السبت 2017/12/16

خطاب الجعفري: غضب على السعودية ودعوة للرياض 3

فشلت السعودية في الوفاء بتعهداتها لروسيا حول مخرجات مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية، فرغم المحاولات المستميتة التي بذلها مدير المؤتمر عبد العزيز بن صقر للحيلولة دون تضمّن البيان الختامي الإشارة إلى أن الحل السياسي يكون "بإقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية"، و "أن ذلك لن يحدث دون مغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد عند بدء المرحلة الانتقالية"، إلا أن هذه الفقرات تم تثبيتها في البيان الختامي.

هذا في المضمون، في الشكل أيضاً فشلت السعودية في تحقيق طلب روسيا بإلغاء الهيئة العليا للمفاوضات، والاكتفاء بوفد تفاوضي صغير لا يتعدّى أحد عشر شخصاً مهمته الأساسية الاعتراف بوثيقتي دي مستورا الرئيسيتين المقرّتين في لوزان: ورقة المبادئ الاثني عشر، وورقة الانتقال السياسي، وفتح المفاوضات المباشرة على أساسهما، والتركيز فيها على سلّتي الدستور والانتخابات، والاتفاق على صيغ عملية وجداول زمنية لهما.

حتى جزء النجاح الوحيد المعتبر في المؤتمر المتمثل بإدخال منصتي موسكو والقاهرة للهيئة، لم يكن كذلك، فرغم تدخل الوزير الجبير ورفع عدد هيئة التفاوض إلى 56، وتقليصها في أول جلسة انعقاد لها إلى 36، لضمان تمثيل أفضل للمنصتين، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتكونا أو على الأقل لتكون منصة موسكو صاحبة قرار مؤثر في الهيئة الجديدة.

تحت هذا الأمر الواقع وصلت الهيئة إلى جنيف 8، وكانت المفاجأة الأولى في التزامها ببيان الرياض الختامي، وتعديل الوثائق على أساسها، فورقة المبادئ أضيف إليها مبدآ المساءلة والمحاسبة على جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق السوريين، ومبدأ إخضاع كافة القوانين والمراسيم الصادرة بعد الشهر الثالث من عام 2011، لمراجعة لجان قانونية مختصة لإقرارها أو إلغائها، كما تم إعادة مبدأ اللامركزية الإدارية إلى شكل الإدارة المحلية للدولة.

ورقة الانتقال السياسي الأهم أضيف إليها استنادها إلى بيان جنيف، وقرارا مجلس الأمن 2118 و2254 وقرار الجمعية العامة 262/67 وأنها تتم بدءاً بإنشاء هيئة الحكم الانتقالي التي تمارس كامل السلطات التنفيذية، وتحل محل الحكم الحالي، وأن المرحلة الانتقالية تبدأ بمغادرة بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد.

كما أضيف إليها وجوب تطبيق إجراءات بناء الثقة قبل بدء المرحلة الانتقالية من حيث إطلاق سراح المعتقلين، وكشف مصير المغيّبين والمفقودين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود.

ومن حيث الأمور العسكرية أضيف إليها فرض وقف إطلاق نار شامل، وإعادة هيكلة وتشكيل الأجهزة العسكرية والأمنية خلال المرحلة الانتقالية، وإخراج جميع المقاتلين والميليشيات والقوات الأجنبية.

كما تمنع الورقة أن يشارك في هيئة الحكم الانتقالي أو في أي ترتيبات سياسية قادمة من ثبتت مشاركته في جرائم ضد السوريين.

صبّ الجعفري جام غضبه على دي مستورا في الجزء الأول من جولة جنيف 8، وغادر إلى دمشق لإبلاغ النظام بهذه التطورات الخطيرة، وطلب من دي مستورا إصلاح ما يمكن إصلاحه مع وفد المعارضة، وإلزامهم بالرؤية الروسية للحل، وأنه سيكون حصراً عبر إصلاحات دستورية تجري على أساسها الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية.

في الجزء الثاني من الجولة هدد دي مستورا وفد المعارضة حال لم يقبل بالاقتصار على سلتي الدستور والانتخابات ويترك سلة الحكم الانتقالي، فإن البديل سيكون سوتشي، وأن بيان جنيف والقرار 2254 لم يعودا صالحين كأساس للعملية التفاوضية، وأنه سيقدم إحاطة لمجلس الأمن قد يصدر على إثرها قرار جديد يتوافق مع متغيرات الواقع على الأرض، وأن القرار سيكون أقل بكثير مما تصبو إليه المعارضة التي فقدت الدعم الدولي الذي يمكنّها من فرض شروطها، أو الثبات على مواقفها المعلنة في الرياض 2.

رد هيئة التفاوض الصاعق على تهديد دي مستورا بتهديده بطلب لقاء مباشر مع الأمين العام للأمم المتحدة وبحضور المبعوثين الدوليين، لعرض مذكرة تبين مدى عدم التزام دي مستورا بالسعي لتطبيق قرارات المنظمة الدولية ومخالفته للمهمة المكلّف بها، هذا الرد تسبب بتراجع دي مستورا عن مواقفه السابقة والعودة لتحميل النظام مسؤولية فشل الجولة.

تسلسل الأحداث هذا يفسّر المؤتمر الختامي للجعفري الذي انتقل لتوجيه اللوم الشديد للسعودية عبر تسميتها "مشغّل وفد المعارضة"، وأنها مسؤولة عن الخطأين اللذين وقعا في الرياض 2، البيان الختامي وتشكيلة الوفد، وأنه لن يكون هناك مفاوضات مباشرة إلا بتحقيق هذين الأمرين.

هيئة التفاوض التي غادرت جنيف ستنعقد خلال أيام في الرياض وستضغط موسكو على السعودية لتضع على جدول أعمالها سحب البيان الختامي، أو تعديل فقراته التي يحتجّ النظام عليها ويعتبرها شروطاً مسبقة، الأمر المتعسّر بالنسبة للهيئة إذ هو خارج نطاق صلاحياتها، وسيسعى بعض أطراف الهيئة لإصدار تفسير لبندي مصير بشار وعملية الانتقال السياسي، وهو أسهل الحلول التي يمكن أن تقدمها الهيئة.

سيترافق هذا الطلب مع طلب المشاركة في مؤتمر سوتشي، بحيث يتحقق إصلاح الخطأ الثاني للرياض 2، بتمثيل أوسع للمعارضة، ويتيح لدي مستورا وفريقه حضور سوتشي، واستثمار نتائجه في قرار دولي جديد.

الطلب الثالث سيكون اختزال الهيئة إلى وفد مفاوض فقط يملك مرجعية نفسه، ويتشكل بطريقة تتيح تمرير هذه التغييرات المطلوبة على المواقف التفاوضية للمعارضة.

الطلبات الثلاثة من الصعب تلبيتها، فهل ستلجأ موسكو لطلب الدعوة لمؤتمر الرياض 3، أم إنها ستمضي في مؤتمر سوتشي وإنتاج معارضة مفصّلة على مقاسها ومقاس النظام، وتذهب لمجلس الأمن لاستصدار قرار جديد يعترف بنتائج سوتشي، ويضعها قيد التنفيذ؟

الهيئة سمعت من الدبلوماسية الغربية عدم رضاها عن مؤتمر سوتشي، لكنها قد لا تستطيع منع بعض مكوناتها من المشاركة فيه الأمر الذي يؤدي لحدوث انقسامات وفصل المكونات أو الشخصيات المشاركة، وهو في كل الحالات يصبّ في مصلحة النظام.

خيارات الهيئة محدودة فنجاحها في جنيف 8 في تعرية النظام أمام المجتمع الدولي بعدم رغبته بالحل السياسي، وتجاوزها النسبي لحملة التشكيك التي رافقت نشوءها، إضافة لعلمها أن النظام لن يفتح مفاوضات مباشرة حتى لو تم تعديل بيان الرياض 2، فقضية تعديل تشكيل الوفد ستبقى ساحة يتلاعب بها النظام للتهرب من الجلوس إلى طاولة المفاوضات حسب القرارات الدولية، كل هذا ينبغي أن يكون في حسبان الهيئة وهي تأخذ قراراتها في اجتماعها القادم.