السبت 2017/09/09

“خطاب النصر”.. الكارثة التي يخشاها دي مستورا (تحليل المؤتمر الصحفي)

دي مستورا الدبلوماسي والسياسي المخضرم الذي عمل في العراق وفي أفغانستان والسودان والصومال وكوسوفو، الحالات الأشبه بالحالة السورية، عندما يقسم مقدمة مؤتمره الصحفي بين حقائق تجري على الأرض، ورؤى (يفترض بالوسيط أن يقترحها أو أن يعمل عليها)، ويتحدث عن مخاوفه منها، فهو يريد من ذلك أنها بمنزلة الحقائق، وأنها ستحدث لا يشك في حدوثها.

سيكون كلام دي مستورا دائماً بين قوسين كاقتباس من مؤتمره في جنيف، 6 أيلول / سبتمبر 2017.

الحقائق التي أوردها هي (دير الزور على وشك أن تتحرر، بل في الواقع سيتم تحريرها في غضون ساعات قليلة، والمدينة التالية هي الرقة وذلك في غضون أيام أو بضعة أسابيع. لقد كانت دير الزور محاصرة، كما تعلمون، من قبل تنظيم الدولة، وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى القتال في الشوارع. الوضع في الرقة أكثر تعقيداً، ولكن من المرجح أيضاً أن يتم تحريرها في وقت قريب جداً).

هو يعلم أن المدينتين لن تتحررا ضمن الزمن الذي أعلنه، على الأقل انقضت "الساعات القليلة"، ولم "تتحرر" دير الزور، لكنه يريد أن ذلك حين يتم، ويذاع "خطاب النصر"، فستبدأ سلسلة الأحداث الفوضوية التي ستُدخل البلاد في دوامة جديدة من العنف، لعلها ستفوق ما كان قبل الخطاب.

"خطاب النصر" ..هل سيذاع من طهران، أم من الضاحية الجنوبية، أم من دمشق؟ سيعلن الخطاب منها جميعها، لكنه لن يكون مهماً، المشكلة لو أذاعته أو قبلت به موسكو، وسيكون ذلك المحرك الرئيسي لردود الأفعال الدولية الرافضة له، فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بضرباته الجوية، وذراعه البرية "قسد"، وتركيا ودرع الفرات، والفصائل المعتدلة والدول الداعمة لها، ثم العديد من المعارضة السياسية، كل هؤلاء سيرفضون خطاب النصر هذا، فالجميع شارك في "الحرب على الإرهاب" الذي تتحرر هذه المناطق منه، وتحريرها لن يلفت النظر عن أصل المشكلة في سوريا البعيدة تماماً عن مآلاتها اليوم، فتنظيم الدولة عنصر دخيل على مسار الثورة، والتخلص منه لا يعني نهاية الحرب، بل عودتها إلى طور سابق لها كمواجهات بين النظام والجيش الحر، ناهيك عن بقاء ملف الإرهاب مفتوحاً باستمرار سيطرة "هيئة تحرير الشام" في إدلب.

ما الذي يريده دي مستورا من هذا التهييج ضد "إعلان النصر"؟

ببساطة يريد تأخيره، أو منعه بالكلية، فالخطاب لن يقتصر على النصر على تنظيم الدولة، وإنما سيتعدّاه إلى نصر على جميع المعارضين، والخطاب كما سيعلن نهاية الثورة على النظام، واستعادته للشرعية والسلطة التي خسرها سابقاً في هذه المناطق من البلاد، فإنه سيكون إعلان نهاية العملية التفاوضية السياسية، ونهاية عمل دي مستورا، فالحرب "وضعت أوزارها"، وبدأت مرحلة الاستقرار الجديدة التي تستلزم رفع العقوبات، وإعادة الإعمار، وغيرها من مطالب النظام.

المتوقع هنا معركة طويلة الأجل، إلى أن تتقدم التفاهمات السياسية بين "البلدان المنخرطة في الصراع السوري"، وهو الذي سيلمح إليه دي مستورا بعد قليل، بحيث تستثمر الأعمال العسكرية في العملية التفاوضية السياسية، وليس في فرض الأمر الواقع.

الأحداث الفوضوية التي يتوقعها دي مستورا حال إعلان النصر:

أولاً: وجود موصل جديد في سوريا، أو ظهور تنظيم الدولة باسم مختلف، فخبرة الرجل التي يكررها: هناك مخرِّب دائماً، والمخربون (لحظة الحقيقة) كما يسميها كثر، ويستطيعون تغيير قواعد اللعبة، يقول دي مستورا: (عندما يحدث ذلك ستحين لحظة الحقيقة. لماذا ا؟ لأن العديد من البلدان المنخرطة في الصراع السوري لديها نية خاصة وعامة لمحاربة تنظيم الدولة. بمجرد هزيمة التنظيم عسكرياً، هناك سؤال كبير جداً أنه ينبغي مساعدتهم على طرحه على أنفسهم، هل نريد أن يكون هناك موصل أخرى؟ هل نريد أن نمنح تنظيم الدولة فرصة، في شكل آخر، في غضون ثلاثة أشهر -لا سمح الله-، وباسم مختلف، أن تظهر من جديد في سوريا، كما حدث في العراق؟ أم إننا نريد فعلاً أن نهزم التنظيم ونجيب في الواقع عن السؤال الذي يطرحه الشعب السوري: "نريد السلام أخيراً، نريد الاستقرار السياسي، نحن لا نريد العنف".).

ثانياً: حرب عصابات على مدى السنوات العشر المقبلة: من جميع الأطراف المشاركة في القتال، من الميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية، والشبيحة، مقابل تنظيمي "الدولة والنصرة"، إضافة إلى فصائل الجيش الحر التي ترى أن الحرب لا تنتهي إلا بعملية انتقال سياسي حقيقي.

يتوقع دي مستورا دخول البلاد في حالة من اللا سلم، واللا حرب، وما يلحقها من تبعات سياسية وعسكرية واقتصادية، تشبه ما جرى ويجري في العراق وأفغانستان والسودان والصومال، البلدان التي خبرها كما ذكرنا سابقاً.

ثالثاً: تعطيل مسار جنيف السياسي لحساب مسار أستانا العسكري: وبهذا يتم نقل الملفات السياسية إلى أستانا، وعلى أسس مختلفة تماماً عن بيان جنيف، والقرار 2254، ودي مستورا يتوقع توقف النظام عن المشاركة في جنيف بشكل نهائي، بينما يريد دي مستورا تعطيل مسار أستانا لحظتها، وبدء المفاوضات المباشرة تحت غطاء الأمم المتحدة.

يقول: (بصراحة بمجرد انتهاء التصعيد، يمكن أن يكون دور أستانا المفيد قد انتهى تقريباً..... نحن بحاجة إلى وقف إطلاق نار شامل، وهذا ما يريده الشعب السوري. وهل نريد أن نجعل وقف إطلاق النار هذا مستداماً؟ الجواب الوحيد هو العملية السياسية).

رابعاً: حدوث انقسامات هائلة في طرف المعارضة: تؤدي إلى تعطيل مؤتمر الرياض 2، أو انسحاب مجموعات مهمة منه، فهي لن تكون (قادرة على أن تكون موحدة وواقعية بما فيه الكفاية وتدرك أنها لم تكسب الحرب).

الواقعية التي يعنيها: تنازلات مذلّة تتلخّص بالتالي:

1- القبول بالدستور الحالي مع إدخال بعض (الإصلاحات الدستورية).

2- القبول ب (صيغة ما لتشارك السلطات السياسية)، وإلغاء هيئة الحكم الانتقالي.

3- القبول ب (انتخابات ذات مصداقية برقابة أممية)، سيشارك فيها بشار الأسد بلا شك فهي ستجري في ظل الدستور والحكم القائمين حاليّاً.

أين هي موصل سوريا؟

موصل سوريا هي إدلب، فكما سهّل التحالف الدولي إنشاء جيب الموصل في العراق، هو سيفعل ذلك في سوريا، ويسهّل تحوّل عناصر تنظيم الدولة إليها، وهي المكان الوحيد الذي سيلجأ إليه عناصر الجيش الحر الرافضين لتسوية أوضاعهم مع النظام، بموجب اتفاقيات الهدن والمصالحات وخفض التصعيد.

يقول دي مستورا: (إذن ما تبقى لدينا هو إدلب. إدلب معقدة، أنا أوافق، الوضع فيها معقد لأن هناك مليونَي شخص ولأن "جبهة النصرة" آخذة بزيادة نفوذها هناك. وأنا واثق، ونحن ندفع من أجل ذلك، ونحن نعمل أيضاً من أجل ذلك، وهو أن يكون هناك حل غير تصارعي، دعونا نقول، وليس حلب جديدة في إدلب، وهذا ما نريد تجنبه بأي ثمن في حال تعلمنا من الماضي. وللقيام بذلك، آمل وأعتقد أن الاجتماعات المقبلة في أستانا سوف تكون مفيدة. إن حدث ذلك الآن، قد تصبح إدلب مجمدة بطريقة لكي نتجنب أن يكون هناك نهاية مأساوية كبيرة للنزاع. وبحلول ذلك الوقت، لن يكون هناك أي قتال كبير، ربما منطقة مجمدة مع بعض المفاوضات، ويكون الوقت قد حان لعملية سياسية ذات مصداقية. وإلا فإننا سوف نكون قد فوتنا هذه الفرص).

دي مستورا يعلم أن إدلب بمن يسيطر عليها لن تدخل لاحقاً بأي شكل من الأشكال في عملية تسوية سياسية، وأن هناك نهاية مأساوية تنتظرها كموصل العراق.