الأربعاء 2017/11/29

ما الذي أحضر النظام إلى جنيف8 ؟

تحدثنا في دراسة سابقة أن وثائق لوزان تعاني من مشكلتين رئيسين جعلت هيئة المفاوضات ترفض اعتمادها أثناء عرضها في جولة جنيف 7:

الأولى: إسقاط بند مصير بشار الأسد في العملية السياسية الانتقالية أو النهائية، وهو ما تصر منصة موسكو عليه، وتطرح استمراره في منصبه ووضع خمسة نواب له: لشؤون مجلس الوزراء، ولشؤون الدفاع، والخارجية، وللشؤون الأمنية، وللشؤون التشريعية والقضائية، كما تطرح منصة القاهرة مناقشة مصيره أثناء المفاوضات، وعدم وضعها كشرط مسبق.

الثانية: التنازل عن البدء بسلّة هيئة الحكم الانتقالي، والبدء بسلّتي الدستور والانتخابات، وأن منصة موسكو تطرح هنا مسمّى "حكومة موسّعة" بدل هيئة الحكم الانتقالي.

وأن الوفد التقني لهيئة المفاوضات المشارك في الآلية التشاورية في لوزان ارتكب خطأً فادحاً في التفريط في مكانة هيئة المفاوضات، وجعلها كمنصة تساوي منصتي موسكو والقاهرة، وهو ما دفعت الهيئة ثمنه في مؤتمر الرياض 2.

الثمن الثاني الذي دفعته هيئة المفاوضات هو قبولها دخول المفاوضات بدون شروط مسبقة، وهو ما تم حتى تقبل المنصتان المشاركة في مؤتمر الرياض 2.

دي ميستورا الذي غضب من رفض هيئة المفاوضات لوثائق لوزان التقنية في جنيف 7، توجه على الفور إلى روسيا، وطلب المساعدة في تغيير قيادة الهيئة، أو تغييرها بالكلية وبشكل جذري، وبأن تكون الهيئة الجديدة مكونة من وفد لوزان الذي صاغ الوثائق التقنية، وبالتالي سينقلها إلى طاولة مفاوضات جنيف 8 دون إدخال أي تعديل عليها، فهي تفتقر فقط إلى الغطاء السياسي اللازم للاعتراف بشرعيتها، ويستطيع هؤلاء حال أصبحوا هم هيئة المفاوضات الجديدة أن يمنحوا الوثائق هذا الغطاء السياسي.

لم يكن ممكناً أن ينشئ الروس هيئة مفاوضات جديدة من خلال مساري أستانا أو سوتشي كما تم التفكير به أولاً، ووجهت الدعوات لحضور سوتشي لأجله، فالأمر لن يكون مقنعاً، وسيواجه ردود فعل سلبية جداً تُجاه أي عمل من هذا النوع.

كان لابد من تكليف جهة أخرى غير الروس بهذا الموضوع، لذا جرى الاتفاق بين موسكو والرياض على الدعوة لمؤتمر موسّع للمعارضة السورية بأربعة شروط:

1- عدم دعوة أعضاء هيئة المفاوضات العليا الذين رفضوا وثائق أستانا.

2- ضمان تمثيل قوي لمنصتي القاهرة وموسكو في التشكيل الجديد، بحيث يكون القرار لهم مع حلفائهم من العدد الكبير الذي سيدعى من المستقلين، ومن هيئة التنسيق الأقرب إليهم من قربها من الائتلاف أو الفصائل، أو في أضعف الحالات أن تملك المنصتان القدرة على تعطيل القرارات التي لا تتماشى مع مطالب روسيا.

3- تضمين معاني وثائق لوزان في البيان الختامي، والتخلي عن بيان الرياض 1، وإسقاط الفقرات المتعلقة برحيل رئيس النظام مع بدء المرحلة الانتقالية.

4- حل هيئة المفاوضات والاكتفاء بوفد من ١١ شخصاً بالتساوي بين المنصات ممن شاركوا في صياغة وثائق لوزان، يقودون العملية التفاوضية برمّتها، ودون أي مرجعية يرجعون إليها بعد حصولهم على التفويض اللازم من مؤتمر الرياض 2.

نجح مؤتمر الرياض 2 في تطبيق الشرطين الأول والثاني، ومع المحاولات المستمرة من مدير الجلسات "ابن صقر" في حذف مصير الأسد من البيان الختامي تلبيةً للشروط الروسية، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في ذلك، كما فشل فشلاً أشد منه في حل هيئة المفاوضات بعد أن أعلن حلّها مرتين على الأقل في ثنايا المؤتمر، واستطاعت الهيئة المحافظة على جزء من اسمها كهيئة للتفاوض.

إثر هذا الفشل السعودي أعلن النظام الذي كان ينتظر نتائج المؤتمر المتفق عليها بين موسكو والرياض مقاطعته لجولة جنيف 8، فهو غير مستعد مطلقاً لمناقشة موضوع الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، وإنما فقط فتح الحوار حسب ما جاء في وثائق لوزان التقنية.

دي ميستورا وبعد انقضاء اليوم الأول للجولة حصل من منصتي القاهرة وموسكو وبعض المستقلين، على تعهدات بتمرير وثائق لوزان كما هي دون إدخال أي تعديل عليها، وأرسل بذلك إلى نظام الأسد الذي غيّر موقفه من مقاطعة جنيف 8، وأرسل وفده في اليوم الثاني.

دي ميستورا سيفشل كما فشل ابن صقر، وسيفاجأ بأن قوى الثورة الوطنية لا تزال ثابتة على مبادئها ومواقفها من وجوب استمرار العملية التفاوضية وفق القرار 2254، والقرارات الدولية الأخرى القاضية بتشكيل "هيئة حكم انتقالي"، ومع أنها تدخل الجولة دون شروط مسبقة إلا أنها تعلن وجوب مغادرة رأس النظام للسلطة مع بدء المرحلة الانتقالية، وأن هذه القضية يجب أن تكون على طاولة المفاوضات إلى جانب سلتي الدستور والانتخابات التي لا يمكن تطبيق أي تفاهمات تنتج حولها إلا بوجود هيئة حكم انتقالي تقوم بأعبائها، وأن استمرار بشار في منصبه سيكون مانعاً لتطبيق هذه التفاهمات، وأنه لا يمكن إيجاد بيئة آمنة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية بوجوده، كما لا يمكن بدء العودة الطوعية والآمنة للاجئين، ولا بدء برامج إعادة الإعمار إلا بعد مغادرته السلطة.

دي ميستورا يحاول الآن تمديد الجولة لتلافي المأزق الذي وقع فيه بعد إبلاغه النظام أن الجولة ستستند إلى وثائق لوزان، وسيعمل على الانفراد بطريقة ما بمجموعة لوزان لإجبارها على تمرير وثائقها ولو واحدة تلو الأخرى بحيث يمكن إقناع المعارضة أن مطالبها سيتم الاستجابة لها لكن من خلال أوراق متتالية، وليس من خلال ورقة واحدة.

هذه الثغرة قد ينجح من خلالها دي ميستورا في تمرير القضايا الرئيسية لصالح النظام، وجعلها وثائق أممية معترَفاً بها، ثم تعطيل باقي القضايا بحجة عدم الاتفاق عليها من قِبَل المعارضة، ومن قِبَل النظام، بحيث يُزيلها من طاولة المفاوضات. والمطلوب من المعارضة تثبيت مبدأ أنه "لا اتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء".