الجمعة 2021/09/17

الحلفاء بالصدفة!

 

"الحلفاء بالصدفة" كتاب يوثّق قصة الشراكة العسكرية والسياسية بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب، التي تحولت لاحقاً إلى اسم قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، الكتاب من إصدارات معهد واشنطن  لمايكل نايتس وفلاديمير فان ويلجنبرج، ويعتمد على عدد كبير من البيانات والتصريحات الرسمية، والمقابلات الشخصية مع دبلوماسيين ومسؤولين من الإدارة الأمريكية، وقيادات قسد، وباحثين ومحللين عسكريين وسياسيين.

بمقارنة هذه الشراكة شمال شرق سورية، بالشراكة مع أفغانستان، والتي انتهت بانسحاب القوات الأمريكية، والانهيار الكامل للحكومة الأفغانية، وتسليم البلاد لحركة طالبان، سيناقش هذا التقرير المستقبل المتوقع للشراكة الأمريكية مع قسد، وحجم احتمال انسحاب أمريكي مماثل، وبالتالي مصير قسد، ومصير شمال شرق سورية.

مع أن العنوان الرئيسي للتدخل الأمريكي في أفغانستان وفي شمال شرق سورية كان مكافحة الإرهاب، إلا أنّ ثمّة فروقاً جوهرية تظهر بينهما تالياً في جميع المستويات: العسكرية والسياسية والاقتصادية.

عسكرياً أرسلت الولايات المتحدة ما يقارب 100 ألف جندي أمريكي، وأنشأت بموازاتهم جيشاً أفغانياً لا يقلّ تعداده عن 350 ألف جندي أفغاني، تمّ تدريبهم بشكل جيد، إضافة لتزويدهم بأسلحة متطورة، وبكميّات هائلة.

بالمقابل أرسلت الولايات المتحدة أقل من ألف مقاتل إلى شمال شرق سورية-وصل العدد إلى 200 فقط في بعض الفترات- ومن ناحية التسليح فإن الكتاب يتحدث أن "توفير الأسلحة الأمريكية كان بخيلًا بشكل ملحوظ ، حيث كان أثقل الأسلحة المقدمة إلى قوات سوريا الديمقراطية هي بنادق SPG-9 عديمة الارتداد ، سلاح يعود إلى حقبة حرب فيتنام"، بالطبع كان النظام السوري قد ترك لوحدات حماية الشعب بعض الأسلحة الثقيلة من مدافع ودبابات وقاذفات قبل انسحابه من المنطقة.

لماذا نهجت الولايات المتحدة هذا النهج مع قسد؟

الولايات المتحدة لم ترغب في دفع ثمن سياسي كبير يضعف العلاقة مع الحليف التركي القوي والمهم في الناتو، فتركيا لا تفرّق بين قسد وبين حزب العمال الكردستاني PKK  المصنف على لوائح الإرهاب لديها ولدى الولايات المتحدة على حد سواء، وترى في تسليح قسد وتقويتها تهديداً لأمنها القومي، لذا يجيب الكتاب على هذا السؤال، في أنه كان "يمكن لهذا النموذج من التعاون الأمني - حيث يتم توفير القليل من العتاد أو التدريب ، وتأتي معظم المساعدة من الاستخبارات والقوة الجوية - أن يترك الشريك (قسد) دون تغيير ملحوظ.، حيث لم تكن قسد ، التي تفتقر إلى دعم النيران الأمريكي ، فعالة في مواجهة الهجمات التركية في عفرين ورأس العين وتل أبيض. وبالنسبة لأولئك القلقين من أن المساعدة الأمريكية ستعزز قدرات حزب العمال الكردستاني وقسد لمحاربة تركيا ، فإنّ صيغة الدعم الاستخباراتي والجوي،  والعتاد القابل للتلف ، تعتبر في الواقع فعّالة للغاية في الحد من خطر الإفراط في تطوير قسد بطريقة يمكن أن تهدد تركيا".

سياسياً عملت الولايات المتحدة على إنشاء دولة أفغانية معترف بها دولياً، كمثيلاتها من أي دولة عضو في الأمم المتحدة، لكنها في شراكة قسد لم تتخذ أي خطوة لمنحها أدنى اعتراف سياسي، أو حتى تموضع سياسي في صفوف المعارضة السورية التي كانت قد حصلت على شيء من الاعتراف مثل الائتلاف الوطني، وهيئة التفاوض، واللجنة الدستورية. أو مثل باقي منصات المعارضة كمنصة موسكو والقاهرة وهيئة التنسيق.

"في يناير 2016 في أول زيارة للمبعوث الأمريكي بريت ماكغورك للمنطقة. ناقش القادة السياسيون والعسكريون  لقسد، القضايا السياسية مع ماكغورك ، سعياً إلى ربط التعاون المستقبلي في مواجهة داعش بمقعد في محادثات السلام في جنيف، أخبر ماكغورك القادة أن ينسوا جنيف وأن يركزوا على الاستيلاء على الأراضي التي ستكون أكثر قيمة  من الحصول على مقعد في مؤتمر دولي".

كانت قسد تفتقر للشرعية التي تؤهلها لاعتراف سياسي ما " بسبب قيادتها التي يغلب عليها الأكراد وعدم استعدادها الواضح لتقاسم السلطة. مع مجموعات غير تابعة لها (حتى الكردية منها)،. والأهم من ذلك لشدة قربها منظمة إرهابية أجنبية مُصنَّفة من قبل الولايات المتحدة ، هي حزب العمال الكردستاني" تلك الأمور التي فشلت قسد في تقديم صورة حقيقية مغايرة لها إلى هذا اليوم.

اقتصادياً أنفقت الولايات المتحدة 2 تريليون دولار في أفغانستان، مقابل 177 مليون دولار مخصصة كميزانية دفاعية لقسد عام 2021، و 200 مليون دولار العام الماضي، وفي مجالات التنمية المدنية مثل قطاعات الصحة والتعليم والبنى التحتية، فإن المبالغ تبقى ضئيلة جداً، لا تتمكن قسد من خلالها تطوير حكم محلي يلبي الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين، أو قادر على الوصول للاكتفاء الذاتي، أو الاستغناء عن الدعم الأمريكي في أي وقت من الأوقات.

قسد حليف بالصدفة!!

إذن لماذا اختارت الولايات المتحدة قسد؟

يجيب أحد الدبلوماسيين الأمريكيين "فصائل  المعارضة السورية أرادت التركيز على محاربة نظام الأسد، وكان هذا سيدفع روسيا للتصعيد. لم يكن هناك أي احتمال على الإطلاق بأن تنجذب إدارة أوباما إلى أي من هذين الأمرين، فيما  لم تكن قسد تحاول الاستيلاء على السلطة في المركز، ولم تكن تسعى إلى حرب شاملة مع النظام أو الروس ، لذلك كانت قسد أقل خطورة"

وحين قرر  أوباما توجيه الدعم العسكري لقسد اعتبر ذلك إجراء طارئاً  "يزعم الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن إدارة هذه العملية أنهم أوضحوا دائمًا أن هذه عملية محدودة ستنتهي بإعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، كانت هذه طريقتهم في عدم الاستثمار في حزب العمال الكردستاني أو خلق إرث سياسي دائم في شمال شرق سورية".

الخلاصة

الدوافع والمصالح الأمريكية للتدخل في أفغاستان، لا تقارن بمثلها في التدخل شمال شرق سورية، ورغم ذلك اتخذت الولايات المتحدة قرار الانسحاب من أفغانستان، وقرار الانسحاب من شمال شرق سورية أسهل بكثير، وحين حدث الانسحاب من أفغانستان انهار البناء الذي بنته أمريكا تماماً رغم الإنفاق الهائل الذي دفعته لبنائه,

احتمال الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية يكاد يصبح حقيقة مسلّماً بها قريباً، ونتائجه على قسد ستكون كارثية. لكن لا زالت قسد تملك خيار الانحياز للمعارضة الوطنية السورية، عبر ترتيبات أمريكية تركية، وإلا فإنها ستعرّض نفسها للتلاشي فيما لو توجهت نحو روسيا والنظام السوري.

الجسر للدراسات