الجمعة 2017/07/28

الموقعون على خفض التصعيد.. ستدفعون الثمن “بالقسطاس المستقيم”

مركز الجسر للدراسات..

الأمريكيون المنتشون بالسيطرة على الموصل عاصمة تنظيم الدولة الأولى في العراق، يريدون انتصاراً شبيهاً به في الرقة عاصمة التنظيم الثانية في سوريا.

خبرة الأمريكيين في مواجهة التنظيم تطورت كثيراً، فاليوم هم يضعون مسبقاً استراتيجية المعركة التي تضمن عدم عودة التنظيم إلى المناطق التي يُطرد منها، فقوات حكومة بغداد فشلت أكثر من مرة في المحافظة على الأراضي التي تسيطر عليها، لذا استعان الأمريكيون بالحشد الشعبي الشيعي لتنفيذ المهمة.

أما في سوريا ففي الوقت الذي قبلت فيه "قوات الحماية الشعبية" المسماة اليوم "قوات سوريا الديموقراطية" بمهمة السيطرة على الرقة، وعليه اتخذت أمريكا قرارها بإمدادها بالسلاح الثقيل، إلا أن هذه القوات لا تزال ذات غالبية كردية، وترفض زيادة عدد العناصر غير الكردية لحسابات عسكرية حالية، وحسابات سياسية مستقبلاً، وهذا يشكًل نقطة ضعف كبيرة، وهاجساً يؤرق الأمريكيين فالقبائل العربية سكان وادي الفرات الأصليون سيرفضون هذا الوجود الكردي، وإن كان تخليصاً لهم من تنظيم الدولة، إذ ثمة أبعاد تاريخية تمنع قبول القوات الكردية في مناطقهم، وسيطالبون بانسحاب الكرد شمالاً، وإدارة هذه المناطق بأنفسهم، أو سيحدث القتال لا محالة.

بينما تقضي الاستراتيجية الأمريكية في هذه المرحلة بعدم تسليم أي منطقة لإدارة سنّيّة لاحتمال تحوّلها إلى ملاذات آمنة لعناصر تنظيم الدولة بسبب القرابات التي تربطهم بأبناء القبائل.

لا يوجد إذن حل لهذه المعضلة، والأكراد في ثنائية الرعب التي تواجههم، النظام والمعارضة، سيفضّلون التخلّي عن بعض الأراضي لصالح النظام، فانتصار النظام بالنسبة لهم خيار أقل سوءاً من انتصار المعارضة التي تتهمهم بارتكاب انتهاكات جسيمة وعنصرية ضد العرب السنّة.

على الطرف الآخر الروس والإيرانيون يراقبون المشهد، ويعلمون نقطة الضعف هذه، ويريدون استغلالها، لذا أعلنوا في وقت متزامن الانطلاق نحو دير الزور، وسيكون بإمكانهم إدخال الحشد العراقي الشيعي لكن سيواجه نفس المشكلة الكردية السابقة مع القبائل العربية السنّيّة، فكان القرار بالدفع بجيش النظام للسيطرة على دير الزور، مع استمالة شيوخ العشائر الموالين للنظام، نواف راغب البشير مثالاً، وقبائل أخرى لها ثأر مع التنظيم الذي ارتكب كذلك انتهاكات جسيمة بحقهم، فيعمل الروس على تأسيس تشكيلات عسكرية رمزية من هذه القبائل، ستكون بديلاً أكثر ثقةً مما يحدث في الرقة المجاورة التي تخضع لسلطة الكرد.

هذه الخطة الروسية الإيرانية أيضاً تواجهها معضلة الضعف الشديد لجيش النظام المنهك بسبب الجبهات العديدة والواسعة التي يقاتل فيها (الفصائل المعتدلة) المشاركة في محادثات أستانا وجنيف.

إذن النظام لا يملك القدرات البشرية الكافية لفتح هذه المعركة، ولا ضمان السيطرة على المنطقة بشكل جيد يمنع عودة التنظيم إليها كما كان يحدث مع الجيش العراقي، كما سلف قبل قليل.

اقتضت الخطة الروسية إنشاء مناطق خفض التصعيد في بؤر التوتر الرئيسية الأربع، لتنضم إليها الغوطة الشرقية لاحقاً، الفصائل المنهكة أيضاً، والمقطوع عنها الدعم، ستلتزم التزاماً تامًا بالهدنة رغم خروقات النظام الجوية المتكررة.

وتتيح هذه الخطة للنظام تجميع قواته البرية المتناثرة، وإرسالها للمنطقة الشرقية بمهمتين أساسيتين:

الأولى: القضاء على تنظيم الدولة في دير الزور، وتقديم أوراق اعتماده للتحالف الدولي كشريك في مكافحة الإرهاب.

الثانية: الاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية، وتضطر للتخلي عنها، فهي بالأصل في عمق منطقة القبائل العربية، والتورط فيها قد يجهض حتى الحلم الكردي في إقامة حكم بشكل ما في شمال سوريا، فالعداوات القائمة مع العرب الآن ليست قليلة.

ما الذي سيحدث تالياُ في مناطق خفض التصعيد؟

الجواب ليس صعباً. فبعد أن ينتهي النظام من معركة خاطفة في الشرق كما خطط لها الروس، سيعيد قواته إلى جبهات القتال التي تركها لهذه المهمة، ويعيد فتح المعارك فيها واحدة بعد الأخرى، إذا أنهى الأولى بدأ بالثانية التي لا تزال هي والأخريات على التزامها بخفض التصعيد المزعوم، يتفرجون كيف تنهار جبهاتهم تباعاً، النظام سيبدأ من أقصى الجنوب، ثم الغوطة، ويتجه شمالاً، متيحاً للفصائل توقيع الهدن والمصالحات المعروفة التي تنتهي بركوب الباصات الخضراء إلى ريف حلب الشمالي، فإدلب لن تستقبلهم، لأن عدوهم اللدود "النصرة" يسيطر عليها.

بالمختصر: المنطقة الشرقية هي الدفعة الأولى من ثمن اتفاقات خفض التصعيد، وباقي الثمن ستدفعه الفصائل الموقعة عليه على دفعات-وبالقسطاس المستقيم-بحسب أدبيات الفصائل.

لتفويت هذه النتيجة الكارثية على الثورة، يجب على الفصائل العودة إلى مطلبها القديم في وقف إطلاق نار شامل، ووضعه في إطار العملية التفاوضية حول الانتقال السياسي، بحسب بيان جنيف، وقرارات مجلس الأمن، وعدم عزل مسار أستانا عن مسار جنيف، وبهذا يمنعون الروس والإيرانيين من الاستفراد بوضع شروط الحل النهائي، الذي يعني شيئاً واحداً لهم: الاستسلام والاعتراف بالهزيمة أمام النظام.