب لرضاها بالحكم الوراثي، وتكييف نفسها معه.