الأحد 2020/10/18

ماذا وراء دعوة روسيا لعقد مؤتمر في دمشق حول عودة اللاجئين السوريين؟

في 5/9/2018 نشرت وكالة "سبوتنيك" الروسية خبر إعلان رئيس المركز الوطني الروسي لإدارة الدفاع، فريق أول ميخائيل ميزينتسيف، أن مؤتمراً "تاريخياً" حول عودة اللاجئين سيعقد في سوريا، وأنه ستتم دعوة الدول المهتمّة والأمم المتحدة، وأنّ "بشار الأسد" تلقّى المبادرة لعقد المؤتمر "بإيجابية استثنائية" وأنّ روسيا تأمل "بالمشاركة المباشرة من قبل كل الدول والمنظمات الدولية، وأولها هياكل منظمة الأمم المتحدة في هذا الحدث التاريخي"، وكانت وزارة الدفاع الروسية قد نشرت قبل ذلك خطة تتضمن إعادة ما يقارب سبعة ملايين لاجئ سوري من ستة وثلاثين دولة حول العالم.

لم تمض أيام على هذا الإعلان حتى اجتمعت المجموعة المصغّرة للدول السبع المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والسعودية والأردن ومصر، وأصدرت إعلان مبادئ في 14/9/2018 ذكرت في ديباجته أنه موجّه لروسيا على وجه الخصوص، وضمّنته مجموعة ممّا سمّته من "شروط ضرورية لعلاقات طبيعية مع الحكومة السورية، والتي تنجم عن العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254".

روسيا بعد عقد مؤتمر سوتشي مطلع عام 2018 والإعلان فيه عن تشكيل اللجنة الدستورية رأت في ذلك مسوّغاً كافياً لاعتباره بدء دوران عجلة العملية السياسية في سوريا، وأنّه يتحتّم على باقي الدول رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد، وأنّه يتحتّم أيضاً بدء إعادة الإعمار، وصارت تدعو في البيانات الختامية لمسار أستانا "إلى تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا" كما تدعو إلى "مواصلة مناقشة تنفيذ مبادراتها الرامية إلى تنظيم مؤتمرات دولية بشأن تقديم المساعدة الإنسانية إلى سوريا وعودة اللاجئين السوريين"

دول المجموعة المصغرة تعاملت مع المبادرة الروسية لعقد مؤتمر حول عودة اللاجئين السوريين، على أنه ستار لإعادة تأهيل نظام الأسد بوضعه الراهن لا أكثر، ولذا اشترط إعلان 14/9/2018 جملة ما عبّرت عنه بـ "شروط ضرورية لعلاقات طبيعية مع الحكومة السورية، والتي تنجم عن العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254" وأكّدت أنه " لن يكون هناك مساعدة دولية في إعادة الإعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية التي تغيب فيها عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي بشكل ثابت إلى إصلاح دستوري وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، من أجل إرضاء الدول المانحة المحتملة" وأنه لا بدّ من وجود حكومة سورية " تخلق شروطا للاجئين من أجل أن يعودوا بأسلوب آمن وطوعي وكريم إلى منازلهم باشتراك الأمم المتحدة".

تقرير ممثل الخارجية الروسية نيكولاي بورتسيف عام 2018 نقل قيام "المؤسسات الدبلوماسية الروسية بما في ذلك البعثات الدائمة لروسيا في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتنشيط الجهود الدولية لكي تساند عملية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم"

بالطبع لم يعقد المؤتمر عام 2018، ولم يستجب أحد للمبادرة الروسية، لكن تعيد روسيا اليوم الدعوة لعقد مؤتمر بعد شهر تقريباً في دمشق حول إعادة اللاجئين، فهل ترى روسيا تغيّراً ما في موقف المجتمع الدولي يجعله يقبل هذه الدعوة؟ وهل سيستجيب أحد لمؤتمر في دمشق؟

للمرة الثانية غالباً لن يستجيب أحد من الجهات المقصودة بهذه الدعوة، وعلى رأسها الدول المانحة مثل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، والدول الخليجية، والأمم المتحدة، لسببين رئيسيين، وروسيا تدرك ذلك جيداً:

السبب الأول: ضراوة "قانون قيصر" الذي تتصاعد شدّته يوما بعد يوم، وتتسع معه قائمة شخصيات النظام المدرجة على لوائح العقوبات.

السبب الثاني: جمود العملية السياسية في جنيف رغم اقتصارها على محاولة التوصل إلى إصلاح دستوري من بين ثنايا القرار 2254.

المؤتمر إذا انعقد سيشهد حضوراً روسيّاً إيرانياً، ودول أخرى تدعم نظام الأسد مثل كوريا الشمالية وفنزويلا، لكن كلّ ذلك سيكون حضوراً هزيلاً لا يقدّم ولا يؤخّر، لا في ملف عودة اللاجئين، ولا في ملف إعادة الإعمار، والمؤتمر وإن كان في دمشق فلن يعطي الانطباع المطلوب في أنّ الحرب انتهت، وأن البلاد صارت آمنة لتشجيع عودة "الاستثمار" إليها.

اقرأ أيضاً: الخطة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين قسرياً

إذن لماذا تدعو روسيا إلى مؤتمر نسبة فشله عالية جداً؟

الانتخابات الرئاسية في سوريا عام 2014 كانت قبل صدور القرار الأممي 2254 الذي وضع جدولاً زمنياً لعملية سياسية تسبق الوصول لانتخابات رئاسية جديدة، وتمرّ بإقامة حكم (هيئة الحكم الانتقالي) وصياغة دستور جديد، ومع أن الأمم المتحدة ومعها المعارضة السورية رضخت للبدء بالعملية الدستورية قبل إقامة الحكم الانتقالي، إلا أن اللجنة الدستورية تبدو قد وصلت إلى طريق مسدود، ولن تتمكن من صياغة الدستور الجديد الذي تجرى على أساسه الانتخابات الرئاسية، وهنا تكمن خطة موسكو في الدعوة لعقد الاجتماع، إذ لا شيء في الأفق سيحدث قبل انتخابات 2021، وتخشى موسكو أن يتم التشكيك، أو عدم الاعتراف الدولي بشرعية الانتخابات وبنتائجها، وبالتالي يصبح النزاع مع نظام الأسد في مستوى يتعدّى نزاعه مع معارضيه، إلى مستوى هشاشة الوضع القانوني له دولياً، وبالتالي تريد موسكو من هذا المؤتمر أن يكون منصة لإعلان عدد من الوعود التي ستصدر عن نظام الأسد في خطوة استباقية لما سيواجهه في مرحلة ما بعد الانتخابات.

حزمة الوعود هذه ستكون من قبيل إصدار عفو عام عن اللاجئين والمهجّرين على خلفية التهم والأحكام الصادرة بحقهم، وتسوية أوضاعهم، وتسهيل إجراءات الحصول على الوثائق المفقودة، أو تجديد الوثائق اللازمة لإثبات الشخصية، وللتنقل، وتعديل قوانين أداء الخدمة العسكرية، وأنه يمكنهم العودة مباشرة إلى أماكن سكنهم الأصلية، ورفع بعض قيود الترشح للانتخابات لتشمل العائدين، والسماح بعودتهم إلى وظائفهم الحكومية التي كانوا يعملون بها، ونحو ذلك من وعود، وإن كانت جميعها لن تشكّل حافزاً يُذكر لعودة اللاجئين والمهجّرين.

رغم أن النظام سيستجيب لبعض الضغوط الروسية في إصدار هذه الوعود، ويعمل على تهدئة الأوضاع الأمنية والعسكرية ريثما تعبر مرحلة الانتخابات، إلا أنّ الميلشيات الطائفية، ومجموعات الشبيحة، والأجهزة الأمنية التي لا يروق لها عودة اللاجئين، ستواصل جهدها في بثّ الرعب لمنعهم من التفكير بالعودة من خلال متابعة عملية الاغتيالات، وخصوصاً في صفوف الذين دخلوا في اتفاقيات المصالحات، كما حدث مع قيادات درعا أخيراً، كذلك متابعة عمليات التفجير والمفخخات، وعدم الانصياع لوقف العمليات العسكرية.

تنفيذ انتخابات 2021 تعني قلب العملية السياسية التي نصّ عليها بيان جنيف 2012 وجميع قرارات مجلس الأمن وصولاً للقرار 2254 رأساً على عقب، والاعتراف بشرعيتها ونتائجها أمر لا يليق بمنظمة الأمم المتحدة، ويجب عليها منذ الآن البحث عن وسيلة أنجع لتطبيق قراراتها، والالتزام بميثاقها الذي أنشئت من أجله.