السبت 2018/03/31

الولايات المتحدة.. حلّ الدولتين في سوريا


مركز الجسر للدراسات..


أفضل بديل في شمال شرق سوريا هو دولة سنّية جديدة ومستقلة، كان هذا موضوع المقال الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان "هزيمة تنظيم الدولة إنشاء دولة سنّية" في 24 تشرين الأول/ نوفمبر 2015، يومها أبدى "جون بولتون" امتعاضه لافتقار سياسات أوباما إلى رؤية استراتيجية للشرق الأوسط بعد هزيمة التنظيم.

اليوم كاتب المقال "بولتون" هو مستشار الأمن القومي الأمريكي، في إدارة يترأسها "ترامب" وضمّ إليه فيها "صقور حرب" يشتركون جميعاً كما تقول بعض مراكز الدراسات الأمريكية، في مبدأين رئيسيين:

الأول: مسح إرث "أوباما" من تاريخ الرئاسات الأمريكية، ومخالفة ونقض سياساته السابقة وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني.

الثاني: حفظ الأمن القومي الإسرائيلي، ومراعاة مصالح الحكومة اليمينية المتشددة الموجودة الآن.

الأراضي التي تحررها روسيا من تنظيم الدولة، أو تلك التي تسقط بعد معارك مع الجيش الحر فيها، مثل حلب، والغوطة، أو التي تدخل في اتفاقات هدن ومصالحات، تذهب جميعها لنظام الأسد، وحليفه الإيراني، والمليشيات الشيعية التابعة لهما.

بولتون يرفض هذا رفضاً تامّاً، فالأراضي التي تحررها الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها يجب ألا تعود إلى سلطة الأسد في دمشق، أو أن يكون لإيران وروسيا نفوذ فيها.

الذي يقوله "بولتون" منطقي.. لماذا تقاتل الوحدات العربية والكردية التي تجنّدها أمريكا لطرد التنظيم، إذا كانت الأراضي التي تسيطر عليها ستعود إلى سلطة الأسد؟ ستفقد الولايات المتحدة هؤلاء الحلفاء في "حربها على الإرهاب"، فيما هي لا تريد إرسال المزيد من جنودها. دروس أفغانستان والعراق كافية لتمتنع عن ذلك، لكن الدروس نفسها تقول: إن التنظيم سيعاود الظهور إذا تسلّمت إدارة هذه الأراضي مجموعة محلية لا تنتمي إلى أغلبية أهلها، كما حدث حين تسلّم الشيعة إدارة مناطق ذات غالبية سنّية في العراق، وهي في الحالة السورية تعني عودة تنظيم الدولة إذا تسلّمت المليشيات الكردية إدارة شمال شرق سوريا، الدرس الثاني يقول: إن عودة السكان المهجّرين إلى مدنهم وقراهم، وتثبيتهم من خلال مشاريع إعادة الإعمار، وبرامج التنمية الاقتصادية، من أكبر عوامل حفظ الأمن والاستقرار فيها، حيث سيكونون هم صمام الأمان الأول في عدم قبول عودة التنظيم، أو إيواء عناصره، والتسبب بقتال وفوضى، وموجات نزوح جديدة.

عودة نظام الأسد لحكم هذه المناطق يعني زيادة نفوذ إيران فيها، وسياسة الولايات المتحدة ترتكز على تحجيم هذا النفوذ، سواء أكان لأجل إسرائيل، أو لأجل حلفاء أمريكا الآخرين في المنطقة: الأردن ودول الخليج وعلى رأسها السعودية.

إغلاق الممر البري الواصل بين طهران وبيروت سيقلّص كثيراً من شحنات الأسلحة الواصلة إلى "حزب الله" في جنوب لبنان، سيقتصر الأمر على حمولات الطيران عبر مطار دمشق الدولي، وهذه يمكن إيجاد آلية لمراقبتها مستقبلاً.

على جانب الصراع الغربي الروسي الدائر حالياً، وخصوصاً بعد زوبعة تبادل الطرد الدبلوماسي، سيكون من الجيد أيضاً ترك روسيا تتخبّط في المستنقع السوري خارج شمال شرق الفرات، التعويل هنا على بدء ظهور النزاع بسبب تنافر المصالح بين الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا وسوتشي: روسيا، تركيا، إيران، وعلى استمرار القتال مع "جبهة النصرة"، والجيوب المتبقية لتنظيم الدولة وللجيش الحر، وعلى الفلتان الحاصل في صفوف مليشيات المرتزقة التي سيصعب ضبطها، وضبط المساحات الجغرافية التي تتنقّل فيها. سترث روسيا هذه الفوضى كلها، كما سترث بلداً مدمّراً لن يشارك أحد في إعادة إعماره، وروسيا التي كانت تسمّي هذه المنطقة بـ "سوريا المفيدة" اكتشفت أن "سوريا المفيدة" تقع على الجانب الآخر الذي يحتوي ثروات النفط والغاز والمياه والزراعة.

يقول بولتون: "هذه "الدولة السنّية" لديها إمكانات اقتصادية كمنطقة منتجة للنفط، ويمكن أن تكون حصناً ضد كل من الأسد وبغداد المتحالفة مع إيران.

إن حكام دول الخليج العربية ينبغي عليهم الآن أن يتعلموا المخاطر على أمنهم الخاص بتمويل التطرف الإسلامي، ويمكنهم توفير تمويل كبير".

ويمضي بولتون بالقول: " لا يجب على الممالك العربية مثل السعودية أن تموّل الكثير من احتياجات الدولة الجديدة فحسب، بل تضمن استقرارها ومقاومتها للقوى الراديكالية" للتذكير فقط ترامب طلب من السعودية قريباً 4 مليار دولار لتمويل إعادة إعمار شمال شرق الفرات.

أمّا عن تركيا -التي لا تزال حليفاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو)-كما يقول بولتون، فستتمتع باستقرار أكبر على حدودها الجنوبية، ما يجعل وجود دولة جديدة على الأقل مقبولاً.

جنوباً تتفق رؤية بولتون مع ما صدر عن "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" فاستراتيجيته تقول " في يوم من الأيام، ربما نكون قد أعلّنا "محمية" أردنية في "دائرة نفوذ" أمريكية".

على غرار العراق مع "صحوة الأنبار" عام 2006، ستتحالف الولايات المتحدة مع العشائر العربية السنّية في المنطقة الشرقية، وسيشمل هذا مسؤولين سابقين في حزب البعث، وبعض قادة المعارضة المعتدلة.

والمهم في الأمر كله أن أمريكا لن تنسحب من سوريا كما فعلت في العراق عام 2011.

سنرتّب المشهد السياسي قليلاً من الجانب الكردي الذي كان يطمح لإقامة الدولة الكردية على هذه المنطقة.

-رفضت الولايات المتحدة طلب المجلس الوطني الكردي نقل المليشيا التابعة له في العراق: البشمركة" إلى شمال شرق الفرات.

تلقّت المليشيات الكردية PYD ضربة موجعة في عفرين، ولم تجد من الولايات المتحدة آذاناً صاغية عند طلب الحماية والدعم منها.

- أجبرت الولايات المتحدة PYD على التحول إلى حزب سياسي "سوري وطني جامع" بعيداً عن الصبغة الكردية، وعن الرؤية السياسية لحزب العمال الكردستاني PKK.

الأكراد يشعرون أن التخلّي الأمريكي عنهم يصل إلى درجة الخيانة والغدر بهم، وأنهم كانوا ضحية خديعة كبيرة، واستخدموا كأدوات لطرد تنظيم الدولة فقط، وأن دورهم انتهى عند هذا الحد، لذا هم يجوبون العالم لمحاولة إقناع حلفاء أمريكا: فرنسا وبريطانيا، بمعنى آخر "الاتحاد الأوروبي" على ضرورة استمرار الاعتماد الرئيسي عليهم كقيادة لإدارة شمال شرق الفرات، وليس كشراكة مع أبناء المنطقة من المكونات الأخرى، بحيث تبقى الصبغة الغالبة لها أنها كردية مثل إقليم كردستان العراق، من الصعب أن يستوعبوا أن البرزانيين نجحوا ولو لفترة في إنشاء هذا الإقليم وحكمه، فيما هم يفشلون في وضع اللبنة الأولى له، ماذا سيفعلون؟ تخريب المشروع؟ أم التوجه للتحالف مع النظام كما هددوا في عفرين؟ أم يتوجهون شطر روسيا بدل الغرب كله؟ كل هذا لن يكون، الخيار الوحيد المتاح أمامهم المشاركة في الدولة الجديدة التي ستظهر في المنطقة.

تصريح "ترامب" أمس حول انسحاب قريب من سوريا، يعني أن الانسحاب سيتم عقب تأسيس هذا المشروع، وستبقى القواعد الأمريكية إلى جانب قواعد فرنسية وبريطانية بدأ الحديث عنها، لتدريب القوات العربية والكردية، لتأمين حماية المنطقة من عودة تنظيم الدولة إليها.

الروس الذين لُقّنوا درساً صغيراً في معركة حقل غاز "كونيكو" لن يُعيدوا محاولة الدخول في معركة مع التحالف الدولي، سيعودون إلى مذكرات التفاهم التي أبرموها مع الأمريكيين في أوقات سابقة لمنع الاشتباك بين القوات الموجودة على الأراضي السورية، وفي أجوائها.

ما عدا شمال شرق الفرات، والجيب "الأردني/الإسرائيلي" في الجنوب، سيكون للنظام باقي الأراضي السورية، كيف سيحلّ هذا المعضلة مع تركيا في شمال غرب البلاد منطقة "درع الفرات" و "غصن الزيتون"؟

الغرب قلق من "أردوغان" من عدة جوانب، فهو أولاً يعتبره مشروعاً إسلامياً يسعى لتغيير الوجهة العلمانية للدولة التركية، وهو ثانياً أحد الاقتصادات الصاعدة المنافسة للدول الصناعية الكبرى المهيمنة على الأسواق العالمية، وهو ثالثاً استدار نحو تحالف مع عدوّين لدودين للغرب: روسيا وإيران، وعلى هذا فلا بأس من زيادة توريط "أردوغان" في سوريا، إلى الدرجة التي تزول فيها المخاوف الثلاثة السابقة.

سياسات "بولتون" والفريق الجديد لا تختلف كثيراً عن استراتيجية "تيلرسون" الخماسية التي كان قد أعلنها في معهد "هوفر"، لكن سنلاحظ في الأيام القادمة فرقاً جوهرياً واحداً، أن الإدارة الجديدة لن تعطي تنازلات لأحد أيّاً كان على قواعد تبادل المصالح الدولية، هي حكومة حرب بكل معنى الكلمة.