الأثنين 2017/12/04

بين الورقة المسرّبة والورقة الحقيقية المقدّمة لديمستورا في الجولة الثامنة لجنيف

ورقة مسرّبة تمّ تداولها على وسائل الإعلام على أنها ورقة مبادئ قدّمتها هيئة التفاوض في جولة جنيف 8، ثم عمل بعض الباحثين على دراستها واستنتاج خلاصات تصبّ في تصفية حسابات سياسية مع الهيئة الجديدة، ويمكن النظر إلى هذا العمل أيضاً من زاوية أنه تضليل للرأي العام سيتكرر ما لم تعالجه الهيئة بقنوات تواصل جيدة مع الشعب السوري بشتّى انتماءاته، ومع وسائل الإعلام المحلية والدولية.

خمس أوراق كانت على جدول أعمال الهيئة لإنجازها في هذه الجولة:

1- ورقة المبادئ حول الشكل النهائي للدولة السورية في المرحلة بعد الانتقالية.

2- ورقة الانتقال السياسي.

3- ورقة الجدول الزمني، وعملية صياغة واعتماد الدستور الجديد (السلّة الثانية).

4- ورقة مبادئ حول العملية الانتخابية في المرحلة الانتقالية (السلّة الثالثة).

5- ورقة مكافحة الإرهاب (السلّة الثالثة).

واضح هنا أن الورقتين الأولى والثانية تشكّلان معاً السلّة الأولى المتعلّقة بالحكم، وارتأى خبراء الأمم المتحدة تقسيمها إلى جزأين كحلّ وسط بين المعارضة المطالبة بالبدء بسلة الحكم، والنظام المصرّ على البدء بسلّة مكافحة الإرهاب، ولهذا السبب انسحب النظام من الجولة، ووجّه شتى الاتهامات لديمستورا، واعتبره منحازاً لجانب المعارضة، وأنه حين بدأ بورقة المبادئ فهذا يعني أنه بدأ بسلّة الحكم، وأن النظام حين يقبل بالمفاوضات المباشرة بها، فهذا يعني أن الخطوة التالية ستكون المفاوضات على عملية الانتقال السياسي، الأمر الذي يخشاه النظام أيّما خشية.

تجزئة سلّة الحكم اقتضت تِقنيّاً فصل بنود الحالة النهائية عن المرحلة الانتقالية، والورقة المسرّبة خلت من كل القضايا المتعلقة بالانتقال السياسي، ونقلتها إلى الورقة الخاصة بها، وهو أمر لم يحدث في هذه الجولة على يد الهيئة الجديدة، بل تمّ العمل عليه في الهيئة العليا السابقة بورقتها المسمّاة "مبادئ فوق دستورية" المؤرَّخة بتاريخ 30/1/2017 بمدينة الرياض.

الوثيقة المسرّبة كانت إحدى النسخ المتداولة قيد الدراسة والمراجعة قبل أن تعتمد الهيئة الصيغة النهائية لها، وتسلّمها بشكل رسمي للمبعوث الأممي، ويوجد بينها وبين الوثيقة الرسمية فوارق جوهرية تتلخّص بالتالي:

1- الديباجة: تضمّنت الوثيقة الرسمية الإشارة إلى المبدأ المتفق عليه مع ديمستورا أنه "لا اتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء"، وأن الفقرات المتعلقة بالانتقال السياسي سيكون لها وثيقة خاصة بها، تقول الوثيقة: "هذه المبادئ المعتمدة من الوفد التفاوضي تمثّل جزءاً متكاملاً مع باقي الأوراق المقدّمة منه في المفاوضات الجارية في الأمم المتحدة، وهذه المبادئ تخص مستقبل سوريا بعد المرحلة الانتقالية. وجرى نقل الفقرات المتعلقة بالانتقال السياسي إلى الورقة الخاصة بها".

2- فيما استندت فقرة استمرارية المؤسسات العامة للدولة إلى بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن 2118، و2254، فإن الوثيقة الرسمية اعتبرت هذا الاستناد لازماً للمرحلة الانتقالية، وتجاوزته إلى اعتبار الدستور الجديد للبلاد هو الضامن لعمل مؤسسات الدولة وإصلاحها، وليس لقرارات دولية تنقص السيادة الوطنية، تقول الورقة: "يضمن الدستور استمرارية مؤسسات الدولة والمرافق العمومية الأخرى، وتحسين أدائها مع إصلاحها عند الاقتضاء، بما في ذلك حماية البنى التحتية وحق الملكية وتوفير الخدمات لكافة المواطنين دون تمييز، وذلك وفقا لأعلى معايير الحكم الرشيد والمساواة بين الجنسين. ويتمتع المواطنات والمواطنون، في مجال علاقاتهم مع جميع السلطات العامة، بآليات فعالة تضمن الامتثال الكامل لسيادة القانون وحقوق الإنسان وحقوق الملكية العامة والخاصة".

3- مثل ذلك جرى في فقرة إصلاح الجيش، وإعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية، حيث تركت الوثيقة النهائية الحديث عن طريقة تنفيذ ذلك إلى ورقة الانتقال السياسي، وانتقلت إلى الحديث عن ضمان الدستور لطبيعة الجيش الموحّد والمؤسسات الأمنية في المرحلة ما بعد الانتقالية، تقول الورقة: " يضمن الدستور جيشاً قوياً وموحداً، يقوم على الكفاءة، ويمارس واجباته وفقاً للدستور ولأعلى المعايير المهنية والأخلاقية. وتتمثل مهامه في حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. وبناء مؤسسات أمنية واستخباراتية، تحفظ الأمن وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقا للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان. وتكون ممارسة القوة حقاً حصرياً لمؤسسات الدولة ذات الاختصاص".

4- تم إلغاء الفقرة الخاصة بإلغاء السياسات التمييزية التي مورست بحق الكرد الواردة في الورقة المسرّبة بعد اتفاق الهيئة على أن الإجراءات الواردة فيها سيكون العمل عليها في المرحلة الانتقالية، وأنه حين الوصول للمرحلة بعد الانتقالية ستكون هذه الإجراءات قد تم تنفيذها، ولا حاجة لإيرادها. الجزء المحذوف من الورقة المسرّبة هو: " وإلغاء جميع السياسات التمييزية والاستثنائية التي مورست بحق الكرد وغيرهم من السوريين، وإعادة الجنسية للمجردين منها والمكتومين من أبنائهم".

ورقة الانتقال السياسي التي ستكون الورقة الثانية من سلّة الحكم ستتضمّن العديد من البنود التي اعتبرت ناقصة في ورقة المبادئ، ومن خلالها تم الحكم على الهيئة الجديدة أنها قدمت تنازلات كبيرة حين لم تذكرها هناك.

أهم البنود التي سترد في ورقة الانتقال السياسي هي:

1- أن عملية الانتقال السياسي تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالي جامع وذي مصداقية تمارس كامل السلطات التنفيذية، وتحل محل الحكم الحالي.

2- أن الحكم الانتقالي يتولى مسؤولية فرض وقف إطلاق نار شامل في البلاد، وإخراج جميع المقاتلين الأجانب والمليشيات الأجنبية من الأراضي السورية، وإجلاء كافة القوات الأجنبية.

3- أنه لا يحق أن يشارك في الحكم الانتقالي، أو في أي ترتيبات سياسية قادمة من ثبتت مشاركته في جرائم ضد السوريين.

4- أن سوريا تحتاج إلى دستور جديد، وأنه سيكون من أهم مسؤوليات الحكم الانتقالي الإشراف على صياغة الدستور السوري بأيدي السوريين.

كما سيكون هناك مطالبات من عدد من مكونات الهيئة أن تتضمن هذه الورقة أيضاً بند مغادرة رأس النظام السلطة عند بدء المرحلة الانتقالية كما ورد في البيان الختامي لمؤتمر الرياض.

هيئة التفاوض كما هي مهتمة بالمحافظة على تماسكها ووحدة صفها الداخلي، كذلك هي مطالبة بالمحافظة على الثوابت الوطنية، وعدم التفريط بشيء منها، مع استمرارها بالعملية السياسية في جنيف لمنع فتح أي مسارات جانبية، والنظام المذعور من أي عملية تفاوض سياسية، سيحاول التهرّب من جنيف التي يحكمها القرارات الأممية بشتى الوسائل، وهو يرى في أستانا وسوتشي فسحة له في هذا التهرّب، وهنا على هيئة التفاوض التي تضمّ الآن منصتي موسكو والقاهرة أن يكون لها موقف واضح من هذه المؤتمرات، وأن تجتمع مكونات الهيئة بكاملها على الالتزام بالبيان الختامي للرياض 2.