الأحد 2021/04/04

دراسة في قرارات مجلس الأمن عن المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وتوصيات للمعارضة السورية

 

في 15 شباط/فبراير 2014 أعلن المبعوث الدولي نهاية جولة جنيف 2 بين نظام الأسد ووفد المعارضة، دون التوصل إلى نتائج ملموسة، ودون الاتفاق على موعد عقد جولة قادمة.

القرار 2139 (22 شباط/فبراير 2014)

بعد أسبوع من هذا الحدث أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2139 في 22 شباط/فبراير 2014 يبدو أن هذا القرار كان يحتمل أحد أمرين:

الأول: إظهار استمرار الاهتمام الدولي، وتحفيز الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات.

الثاني: تضاؤل أمل التوصّل لحل سياسي، وبالتالي تضاؤل دور الأمم المتحدة في هذا الجانب، ولذا ستلعب دوراً أكبر في جانب المساعدات الإنسانية، ريثما تتهيأ الظروف للعودة إلى المسار السياسي.

ديباجة القرار 2139 نصّت على أنّ مجلس الأمن "يعرب عن جزعه الشديد إزاء خطورة وسرعة تدهور الحالة الإنسانية في سورية، وبخاصة الحالة العصيبة لمئات الآلاف من المدنيين المحبوسين في المناطق المحاصرة، ومعظمهم محاصرون من قبل القوات المسلحة السورية"

في وقت صدور هذا القرار كان هناك 19 منطقة مدرجة على قائمة المناطق المحاصرة في الأمم المتحدة، بعد أن استخدم نظام الأسد الحصار والتجويع كواحدة من أدوات جرائم الحرب التي كان يشنّها ضد الشعب السوري، لم يكتف النظام بهذا بل اتخذ قراراً وحشياً بمنع دخول المساعدات الإنسانية الأممية إلى هذه المناطق، لدفع السكان المدنيين إما إلى الاستسلام، أو التهجير القسري نحو الشمال، أو اللجوء إلى دول الجوار، أو التوجه نحو الاتحاد الأوربي، كان طرد السكان سياسة ممنهجة عند نظام الأسد، استمر عليها طوال سنوات الحرب.

دعا القرار  إلى "رفع الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك المناطق الكائنة في الحي القديم من مدينة حمص (حمص)، ونبل والزهراء (حلب)، ومعضمية الشام (ريف دمشق)، واليرموك (دمشق)، والغوطة الشرقية (ريف دمشق)، وداريا (ريف دمشق) وغيرها من المواقع"، وذكّر "بأن تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال محظور بموجب القانون الإنساني الدولي".

البنود الأهم في هذا القرار كانت تتحدث حول آليات  دخول وحماية ووصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين، وهذه البنود هي التي ستعمل روسيا على استخدام الفيتو أكثر من مرة، لرفضها أو تعديلها بما يتناسب مع سياسات النظام في حرمان المستحقين الحقيقيين لها، ومحاولاته الاستيلاء الكامل عليها، وتوزيعها على عناصر أجهزته الأمنية والعسكرية، وعناصر الميليشات التي تقاتل إلى جانبه.

الفقرة السادسة من القرار نصّت على مطالبة مجلس الأمن "جميع الأطراف، ولا سيما السلطات السورية، بأن تسمح فوراً للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين، بإيصال المساعدات الإنسانية على نحو سريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين من خلال أقصر الطرق"

هذه الفقرة بالتحديد هي التي ستكون موضع النزاع في مجلس الأمن، إن كان في نصوص القرارات التالية، أو في تفسيرها، بما يخدم مصلحة النظام عبر حلفائه الروس والصينيين، الدولتيين دائمتي العضوية، وصاحبتي حق التصويت بالفيتو في جلسات مجلس الأمن.

القرار 2165 (14 تموز/يوليو 2014)

أثار عدم التزام نظام الأسد بتطبيق القرار 2139 استياء وغضباً شديداً في مجلس الأمن، مما دعا المجلس إلى تشديد قراره، بإصدار القرار 2165 بعد أقل من خمسة أشهر.

يفسّر النظام وحلفاؤه الروس القرار 2165 وما سيأتي بعده بطريقة تظهر تراجع مجلس الأمن في قرارات المساعدات الإنسانية، من ناحية قصر دخولها عبر أربعة معابر فقط، وصولاً إلى معبر وحيد حالياً هو معبر باب الهوى، الذي تتحضّر روسيا للتصويت بالفيتو على قرار تمديد دخول المساعدات عبره في شهر نموز/يوليو القادم.

الحقيقة معاكسة لذلك تماماً، ويؤكدها محضر جلسة مجلس الأمن S/pv/7216 التي استهلّها ممثل الأردن الأمير "زيد بن رعد بن زيد الحسين" بتأكيده أن القرار 2165 يأتي "ردًا على عدم امتثال الأطراف السورية، وخاصة السلطات السورية، للقرار 2139( 2013 ،)الأمر الذي أكده الأمين العام في تقاريره الأربعة الماضية ذات الصلة  بل أوضح أن الأوضاع الإنسانية قد تدهورت أكثر في سوريا، وانخفضت عمليات الوصول الإنساني".

ممثلة لوكسمبوغ السيدة "لوكاس" أكدت أن سبب صدور القرار هو "عدم امتثال سوريا الصارخ للقرار 2139" ، "وإن مجلس الأمن باتخاذه للقرار 2165( 2014 ،)قرر ألا يترك مجالاً للبس أو عدم اليقين. إن هيئات المساعدة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة واالهيئات الشريكة لها يؤذن لها بنقل المساعدة إلى سوريا من خلال أربع نقاط عبور إضافية في البلدان المجاورة - نقطتان على الحدود مع تركيا، وواحدة على الحدود مع العراق، وواحدة على الحدود مع الأردن".

أهم مفهوم للقرار 2165 أوضحته السيدة لوكاس بالقول: " إن موافقة السلطات السورية لم تعد لازمة بعد الآن إن آلية الرصد المنشأة برعاية الأمين العام لفترة أولية مدتها ستة أشهر، تنص على نظام بسيط للإخطار، القرار 2165 يؤكد أيضا أن الأمم المتحدة والجهات الشريكة لها يؤذن لها استخدام الطرق التي تعبر خطوط الصراع لنقل المساعدة من خلال أقصر الطرق للمحتاجين إليها. ويمكن للأمم المتحدة وشركائها توزيع اإلإمدادات الطبية والجراحية من دون أي تدخل من جانب دمشق. إن إيصال المساعدة الإنسانية يجب أن يبدأ فورًا ومن دون إعاقة في جميع أرجاء سوريا على أساس الاحتياجات التي تقيّمها الأمم المتحدة وليس دمشق. فالقرار 2165( 2014 ) وثيقة فاعلة ومحددة وابتكارية"

صدر القرار 2165 بعد أربعة أيام فقط من تعيين المبعوث الجديد السيد "ستافان دي مستورا" في محاولة لدفع العملية السياسية المتوقفة منذ أشهر مضت.

ممثل أستراليا السيد "كوينلان"  أكّد أنّه "لا بدّ من التنفيذ الكامل لكلا القرارين، هذا القرار والقرار 2139، الذي لا يزال نافذاً بشكل كامل".

أوضح ممثل المملكة المتحدة السير "مارك لايل غرانت" أنه "يأذن قرار اليوم للأمم المتحدة باستخدام أربعة معابر حدودية إضافية لإيصال المعونة الإنسانية المنقذة للحياة إلى بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها، بدون إتاحة أي فرصة لنظام الأسد لعرقلة تلك المساعدات أو إعاقتها أو تأخيرها".

من جانبه أكّد السفير الفرنسي السيد "آرو" أن القرار جاء ردّاً على إغلاق النظام حدوده "تعسّفاً" في وجه دخول المساعدات الإنسانية حسب القرار 2139، ولذلك يأتي القرار 2165 "ليفتح أربعة معابر حدودية ظلّت مغلقة حتى الآن" وأنّ "هذا الحكم، الذي جاء استنادًا إلى الطلبات المقدمة من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، يمكن أن يكون حاسماً في وصول المساعدات إلى ما يقرب من مليوني شخص إضافي"

الفقرة  الثانية والفقرة الثالثة من القرار 2165 هي التي سيجري تعديلها لاحقاً ، تنصّ المادة الثانية على أنّ مجلس الأمن "يقرر أن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاءها المنفذين يؤذن لها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثــا، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سوريا من خلال أقصر الطرق، مع إخطار السلطات السورية بذلك، ويؤكد تحقيقاً لهذه الغاية ضرورة استخدام جميع المعابر الحدودية بشكل كفوء لأغراض العمليات الإنسانية للأمم المتحدة"، فيما تنصّ المادة الثالثة على أن مجلس الأمن  " يقرر أن ينشئ، تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، آلية للرصد تقوم، بموافقة البلدان المعنية المجاورة لسوريا، بمراقبة تحميل جميع شحنات الإغاثة الإنسانية التي ترسلها الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاؤها المنفذون في مرافق الأمم المتحدة ذات الصلة، ومراقبة فتح أي شحنة منها بعد ذلك من قِبل سلطات الجمارك للبلدان المعنية المجاورة، من أجل المرور إلى سورية عبر المعابر الحدودية باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا، مع إخطار الأمم المتحدة للسلطات السورية، من أجل تأكيد الطابع الإنساني لشحنات الإغاثة هذه"

هذه المعابر الإضافية هي التي يحدد القرار 2165 موعداً لانتهاء العمل بها  حسب المادة الخامسة " يقرر كذلك أن ينتهي العمل بالأحكام الواردة في الفقرتين الثانية والثالثة من منطوق هذا القرار بعد 180 يوماً من تاريخ اتخاذه، وأن تخضع للاستعراض من قِبل مجلس الأمن"

ثم تعود المادة العاشرة من القرار 2165 لتؤكد استمرار العمل بالقرار 2139 حيث تنصّ على أنّه "يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى المجلس تقريراً عن تنفيذ هذا القرار، وعن امتثال جميع الأطراف السورية المنخرطة في النزاع لهذا القرار، وذلك في غضون المهلة الزمنية لتقديمه التقرير المتعلق بالقرار 2139 (2014)"

القرار 2191 (17 كانون الأول/ديسمبر 2014)

مجلس الأمن في هذا القرار " يساوره بالغ القلق إزاء عدم تنفيذ أطراف النزاع الداخلي السوري لقراريه 2139 (2014) و 2165 (2014) تنفيذاً فعالاً" ويطالب "بتنفيذ جميع أحكام قراري مجلس الأمن 2139 (2014) و 2165 (2014)، و"يقرر تجديد قراراته الواردة في الفقرتين الثانية والثالثة من قرار مجلس الأمن 2165 (2014) لمدة اثني عشر شهراً" و" يؤكد من جديد أنه سيتخذ مزيداً من التدابير بموجب ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم امتثال أي طرف في النزاع الداخلي السوري لهذا القرار أو للقرار 2139 (2014) أو القرار 2165 (2014)"

القرارات 2258 (2015) 2332 (2016) 2393 (2017) 2449 (2018) اكتفت بتمديد العمل بالفقرتين 2 و3 من القرار 2165، وطالبت بتقارير تنفيذ قرارات المساعدات الإنسانية جميعها.

القرار 2504 (10 كانون الثاني/يناير 2020)

نصّت المادة الثالثة من هذا القرار على أن مجلس الأمن " يقرر تجديد الإجراءات التي أقرّها في الفقرتين 2 و 3 من قراره 2165 (2014) لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 تموز/يوليه 2020، باستثناء معبري الرمثا واليعربية الحدوديين"

امتنعت روسيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة عن التصويت على هذا القرار، وقالت السفيرة الفرنسية بعد التصويت "لا مجال لأي غموض في حقيقة أن الآلية التي جدّدناها للتو لا يمكن أن تعتمد بأي حال من الأحوال على موافقة النظام السوري. وتلك هي علّة وجود هذه القرارات الملزمة التي ما فتئ مجلسنا يتخذها منذ عام 2014 ولا يزال يفعل حتى يومنا هذا"

إضافة لتأكيد السفيرة الفرنسية فإن قضيتين مهمتين حدثتا في جلسة التصويت على هذا القرار"

الأولى: بيان السفيرة الأمريكية السيدة "كرافت" سعي " الولايات المتحدة إلى تجديد كل المعابر الأربعة التي يأذن بها حالياً القرار 2449 (2018) وإضافة معبر خامس في تل أبيض في شمال شرق سوريا".

الثانية: حديث ممثل نظام الأسد بشار الجعفري عن السبب الحقيقي وراء عرقلة التمديد للمعابر الأريعة هو"تجاهل أن مركز العمل الإنساني في سوريا هو، وينبغي أن يبقى، العاصمة دمشق حصراً، وليس أي عاصمة أو مدينة في أي من دول الجوار  وما يتعداها، وذلك انسجاما مع سيادة الجمهورية العربية السورية التي لا يمكن المساس بها"

القرار 2533 (11 تموز/يوليو 2020)

في هذا القرار جرى تخفيض المعابر الحدودية الأربعة إلى معبر واحد حيث قرر مجلس الأمن " تجديد الإجراءات التي أقرّها في الفقرتين 2 و 3 من قراره 2165 (2014)، لمدة اثني عشر شهرا، أي حتى 10 تموز/يوليه 2021، باستثناء معابر الرمثا واليعربية وباب السلام الحدودية".

هذا القرار هو القرار المعمول به حتى الآن، والذي يجب على المعارضة السورية بالتعاون مع حلفائها الإقليميين، والدوليين في مجلس الأمن وضع خطة التصدي لروسيا فيما لو استخدمت حق النقض الفيتو ضد تمديده.

الخـــــــــــــلاصــــــــــــــة والتوصيـــــــــــــات:

إن قرارات المساعدات الإنسانية جاءت رداً على سياسة النظام في استخدام وسائل الحصار والتجويع كأدوات من أدوات الحرب لمعاقبة الشعب السوري، وقبوله بالاستسلام أو التهجير من أرضه والتوجه نحو الشمال، أو دول الجوار، أو الاتحاد الأوربي، وبالتالي تصدير أزمة النظام نحو الخارج، في محاولة منه لإعادة تأهيل نفسه، وإجبار المجتمع الدولي على الاعتراف به، وإن هذه القرارات جاءت لإفشال خطة النظام هذه، ومساعدة السوريين على البقاء داخل بلادهم، وإن استخدام الفيتو ضد التمديد  للقرار 2533 لا يعني وقف دخول المساعدات الإنسانية بالكامل وإنما يعني العودة إلى أصل القرار 2139 الذي يسمح للأمم المتحدة بالدخول من أي منفذ ومعبر يمكنها استخدامه دون الحاجة إلى إذن نظام الأسد، وبالتالي فإن على المعارضة مطالبة الأمم المتحدة بالإبقاء على آلية الرصد المنشأة بالقرار 2165 تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، كذلك مطالبة الأمم المتحدة بتوسيع عمليات إدخال المساعدات الإنسانية بما يتناسب مع الاحتياجات الحقيقية للشعب السوري، وأن يكون مرور هذه المساعدات عبر كل المعابر  المفتوحة في الشمال السوري، لتشمل باب الهوى، وباب السلامة، وتل أبيض، ورأس العين، وغيرها من الطرق والمعابر التي يمكن المرور عبرها.

الجسر للدراسات