الخميس 2021/08/26

“خطوة مقابل خطوة”.. خطوات بدرسن لا تتحدث عن الحل السياسي  في سورية!!

أكثر من عامين ونصف مرت منذ استلم فيها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية السيد "جير بدرسن" مهمته خلفاً للسيد "ديمستورا الذي أمضى ما يزيد عن أربعة أعوام ونصف في مهمته، وفيما أمضى ديمستورا وقته في العمل تحت غطاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فقد دأب بدرسن على محاولة إخراج الملف السوري من مجلس الأمن، بسبب الشلل المصاب به للفيتو الروسي المتكرر هناك، وتشكيل ما يسميه "إطار أو منتدى دولي" يتكون من الدول الفاعلة، وهي الموجودة في مجموعة الدول المصغرة السبع، إضافة لمجموعة دول أستانا الثلاث، مع ضم الصين إليها باعتبارها من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

من جانب آخر دأب بدرسن وعلى خلاف ديمستورا أيضاً في الابتعاد عن البنود الأساسية في القرار  2254 عام (2015)، فبعد إغلاق الأبواب أمام التوصل لهيئة حكم انتقالي، تحول للعمل على اللجنة الدستورية التي وصلت هي الأخرى إلى أبواب مغلقة بعد انتخابات النظام السوري التي ينص القرار 2254 أنها كانت ستجري استناداً لدستور جديد في البلاد، وبهذه الانتخابات أسدل الستار على العملية السياسية المنصوص عليها في القرار 2254. والتي كان عليها أن "تقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب-مجلس الأمن- كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة".

بدرسن يبدو أنه كان يعي مبكراً وصوله إلى هذه النقطة، لذا بكّر أيضاً في طرح خطته البديلة المتمثلة في البدء من مكان آخر غير هيئة الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات، وذهب إلى البنود التالية في القرار 2254، وجعل يطرحها ضمن ما يسمّيه "خطوة مقابل خطوة"

في إحاطته الأخيرة قبل يومين 24/8/2021  ناشد بدرسن "الدول الرئيسية"  للعمل معه " من خلال مشاورات استطلاعية حول مجموعة من الخطوات الملموسة التي ينبغي أن تكون متبادلة، ومحددة بواقعية ودقة، ويتم تنفيذها بالتوازي، وقابلة للتحقق منها، هذه الخطوات مطلوبة، قبل كل شيء ، للمساعدة في إنقاذ حياة السوريين وتخفيف المعاناة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، والمضي قدما في تنفيذ القرار 2254، .وهي جميعها مصالح يمكن أن يتفق عليها أعضاء هذا المجلس والأطراف الدولية الرئيسية الأخرى" وذكر عدداً من هذه الخطوات، ُثم أشار إلى أنها ستكون  من ضمن " القضايا التي يمكن النظر فيها كجزء من هذه الحزمة الواسعة القائمة على الخطوات المتقابلة"، وأنه " على استعداد لاستخدام صلاحية الأمم المتحدة في الدعوة لعقد اجتماعات في جنيف إذا كان من الممكن أن يساعد ذلك في خلق آفاق للتوافق".

الخطوات التي يتحدث عنها بدرسن ليست سياسية مطلقاً، ولا تصبّ مباشرة في الحلّ السياسي، هي فقط تنحصر في البنود الإنسانية وإجراءات بناء الثقة الواردة في القرار 2254، ويجعلها مثار تفاوض في الوقت الذي كررت فيه المعارضة سابقاً موقفها في جولات جنيف أنها بنود فوق تفاوضية، باعتبارها تندرج ضمن حقوق الإنسان التي لا ينبغي التفاوض حولها.

ديمستورا كان قد قدّم في 29/7/2015 في إحاطة مغلقة أمام مجلس الأمن مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف، والذي تبنّت معظمه هيئة التفاوض الأولى في إعلان لندن شهر أيلول 2016، وبالمثل طلب بدرسن جلسة مغلقة لمجلس الأمن في 23/7/2021، هذه الجلسة لم يرشح عنها شيء رسمي، لكن باستمرار عمل غالبية فريق ديمستورا مع بدرسن، واستناداً إلى إحاطاته، فيمكن استنتاج عودتهم إلى أوراق ديمستورا، وإدخال تعديلات عليها، تركّز على إهمال قضايا الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات، وتبقي باقي بنود القرار 2254  المتعلقة بالقضايا الإنسانية وإجراءات بناء الثقة.

خطوات بدرسن

إذا عدنا لأوراق ديمستورا ونزعنا منها ما يتعلق بالعملية السياسية التي تجنّب بدرسن الحديث عنها في إحاطته الأخيرة، فسيتبقّى بين يدينا الخطوات التالية:

  1. تكون المفاوضات التي يجريها المبعوث الأممي الخاص، وبالمساعدة الفعالة من الأمم المتحدة، مبنيةً على بيان جنيف والقرار 2254،
  2. وتهدف إلى التوصل لاتفاق مؤقت لمدة اثني عشر شهراً. (على سبيل المثال)
  3. ويحظى هذا الاتفاق بدعم مجلس الأمن.
  4. ويتضمّن وقفاً كاملاً لإطلاق النار بين أطراف الاتفاق.
  5. وإجراءات لتسهيل عودة اللاجئين والنازحين الطوعية.
  6.  والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود.
  7.  والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ووقف عمل محكمة الإرهاب.
  8. على أن يقوم الاتفاق على مبدأ سيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها، وعلى مبدأ لا غالب ولا مغلوب.
  9. يتزامن دخول الاتفاق المؤقت حيز التنفيذ مع بدء وقف إطلاق النار الكامل بين الأطراف الموقعة. ويجب أن يمكن وقف إطلاق النار الأطراف من محاربة المنظمات الإرهابية المحددة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
  10. لزيادة احتمالية احترام وقف إطلاق النار يتخذ عدد من الإجراءات:

  • يحق فقط للأطراف التي تلتزم بوقف إطلاق النار المشاركة في العملية السياسية وفي مستقبل سورية
  • تشرف بعثة مراقبة دولية بتكليف من الأمم المتحدة على تنفيذ وقف إطلاق النار، وباقي جوانب الاتفاق.
  •  تتشكل لجان وقف إطلاق نار محلية على خطوط التماس لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار ومعالجة الانتهاكات، وتعمل إلى جانب البعثة الدولية.
  • تتشكل لجان محلية مدنية لمراقبة تنفيذ باقي بنود الاتفاق، وتعمل إلى جانب البعثة الدولية.

الضمانات والمساهمات الدولية

  • تضمن جميع الأطراف انسحاب كافة المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية.
  • وتلتزم بدعم إجراءات بناء ثقة توفر مكاسب وتخلق الثقة في الاتفاق من خلال رفع العقوبات الاقتصادية في المرحلة المناسبة.
  • وتقدم مساهمات فورية معتبرة لعودة اللاجئين والنازحين.
  • وتتعهد بإعادة إعمار سوريا وتنميتها.

الحكم المحلي والاعتراف بسلطات الأمر الوقع

  • يوفر المرسوم التشريعي رقم 107 (2011) حول الإدارة المحلية الإطار القانوني للحكم المحلي في سوريا. حيث يقدم المرسوم مبدأ اللامركزية في السلطات والمسؤوليات. وتركز المادة 131 من دستور عام 2012، الخاصة بالإدارة المحلية، على أهمية "مبدأ لامركزية السلطات والمسؤوليات".
  • منذ بداية عام 2011، مرت مسألة اللامركزية والحكم المحلي بمواقف منوعة، حيث ظهرت مجالس الإدارة المحلية في مناطق سيطرة المعارضة وفي بعض المناطق الأخرى التي توقفت فيها الإدارة المدنية بسبب الصراع.
  • يتم الحفاظ على هيكيات الإدارة المحلية الفاعلة الرسمية وغير الرسمية حيثما وجدت.

الخــــــــــــــــــــــلاصـــــــــــــــــــــــة:

القضايا الإنسانية، وإجراءات بناء الثقة مهمة بلا شك، وستخفف من معاناة الشعب السوري، وقد تكون مغرية لعدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتستجيب لمصالحها، لكنها تفرز محاذير ينبغي التنبّه لها، من ذلك:

  • أنها قد تخلق واقعاً طويل الأمد على الأرض، أشبه بتقسيم البلاد.
  • تبقي الشرعية القانونية بيد النظام في دمشق، وتمنحه الفرصة لإعادة تأهيله.
  • تعرّض اللاجئين لخطر الإعادة القسرية إلى مناطق لا يرغبون في العودة إليها، بذريعة أنها صارت بيئة آمنة.

ما الذي يجب على المعارضة السورية فعله؟

سياسياً يجب العودة للتسلسل الوارد في القرار 2254 للعملية السياسية، ومطالبة المبعوث الأممي أن يستخدم " صلاحية الأمم المتحدة في الدعوة لعقد اجتماعات في جنيف" للتوصل إلى اتفاق حولها بدءاً من هيئة الحكم الانتقالي، وليس بدءاً من خطواته كما ذكر في إحاطته أول أمس. وأن تعمل دبلوماسياً على حشد الدعم الدولي اللازم لموقفها هذا.

على الأرض يجب خلق واقع عسكري جديد يجبر النظام على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشكل جدّي،وخصوصاً بعد أن ثبت أنّ النظام لا يفي بالاتفاقات والمصالحات التي وقّع عليها في مراحل سابقة.

الجسر للدراسات/مقالات

تحرير: ماجد السليمان