الأربعاء 2020/03/04

مؤشّرات مهمّة عن بدء ترحيل الأسد من السلطة

مع أنه لا يمكن تحديد الموقف الرسمي في تل أبيب من الحرب في سوريا، لغياب تصريحات واضحة حولها، إلا أنّ هذا بحدّ هذه كان يعطي مؤشراً نوعاً ما عن رغبة إسرائيلية في استمرار نظام الأسد في حكم سوريا، استناداً للتجربة التاريخية المريحة معه طوال 40 عاماً مرت قبل اندلاع الثورة الشعبية المطالبة بإسقاطه ورحيل بشار الأسد، بغضّ النظر عن مبررات تل أبيب في "عدم التدخّل" بالشأن السوري، إلا أنّ مراكز الأبحاث المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي دأبت في الحديث عن أنّ المصلحة تكمن في "منع" سقوط هذا النظام، والتذكير بأن الأسد لطالما كان يلتزم "بأعلى درجات ضبط النفس، " و"يعرف حدود القوة ويعرف كيف يلعب اللعبة ويتوقف عند حافة الهاوية"، وأنّه أبقى الباب مفتوحا للمناورات السياسية وإمكانية عقد صفقة سلام معه. خروج الأسد منتصراً كان سيعدّ أفضل نتائج الحرب في سوريا، باعتباره سينشغل بترميم آثارها، وسيستجيب للشروط الدولية التي ستفرض على نظامه مقابل المساهمة في عمليات إعادة الإعمار.

الأمر الوحيد الذي كان يقلق تل أبيب هو علاقة الأسد بإيران والحرس الثوري على وجه الخصوص، إضافة إلى حزب الله اللبناني، لكن كان المعوّل على الرئيس الروسي "بوتين" في إضعاف هذه العلاقة إلى المستوى الذي لا يشكّل خطراً على أمن تل أبيب، وترافق هذا بالاتفاق مع بوتين بالسماح بشنّ ضربات جوية دون قيود للقواعد الإيرانية المنتشرة في مناطق واسعة على الأراضي السورية، مع التركيز على القواعد المحيطة بالعاصمة دمشق، وصولاً إلى المناطق الحدودية الجنوبية.

لكن منذ فترة قصيرة بدأت تظهر أصوات تطالب تل أبيب بمراجعة استراتيجيتها حول سوريا، مستندة إلى نتيجة مفادها أن ثنائيّة الأسد إيران أصبحت أمراً واقعاً، وتجذّرت بطريقة لم يعد ممكن انفكاكها، ولم يعد ممكن التحكّم بها، أو السيطرة عليها لتبقى في المستويات التي لا تشكّل فيها خطراً على تل أبيب.

تستشهد هذه الدراسات بالتغلغل الإيراني في المفاصل الحسّاسة للنظام الحالي العسكرية والأمنية، وكذلك في القطاعات الحكومية الخدمية، والأسوأ هو تكريس إيران ايديولوجيتها الشيعية، ونشر جمعياتها "الخيرية" ومدارسها في طول البلاد وعرضها، في خطوات تشبه تماماً ما فعلته في جنوب لبنان سابقاً، ونتج عنه نشوء حزب الله الذي يهيمن اليوم على الدولة اللبنانية ويتحكم في الحكومة والبرلمان على حد سواء.

تل أبيب ترى نفسها محاطة بالتنظيمات الجهادية من كل حدب وصوب، فالتنظيمات الفلسطينية حماس والجهاد تحاصرها في الداخل، وحزب الله على حدودها مع لبنان في الخارج، والآن تنشئ إيران في سوريا نفوذاً ترى الدراسات الجديدة أنه وصل حد استحالة فكّ الارتباط بين نظام الأسد وإيران، وهو ما يعاكس كل الاستراتيجيات التي تشترك فيها تل أبيب وواشنطن، ومعظم دول المنطقة في وجوب تحجيم نفوذ إيران، بعدما ظهرت آثارها السلبية في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ولذا توصي هذه الدراسات بالعمل سريعاً على اتباع سياسات جديدة يكون مدخلها السماح بإحداث تغيير سياسي في نظام الحكم السوري.

قد تكون الأمور بدأت في هذا الاتجاه، والذي يتابع جلسات مجلس الأمن الأخيرة يلحظ تغيّراً في مزاج المجتمع الدولي، ونفاد صبره من سلوك الأسد وداعميه الروس، والروس في النهاية لن يضعوا أنفسهم في هذه المواجهة المفتوحة، وخصوصاً بعد تكرار التهديدات الغربية على أسماعهم في قرب محاسبة الجيش الروسي وقياداته على انتهاكاتهم وجرائمهم ضد الشعب السوري، وتحميلهم المسؤولية بشكل منفصل عن قوات نظام الأسد، الذي لا زالت القوات الروسية تتوارى في عملياتها خلفه، وتلصق به جميع تلك الجرائم والانتهاكات.

دخول الجيش التركي في مواجهة مباشرة مع قوات نظام الأسد وحصوله على تأييد دولي واسع وخصوصاً من حلف الناتو، ثم إرسال وفد من طرف الأمين العام للأمم المتحدة إلى إدلب للوقوف على الأوضاع الإنسانية، ثم الزيارة المفاجئة لوفد أمريكي رفيع المستوى، ضمّ سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة كيلي كرافت والمبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، ودبلوماسيين آخرين، تعتبر مؤشرات مهمة على أن الأسد في ورطة غير مسبوقة الآن، وأنّ هذه المؤشرات قد تعني فعلياً بدء ترحيله من الحكم.

قد يحدث هذا بتسريع العملية السياسية المتعثّرة، لكن بشرط إحداث وقف فوري لإطلاق النار بحيث تتوقف المعاناة الإنسانية، والأهم أن تتوقف موجة اللجوء التي تضرب حدود الاتحاد الأوروبي، وقد يحدث بحركة من داخل النظام تطيح بالأسد وتفتح الباب لانتقال سياسي شبيه بما حدث في السودان.