الأربعاء 2018/02/14

تيلرسون في الشرق الأوسط لبدء تقسيم سوريا


مركز الجسر للدراسات


بدأ وزير الخارجية الأمريكية "تيلرسون" جولة شرق أوسطية تشمل عدداً من دول المنطقة، ما الذي يحمله الوزير في جعبته بشأن سوريا في جولته هذه؟

الإدارة الأمريكية حسمت سياساتها واستراتيجياتها في سوريا بعد شدٍّ وجذب، وتأرجح بين عدة خيارات، ولأسباب داخلية منها ما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، ومنها ما يعود للتنافس والصراع المعتاد بين الجمهوريين والديموقراطيين من جانب، وبين أجهزة الإدارة الأمريكية المختلفة من جانب آخر، ولأسباب خارجية لعلّ على رأسها العداوة التقليدية مع روسيا، ومنع عودتها كقطب ثان في العالم كما يسعى إليه بوتين، كذلك حماية حلفاء ومصالح أمريكا في المنطقة، والإبقاء على النفوذ الأمريكي فيها. كذلك تهدف أمريكا إلى تحجيم نفوذ إيران ومنع وصل طهران برياً بشرق المتوسط، وهو مطلب إسرائيل ودول الخليج العربي.

سياسة أمريكا حول الحل "المؤقت" في سوريا، تستند في جذورها إلى عدة رؤى تطورت عبر السنوات الماضية ما بين الحفاظ على سوريا دولة مركزية أو التوجه نحو دولة لا مركزية، وإنشاء إدارات محلية تتمتع بحكم ذاتي محدود أو موسّع، والشركاء المحتملين في هذه الإدارات، وخصوصاً شمال، وشمال شرق سوريا، ما بين "قوات الحماية الشعبية ذات الغالبية الكردية" –كما توصف-والتي حقيقتها عن مليشيات PYD الانفصالية الكردية، وبين مشاركة أبناء هذه المناطق العرب في حكمها.

"سوريا لا مركزية" كانت هدفاً أكثر واقعية من السعي المستمر بجهد عسكري وراء إسقاط النظام". يمكن القول إن هذا الهدف كما جاء في دراسة راند 4، صار هو الأساس الذي بنت عليه أمريكا سياستها الحالية. المعنى الآخر لهذه اللامركزية حسب الرؤية التي يحملها تيلرسون في جولته هو "تقسيم سوريا"، ولو "كحلٍّ مؤقت"، الذي إن حصل، فيبدو أنه سيكون طويل الأمد.

لماذا حسمت أمريكا سياستها تحت هذا الهدف؟ الجواب يأتي في ثنايا تصريح أدلى به مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة "فاسيلي نيبينزيا"، يوم الخميس الماضي بعد جلسة مغلقة في مجلس الأمن الدولي حول سوريا حول ما خاطب به الأمريكيين، قال: "طلبت منهم خلال الاجتماع أن يتذكروا أن وجودهم في سوريا غير قانوني عملياً، ولم يدعهم أحد إلى هناك، ويصرون دائما على أنهم يحاربون هناك الإرهاب الدولي، لكننا نرى أن أنهم يخرجون عن هذه النطاق".

وأضاف المندوب الروسي أنه حذّر قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، من أن "التصدي لهؤلاء الذين يحاربون حقا الإرهاب الدولي من الجانب السوري يمثل جريمة".

هذا هو الفارق القانوني حول وجود قوات الدولتين على الأراضي السورية، ففيما يعتبر وجود القوات الروسية شرعياً، فإن أمريكا تفتقر لهذا الغطاء لمزيد من نشر قواتها، وبناء قواعدها كما هو حال الروس.

ماذا ستفعل أمريكا بمواجهة هذا الاتهام الذي يشارك فيه النظام والإيرانيون إلى جانب الروس؟

الوزير تيلرسون في حديثه يوم 17كانون الثاني/يناير 2018 أمام معهد هوفر في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، بشأن نهج الولايات المتحدة الجديد للمستقبل في سوريا، تطرّق إلى هذا الجانب، وسرد مخاطر انسحاب القوات الأمريكية، مورداً أربعة أسباب توجب الحفاظ على هذا الوجود العسكري في سوريا.

الأول: ضمان عدم ظهور تنظيم الدولة مرة أخرى

قال تيلرسون: "ستبقى مهمتنا العسكرية في سوريا قائمة على شروط. لا يمكننا أن نرتكب نفس الأخطاء التي ارتكبت في العام 2011 عندما سمح الرحيل السابق لأوانه من العراق لتنظيم القاعدة في العراق بالاستمرار والتحول في النهاية إلى تنظيم الدولة. سمح هذا الفراغ لتنظيم الدولة وغيره من التنظيمات الإرهابية بإفساد البلاد ومنح التنظيم ملاذاً آمناً لتخطيط الهجمات ضد الأمريكيين وحلفائنا. لا يمكننا أن نسمح أن يعيد التاريخ نفسه في سوريا. بات تنظيم الدولة في الوقت الراهن قريباً جداً من النهاية، وسينتهي بالكامل عما قريب من خلال الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا حتى يتم تحقيق هزيمة كاملة وشاملة من التنظيم".

هذا واضح أنه يخصّ مناطق شمال شرق سوريا.

الثاني: إحباط تنظيم القاعدة: والمقصود به "جبهة النصرة"، أو هيئة تحرير الشام، قال الوزير: "يجب أن نبقى في سوريا لإحباط تنظيم القاعدة، والذي لا يزال يتمتع بوجود كبير وقاعدة عمليات في شمال غرب سوريا.

وكما هو الحال في السنوات التي سبقت 11 أيلول/سبتمبر، تنظيم القاعدة حريص على إنشاء ملاذ للتخطيط لشن هجمات على الغرب وتنفيذها. وعلى الرغم من أنّ تنظيم الدولة هو الجماعة الإرهابية التي سيطرت على العناوين الرئيسية في السنوات القليلة الماضية، فلا تزال القاعدة تشكل تهديداً خطيراً، وهي تتطلع إلى إعادة تشكيل نفسها بطرق جديدة وقوية.

هذا الكلام يخص شمال غرب سوريا في مناطق محافظة إدلب.

الثالث: تهيئة الظروف لرحيل الأسد

قال تيلرسون: "سيعيد الانسحاب الكامل للأفراد الأمريكيين في هذا الوقت للأسد زخمه ويواصل معاملته الوحشية ضد شعبه. لا يمكن لقاتل شعبه أن يولد الثقة اللازمة لتحقيق الاستقرار طويل الأجل. تحتاج سوريا المستقرة والموحدة والمستقلة في نهاية المطاف إلى قيادة ما بعد الأسد لكي تكون ناجحة. ومن شأن استمرار الوجود الأمريكي لضمان هزيمة تنظيم الدولة الدائمة أن يساعد أيضاً على تمهيد الطريق للسلطات المدنية المحلية الشرعية لممارسة الحكم الرشيد للمناطق المحررة. وسيهيئ رحيل الأسد من خلال عملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة الظروف لإحلال سلام دائم داخل سوريا والأمن على طول الحدود لجيران سوريا".

الرابع: تحجيم دور إيران

قال الوزير: "سيتيح الانسحاب الأمريكي من سوريا لإيران فرصة لتعزيز موقفها في سوريا أكثر. وكما رأينا من حروب إيران بالوكالة وإعلاناتها العلنية، تسعى إيران إلى الهيمنة على الشرق الأوسط وتدمير حليفنا إسرائيل. وباعتبار سوريا دولة مزعزعة للاستقرار لديها حدود مع إسرائيل، فهي تمثّل فرصة وإيران حريصة جداً على استغلالها".

مكافحة الإرهاب سبب كافٍ لشنِّ العمليات القتالية الجوية والبرية ضدّه، وهو ما تذرّعت به أمريكا لإنشاء التحالف الدولي الذي تقوده، " ولكن الأساس القانوني السياسي والداخلي لدور عسكري أميركي طويل الأمد في سوريا، سيصبح إشكالياً حال هزيمة الدولة الإسلامية ".

كما جاء في دراسة راند4، لذا فإن الولايات المتحدة لجأت إلى ذريعة "عدم ظهور تنظيم الدولة" من جديد كما حدث في العراق، لكن كما ذكر تيلرسون في معهد هوفر " على عكس العراق، ليس لدينا شريك حكومي وطني لجهود تحقيق الاستقرار، لذلك يجب أن نعمل مع جهات أخرى".

هذه الجهات الأخرى ستكون بديلاً عن نظام الأسد في تغطية وجود القوات الأمريكية، وستعمل أمريكا على منحها ولو بصفة مؤقتة نوعاً من الاستقلال عن دمشق على شكل إدارات محلية واسعة الصلاحيات تصل بها إلى أن تكون حكومات مصغّرة بسلطات وصلاحيات تشابه سلطات وصلاحيات حكومة دمشق، أو قريباً منها، والمبادرة الأمريكية ستعمل باتجاه إجراء انتخاب مجالس محلية تحت مراقبة دولية، وبدء تمويل مشاريع إعادة الإعمار فيها التي قال عنها تيلرسون: " يجب أن نكون واضحين: ليس "الاستقرار" مرادفاً لجهود بناء الأمة أو إعادة الإعمار المفتوحة الأمد. ولكنه ضروري. لا يستطيع أي طرف في النزاع السوري أن ينتصر أو يحقق الاستقرار في البلاد عن طريق الأساليب العسكرية فحسب.

وجودنا العسكري مدعوم بفرق تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل بالفعل مع السلطات المحلية لمساعدة الشعوب المحررة على تحقيق الاستقرار في مجتمعاتها المحلية". وقال تيلرسون أيضاً: " نشرت الولايات المتحدة دبلوماسيين إضافيين في المناطق المتضررة في سوريا".

شمال شرق سوريا، تواجه أمريكا اعتراضاً تركياً على الشريك المحلي الذي اختارته هناك، لذا تعمل أمريكا الآن على تغيير الخارطة السياسية في هذه المنطقة، وبدأت بتأسيس حزب سياسي جديد باسم "سوريا المستقبل" من مكونات عربية وعشائرية وآشورية وتركمانية في هذه المناطق، بحيث يصبح "الاتحاد الديمقراطي الكردي" الذي تتبع له ميليشيات PYD، أحد الأحزاب السياسية شرق الفرات وليس المكون الرئيسي. هذا سيرضي تركيا نوعاً ما.

هذه المناطق التي شهدت موجات نزوح واسعة منها، ستشهد عودة سريعة وواسعة أيضاً لهؤلاء النازحين إليها، ومع توفير خدمات جيدة لهم سيكون وجودهم العامل الرئيسي لضمان عدم عودة تنظيم الدولة إليها.

جنوب غرب سوريا سيستعين الأمريكيون بالجانب الأردني، وبمراقبة وموافقة إسرائيلية على ترتيب حكم محلي من السكان المحليين، والفصائل المنتشرة هناك، والتي هي بالأصل تعمل في غرفة العمليات التي تموّلها أمريكا.

شمال غرب سوريا سيكون هو محور زيارة تيلرسون "الصعبة" لتركيا، وتيلرسون سيطرح نفس مشروع شمال شرق سوريا لكن بانتشار القوات التركية هنا بدل الأمريكية هناك، لكن سيشترط الأمريكيون أن يمتد الانتشار التركي ليشمل محافظة إدلب بكاملها، وانتزاعها من يد جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، مع ترك كيفية فعل ذلك للجانب التركي قتالاً للنصرة، أو تسليماً منها لإدلب، بحيث تعمل تركيا كما في منطقة شمال شرق سوريا على إنشاء حكم محلي مستقل عن حكومة دمشق.

أمريكا ترامب لن تنفق على هذه المشاريع بالطبع، لذا أدرج تيلرسون على جدول أعمال مشاركته في مؤتمر المانحين بالكويت، طلب تمويل هذه الحكومات المصغّرة، وبوادر نجاح مساعيه ظهرت اليوم في إعلان أمريكا تخصيص ما يزيد عن نصف مليار دولار لمناطق شمال شرق سوريا.

مقابل ذلك ستسعى أمريكا إلى تعزيز العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، بحيث لا تشمل جهود إعادة الإعمار مناطق سيطرة النظام، وهي تعلم أن روسيا وإيران غير قادرتين على الدخول في مشاريع إعادة الإعمار ما لم يكن هناك تمويل دولي لها، وستفرض شرط أن ذلك مرتبط بعملية الانتقال السياسي في البلاد.

هل بقي شيء لمسارات جنيف وأستانا وسوتشي؟ وهيئة الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات؟ وكل القرارات الدولية المتعلقة بسوريا؟

لا لم يبق شيء.