الجمعة 2018/02/16

الملف السوري العالق، تحليل إحاطة دي مستورا 14/2/2018


مركز الجسر للدراسات


كما قبل سوتشي كانت الأمم المتحدة على مفترق طريقين بعده، فالأمين العام يريد استعادة الملف السوري برمّته إلى مفاوضات جنيف وفق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، فيما مبعوثه الخاص دي مستورا يرى أن سوتشي أحدث خرقاً في المواقف المصمتة للنظام السوري.

صحيح أن دي مستورا بدأ إحاطته بالقول: "جئت إلى نيويورك لكي أنقل إلى مجلس الأمن شخصياً، وكان بإمكاني أن أفعل ذلك بالفيديو كما فعلنا في أحيان كثيرة، قلق الأمين العام البالغ إزاء تصاعد العنف في سوريا -ولأحثكم على التركيز على تخفيف حدة العنف وعلى دفع المسار السياسي إلى الأمام من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254".

لكن الحقيقة لم تكن كذلك مطلقاً.

دي مستورا كان يريد الذهاب إلى الأمم المتحدة وفي يده البيان الختامي لمؤتمر سوتشي القاضي بتشكيل لجنة دستورية، ويحاول الحصول على قرار أممي جديد يكون هو الأساس القادم للمفاوضات، بدل القرار 2254 الذي نتج بعد مؤتمري فيينا، القرار الذي ألغى مسمّى "هيئة الحكم الانتقالي" ووضع السلال الأربع التي وصلت إلى طريق مسدود بعد مضي سنتين ونيّف على صدوره، النظام غير مستعد أبداً لمناقشة قضايا الانتقال السياسي في البلاد، وهو على الأرض بعد التدخل الروسي في وضع يتيح له المضي قدماً في الحرب.

رفض النظام لمخرجات سوتشي المتزامنة مع إحاطة دي مستورا لم تكن تعني له شيئاً، ولا للروس أيضاً، الجميع يعلم أنها للاستهلاك الإعلامي بين جمهور الموالاة، لا أكثر، وتماشياً مع شعارات الممانعة والسيادة الوطنية، التي تجري محاولات الاعتداء عليها بلجنة دستورية مشكلتها أنها قد لا تكون تحت السيطرة المطلقة كما هو كل شيء في ظل هذا النظام.

في الجانب الأهم واجه دي مستورا رفضاً من الأمين العام للأمم المتحدة، ومن الدول الثلاث دائمة العضوية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي شاركت في كتابة "لا ورقة" الدول الخمس، فالرأي عندهم أن القرار 2254 لا يزال صالحاً كأساس للمفاوضات، وإمكانية البدء بقضايا الدستور والانتخابات، وهي كانت أوصت المعارضة في ورقتها " أن تترك جانبا على الأقل في البداية مسائل أخرى".

ما هو السبب الرئيسي لرفض غوتيريس وهذه الدول الذهاب بقرار جديد يخصّ مسألتي الدستور والانتخابات، كما يريد دي مستورا مع أن الجميع متفقون على ترك الحديث الآن عن الانتقال السياسي.

غوتيريس وهذه الدول لا تريد ظهور حلقة مفقودة بين التغيير الدستوري والانتخابات، وبين الانتقال السياسي، وتريد الربط بينهما بشكل دائم، وتريد التأكد من أن هذا التغيير الدستوري وهذه الانتخابات التي ستجري على أساسه، ستؤدي لعملية انتقال سياسي حقيقي في البلاد، وهو ما سيفتح الباب لعودة الاستقرار التام، والبدء بمشاريع إعادة الإعمار، سيكون الربط المستمر بين هذه الملفات بمثابة الضمانات التي تقدمها هذه الدول للمعارضة للبدء باللجنة الدستورية على مسار المفاوضات.

دي مستورا يخشى القرار 2254، فهو بعد أربع سنوات في مهمة لم يُحدث فيها تقدما يُذكر له في تاريخه الدبلوماسي، وهو سيلحق بالأمين العام إلى ميونيخ للتشاور معه ومع عدد "من الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين الحاضرين في مؤتمر ميونيخ للأمن" كما قال في إحاطته.

لكن من غير المتوقع أن يستطيع تغيير موقفهم حسبما يريد، فالصراع الدولي في أشده، ووصل مستويات غير مسبوقة، ومن الصعب إعطاء تنازلات لروسيا في هذه المرحلة الحرجة.

كعادة دي مستورا يضع لنفسه دائماً خطّاً ثانياً، فحين رفض مجلس الأمن "مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف" في 29/7/2015، كان لديه خطة ثانية هي "مجموعات العمل الأربع" التي نالت الموافقة الدولية.

أراد دي مستورا تثبيت خطوته التالية في كل الأحوال، واستثمار أقصى ما يمكن من البيان الختامي لمؤتمر سوتشي فيما يسهّل عمل فريقه، ولهذا عاد إلى تذكير مجلس الأمن " بأن الولاية التي منحها هذا المجلس للأمم المتحدة في جنيف هي في الواقع، في سياق القرار 2254، لوضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد"، وبيّن للمجلس أنه حصل على صلاحيات إضافية من السوريين في سوتشي حين ذكر "أن الاتفاق النهائي بشأن الولاية والاختصاصات والسلطات والنظام الداخلي ومعايير الاختيار في تشكيل اللجنة الدستورية لا بد أن يتم الوصول إليه في جنيف"، وذكر أنه بعد قراءته للبيان، شارك في الجلسة الختامية، وأكّد "عزم الأمم المتحدة على المضي قدما على وجه السرعة وذلك للمساعدة في وضع اللمسات الأخيرة على جميع جوانب اللجنة الدستورية وبالتالي تمكين إنشائها في جنيف".

إذن دي مستورا يرى الآن أن من صلاحياته وضع القائمة النهائية لأعضاء اللجنة الدستورية، والاتفاق معها على الإجراءات الناظمة لعملها، وهو لا يواجه صعوبات كبيرة في ذلك، فاللجنة ثلاثة أثلاث:

الثلث الأول: ثلث النظام، سيأتي بقائمة مغلقة من النظام، ليس لدي مستورا دورٌ فيها.

الثلث الثاني: ثلث المعارضة، من هي المعارضة التي ستشغل هذا الثلث؟

دي مستورا أرسل وفده إلى الرياض للتباحث مع هيئة التفاوض حول هذا الثلث، وتسلّم رسالة منها توضح شروطها للمشاركة في اللجنة الدستورية تتلخّص بالتالي:

1- أن تكون اللجنة الدستورية جزءاً من عملية تفاوضية متكاملة، وأن تكون نتائجها متوافقة مع بيان القواعد الإجرائية الذي نصّ على أنه "لا يتم الاتفاق على شيء إلا إذا تم الاتفاق على كل شيء"، وهو ما كانت الهيئة قد أكدت عليه في موافقتها على ورقة المبادئ في جولة جنيف 8.

2- وفق قرار مجلس الأمن 2254 هيئة التفاوض هي المعترف بها دولياً، لذا فهي وبشكل حصريّ الجهة المخوّلة بتسمية أعضاء الثلث المخصص للمعارضة في اللجنة الدستورية.

3- أن يكون عدد أعضاء الهيئة مساوياً تماماً لعدد أعضاء ممثلي النظام في اللجنة الدستورية.

4- أن يتم اعتماد القائمة المقدمّة من الهيئة بشكل كامل، ودون أي تدخل من الأمم المتحدة، أو اعتراض من النظام.

دي مستورا أشار إلى قبوله بشروط الهيئة هذه في إحاطته في أكثر من موضع، فهو أولاً وصف اللجنة بأنها "ينبغي أن تتألف على الأقل من ممثلي الحكومة والمعارضة في المحادثات السورية-السورية -أي التي تجري بتيسير من الأمم المتحدة في جنيف"، ثم حدّد المقصود بذلك بشكل مركّز بقوله "هيئة التفاوض السورية -أي المعارضة التي تضم جميع المكونات المذكورة تحديداً بالاسم في القرار 2254".

دي مستورا يدخل في هذه النقطة في صراع مع روسيا التي لا ترغب بمشاركة "مجموعة الرياض" كما تسمّيها، وتريد تهميشها بسبب عدم مشاركتها في سوتشي، ولمواقفها السياسية والتفاوضية التي لا تروق لروسيا، وهي كي لا تدخل في خلاف مع مجلس الأمن حول ماهيّة المعارضة حسب القرار 2254، طلبت من دي مستورا إشراك الأعضاء العشرة من هيئة التفاوض الذين صوّتوا بالموافقة على حضور سوتشي، بحيث يكون هذا كافياً لاعتبار الهيئة مشاركة.

بالطبع هذا لن يتم، وسيعمل دي مستورا على التفاهم مع الروس، وإرضائهم وإرضاء غيرهم في الثلث الثالث.

الثلث الثالث: سيكون من خبراء سوريين والمجتمع المدني ومستقلين وزعماء القبائل ونساء، مع ضرورة الحرص على ضمان التمثيل الكافي للمكونات العرقية والدينية السورية.

هذا الثلث سيكون بمثابة جوائز الترضية، وهو الحق الذي استأثر به دي مستورا لنفسه، ولن يكون للنظام ولا للمعارضة حق في التسمية أو في الاعتراض على هذه القائمة، مع أن دي مستورا سيراعي بعض الحساسيات لدى الطرفين، لكنها لن تصل مثلاً إلى منعه من إدخال ممثلي الأكراد المسيطرين على مناطق شمال شرق سوريا، حتى الاعتراض التركي مثلاً لن يكون فعّالاً كثيراً بعد خروج الأمر من سوتشي، أي من يد الدول الضامنة الثلاث، والذهاب به إلى جنيف.

هذا الثلث سيكون هو الكفّة المرجّحة بين النظام والمعارضة في مخرجات اللجنة، النظام والمعارضة كلاهما سيقفان عاجزين تماماً عن إنفاذ مشروعيهما، والبون شاسع بينهما، ومن المستبعد التوصل لاتفاق ما، وسيضطران لاستمالة هذا الثلث لكسب المعركة الدستورية.

التفاهمات الدولية ستكون حاكمة وبشدّة على تكوين اللجنة الدستورية، وطبيعة عملها، ومخرجاتها –إن توصّلت إلى مخرجات-بما يعني أن الملف السوري سيبقى عالقاً في مكانه، وبعيداً عن كل القتل والتدمير والتهجير الذي يجري على الأرض، فهذا ليس العامل الحاسم لتحريكه باتجاه الحل.

لا يزال على السوريين انتظار التفاهمات الدولية بشأنهم.