الأربعاء 2017/10/04

سياسة نظام الأسد في إعادة الإعمار ستمنع ملايين اللاجئين من العودة إلى سوريا

النظم الانتخابية توضع لتوصل من تريد إيصاله للحكم، ولتمنع من تريد منعه من ذلك، ببساطة هذه فلسفة القوانين والنظم الانتخابية، طبعاً بعيداً عن التزوير، وجميع الانتهاكات الأخرى التي تشوبها، وهي ليست محل البحث هنا.

سياسات إعادة الإعمار في سوريا ستستند إلى فلسفة شبيهة، فهي ستوضع لتعيد من يريد النظام إعادته للبلاد، ولتمنع من يريد منعه من ذلك.

الورقة هنا ستتعرض بشكل مبسّط لهذا الموضوع، وتترك للخبراء التقنيين، وللمفاوضين السياسيين خوض المعركة التي بدأها النظام في المحافل الدولية للهيمنة والتحكم في جميع مفاصل قضية إعادة الإعمار.

بنفس الطريقة التي تحدث بها ممثل النظام "بشار الجعفري" في مجلس الأمن 27 أيلول/سبتمبر 2017، حول وجوب الأخذ بمبدأ السيادة الوطنية في إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، فإن النظام يتحدث عن مبدأ السيادة الوطنية في قضية إعادة الإعمار.

الملفت للنظر بل المدهش أن السياسات الدولية تغيرت تغيراً كاملاً لتتفق مع رؤية النظام هذه، ولتخضع لها فعلياً، وإن كانت لا تزال تبرر بأنها ستكون عاملاً مساعداً للوصول إلى اتفاق تسوية سياسية.

ما بين ورقة موغريني 2016، وورقة المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية بون شاسع، يشبه البون بين أوراق راند الأمريكية، فمن إدارات محلية تتولى بنفسها شؤون إعادة الإعمار، إلى سلطة حكومة مركزية تمسك بزمام هذا الملف، كعامل مساعد لاستعادة بسط سيطرتها على كامل أرجاء البلاد، كما هو التبرير الحالي لهذه التغيرات الدولية.

يعلم الأوربيون والأمريكيون شدة حساسية وحذر النظام تجاه برامج إعادة الإعمار، فكما كانت سياسة التهجير واللجوء القسري ممنهجة، فإعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم ستكون ممنهجة بشكل أكبر، فمجتمع النظام "المتجانس" اليوم حسب رأيه غير قابل للعودة إلى الحالة غير المتجانسة السابقة.

بوسائل وحشية عديدة تركّز التدمير واللجوء في مناطق العرب السنّة، وهم الذين يقصدهم النظام بدقة كاملة في التجانس وعدم التجانس في تركيبة المجتمع السوري، وللمحافظة على التجانس الجديد الذي مدحه رئيس النظام، فعملية إعادة الإعمار ستؤَسس على هذا المبدأ.

الروس أعلنوا في أكثر من مناسبة أنهم لن يعيدوا إعمار سوريا، فالكلفة باهظة جداً، والأرقام قد تتجاوز المائتي مليار دولار، ومثلهم الإيرانيون لن يفعلوا ذلك، ورؤيتهم تطابق رؤية النظام في التجانس الجديد.

الغرب يريد من خلال المشاركة في إعادة الإعمار التخلص من اللاجئين الذين وصلوا الأراضي الأوربية، وهم يحاولون إغراء النظام من خلال مبادرتهم الجديدة في إعادة تأهيله كسلطة مركزية تخضع لها حتى المناطق التي يمكن أن تكون خارج سيطرته مرحلياً، مثل مناطق PYD، واستعدادهم لاتخاذه كشريك لهم في إعادة الإعمار مقابل القبول بالسماح للاجئين بالعودة إلى سوريا.

قضية عودة اللاجئين أخطر عند النظام، وأهم بكثير من حزمة الإغراءات الأوربية، وهو وإن كان سيقبل بها، لكنه سيعمل على تفريغها من محتواها وأهدافها، كما فعل في المفاوضات السياسية في جنيف تماماً، والنظام بدأ بتحويل عدد من أذرعه الأمنية والعسكرية، ومافياته المالية إلى شركات تجارية واقتصادية، تمهيداً لاعتمادها كشركاء محليين في عقود إعادة الإعمار من جانب، ولضبط العملية حسب سياساته من جانب آخر.

ستتركز عملية إعادة الإعمار بشكل متسارع على مناطق الموالاة المعمّرة أصلاً لتحسين ظروف المعيشة فيها، كمكافأة لها على انحيازها إلى جانب النظام، ومثل ذلك مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية والسياسية في مراكز المدن لإعلان استعادة هيبته، وتخويف السكان من أي اعتراض على سوء الخدمات التي ستتوفر فيها.

الأرياف لن تكون حاضرة، ولفترة طويلة في هذه العملية، فهي مؤهلة للثورة من جديد على النظام بحسب تقديره، وهو يريد من خلال العمل في مراكز المدن استثمار ذلك إعلامياً في إيهام المجتمع الدولي بعودة الأمن والاستقرار للبلاد.

هذه السياسات ستمنع ملايين السوريين اللاجئين في دول الجوار، وفي أوربا من العودة إلى مدنهم وقراهم، وسيبقى ملفهم مفتوحاً كأحد وسائل الابتزاز الكبرى التي يشتهر بها النظام ليساوم على عودتهم مقابل عودة الاعتراف الدولي الكامل به.

المطلوب من المعارضة نقل هذا الملف من البنود الإنسانية، وتثبيته ضمن ملفات المفاوضات السياسية، فبدون عودة اللاجئين والسماح لهم بالتصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في المرحلة الانتقالية، فهذا يعني أيضاً فقدان جميع الأصوات المعارضة للنظام، وبالتالي منحه فرصة استعادة شرعيته وبطريقة دستورية هذه المرة.