الأربعاء 2022/04/20

هل حوّل الائتلاف الوطني السوري نفسه من هيئة حكم انتقالي إلى حكومة بلدية صغيرة؟!

«منظمة التحرير الفلسطينية حوّلت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة» ، كان هذا تعليق إدوارد سعيد على اتفاق أوسلو، وكان هذا رأي الكثير من القيادات الفلسطينية التي رفضت التنازلات الهائلة التي تمّت في أوسلو.

منظمة التحرير الفلسطينية فاوضت على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ثم تنازلت إلى أن قبلت بهذا الحيّز الضيّق جداً من الأرض، هو شكل مشوه من أشكال الحكم الذاتي، لكنها بشكل ما أقنعت نفسها أنه دولة.

بالمثل يفاوض الائتلاف الوطني السوري على أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، و أساس هذه المفاوضات يستند إلى بيان جنيف، والقرارين 2118، و 2254 ، وكلها تنص على أنّ  الحلّ السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تتولى كامل سلطات الدولة السورية، بكامل مساحتها الجغرافية، وهو ما تمّ العمل عليه في مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.

لكن الائتلاف  فاجأ الشارع السوري، والمجتمع الدولي، بإصدار نظام أساسي جديد له يوم 7 نيسان/أبريل 2022 كاد أن يخلو من تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية، المؤهلة لخوض معركة التفاوض في جنيف، واستبدلها وبنسبة ساحقة بتكوينات عسكرية، ومجالس محلية، ومكونات إثنية كردية وتركمانية وآشورية، وكلها تنتسب أولاً، وتعمل ثانياً في حيّز جغرافي ضيّق، وبعضها هدفه السياسي الأول، أن يتمتع باستقلالية سياسية أو إدارية في هذا الشريط الجغرافي. وأقل ما يقال إن المكونات التي أعلن عنها الائتلاف لا تعبّر حقيقة عن "سورية التي يعرفها السوريون".

إن التركيبة الحالية للائتلاف حسب النظام الأساسي الذي أصدره ، لا تؤدي في المفاوضات السياسية إلا إلى حكم ذاتي لمنطقة ضيقة في الشمال السوري في حيز البلديات التي أضيفت كمجالس محلية، ويصيب بمقتل التفاوض على انتقال سياسي على كامل مساحة الأراضي السورية، ومن الخطورة بمكان أن يكون هذا وراء دوافع التغييرات التي قام بها الائتلاف في الأيام القريبة الماضية.

أيضاً هذه التركيبة ستجعل الائتلاف جيباً جغرافياً شبيهاً بجيب شمال شرق سورية، الذي تسيطر عليها مليشيا "قسد"، وجيب إدلب الذي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام"، وهذا سيسهّل الاتفاقات الدولية التي يدور الحديث عنها بين الفينةوالأخرى، حول نظام الحكم اللامركزي، الذي يبقي نظام الأسد، كحكومة مركزية في دمشق،فيما تنضوي الجيوب الثلاثة ضمنها، مع تمتعها  بنوع من الحكم الذاتي.

كانت  مؤسسة راند الأمريكية قد أصدرت أربعة أجزاء من سلسلة "خطة سلام من أجل سورية":

الأول: صدر في كانون الأول/ديسمبر 2015 ودعا إلى" ضرورة إقامة مناطق آمنة مقارنة بضمانات خارجية لتثبيت آلية وقف إطلاق النار"، وهو ما حدث فعلياً عبر اتفاق مناطق خفض التصعيد في أستانا، وعبر الرعاية الأمريكية لمنطقة شمال شرق سورية.

الثاني: صدر في حزيران/يونيو2016 وركّز على أن "اللامركزية أصلح نموذج للحكم في سورية المستقبلية".

الثالث: صدر في شباط/فبراير 2017 وأوضح أن "التطورات الأخيرة في سورية  والمنطقة بما في ذلك اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعته روسيا وإيران وتركيا، سيعزز الآفاق لوقف إطلاق النار على أساس وطني متفق عليه، وهو ما سيفرز مناطق سيطرة تدعمها قوى خارجية".

الرابع: صدر في كانون الأول/ديسمبر 2017 وركّز على ما جاء في  الأجزاء الثلاثة السابقة أن "تلك المناطق قد تصبح الأساس لاتفاق طويل الأمد" و "أنّ "سورية  لا مركزية" كانت هدفاً أكثر واقعية من السعي المستمر بجهد عسكري وراء إسقاط النظام". وأنه تم توطيد العديد من هذه المناطق.

بعد يومين فقط من اعتماد التركيبة الجديدة  "المـــــــــــريـــــــــــبـــــــــــة"  للائتلاف، وتحديداً في 9نيسان/أبريل 2022 عقد "مسد" لقاء تشاوريا في مدينة استوكهولم، دعا له عدداً من الشخصيات السورية المعارضة، وكان لافتاً للنظر تصريح "رياض درار" الرئيس المشترك لـ "مـسد "، أن اللقاء ركّز على "اللامركزية كإطار وطني ديمقراطي للحكم، يقوم على أساس المواطنة المتساوية وضمان حقوق كافة المكونات في سورية".

أخيراً: مع التوقف الكامل منذ خمسة أعوام تقريباً للعملية التفاوضية السياسية برعاية الأمم المتحدة في جنيف حول تطبيق القرار 2254 بدءأ من هيئة الحكم الانتقالي، وانحسارها إلى لجنة دستورية، لم تنتج شيئأ على الإطلاق بعد أكثر من أربع سنوات على تاريخ الإعلان عنها في سوتشي، ومع تقوقع الحكومة السورية المؤقتة ضمن حيّز جغرافي ضيّق، وتقوقع الاتئلاف ضمن تركيبة جغرافية ضيقة هي الأخرى، فهل سيتحول الائتلاف "من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة" كما قال إدوارد سعيد؟؟؟؟

مركز الجسر للدراسات