الأربعاء 2020/03/25

هل اعترفت الأمم المتحدة أخيراً ب “سلطات حاكمة” أخرى في سوريا غير نظام دمشق؟

الملخّص: نداء الأمين العام للأمم المتحدة  السيد "غوتيريس"حول الوقف الفوري لإطلاق النار في كل مكان، وبيان مبعوثه الخاص إلى سوريا السيد "بيدرسن" "من أجل وقف إطلاق نار على المستوى الوطني" هو المتغيّر الوحيد حالياً في الملف السوري، وهو الذي يفسّر التحرك الروسي نحو دمشق، والأمم المتحدة تتحدث عن التعاون مع "السلطات الحاكمة في المناطق خارج سيطرة الحكومة"

كان لا بد لوباء فيروس كورونا الذي غطّى خارطة العالم كلها، وألقى بظلاله الثقيلة عليها، وشغل الدول بشؤونها الداخلية، وأضعف تحالفات كانت لا تزال تعتبر قوية إلى عهد قريب كالاتحاد الأوربي، أن يكون له تأثيرات جوهرية على الوضع في سوريا.

ضرب الوباء ضربة كبرى الدول الأكثر نفوذاً في الملف السوري في كلا جانبي مسار أستانا، أو المجموعة المصغّرة، فالوباء يعصف بإيران، وهو في تصاعد في تركيا وروسيا، وبالمثل تتصدر الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا سلّم الإصابات والوفيات، وهو يتصاعد أيضاً في مصر والأردن والسعودية، وعلى الجانب الثالث تقف الأمم المتحدة ومسارها المعطّل أصلاً في جنيف، مشدوهة أمام جائحة كورونا، فاحتياجات الدول الفقيرة والضعيفة تنبئ بكارثة قد تخرج عن السيطرة، بعد أن انهارت المنظومات الصحية لدول غنية، وذات اقتصاديات قوية.

في خضمّ هذا المشهد تصبح الحرب في سوريا، التي يهددها الوباء أيضاً، موضوعاً ثانوياً، لكن فقط ينبغي ألّا يغتنم طرف ما غفلة العالم ليفرض واقعاً على الأرض، يكون خارج التفاهمات والاتفاقات السارية حتى الآن، والمقصود بالتحديد شمال غرب، وشمال شرق سوريا، شمال غرب المحكوم بالاتفاق التركي الروسي في مذكرة 5 آذار/مارس الجاري، وشمال شرق حيث تنتشر القوات الأمريكية، وشركاؤها الأكراد، والمحكوم أيضاً جزئيّاً بالاتفاق التركي الأمريكي في منطقتي تل أبيض، ورأس العين.

إذن إلى أن يستعيد العالم وضعه الطبيعي الذي قد يمتد لعدة أشهر، أو أطول من ذلك بكثير، فلا بد أن يكون الوضع الراهن هو النقطة التي يجدونها عند العودة إلى الملف السوري، وعليه تمّ الدفع بالأمين العام للأمم المتحدة السيد "غوتيريس" ليوجّه نداءه في 23/3/2020 الذي يكاد موجّهاً فقط للحالة السورية، فالتحركات والتصريحات التي سبقته والتي لحقته تشير إلى هذا الشيء.

 نداء الأمين العام كان حاسماً في دعوته إلى "وقف إطلاق النار فورا في جميع أنحاء العالم"، متابعاً "أخرسوا البنادق، وأخمدوا المدافع، وأوقفوا الغارات الجوية" وليختم بالقول: "ويبدأ ذلك بوقف القتال في كل مكان، الآن".

هذه النداء ما كان ليحدث لولا اتفاق مسبق في مجلس الأمن بين الخمسة الكبار عليه، وإلا سيكون مجازفة لا يُقدم على مثلها شخص مثل "غوتيريس"، ولعلّه كان قد حصل على بعض الثقة بفاعلية ندائه، لإثر الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي بوتين برئيس النظام السوري في 21/3/2020، والذي لم يُعلن عن فحواه، إلّا بشكل مقتضب حول " سير تنفيذ الاتفاقات الروسية التركية المبرمة في 5 آذار" " بالإضافة إلى العملية السياسية"!

صدر نداء الأمين العام في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع الروسي "شويغو" يزور دمشق، ويسلّم رئيس النظام السوري رسالة من الرئيس الروسي بوتين، وليتبعه في اليوم التالي بيان المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا السيد غير بيدرسن تحت عنوان "نداء من أجل وقف إطلاق نار على المستوى الوطني وجهد شامل لمكافحة فيروس كوفيد 19 في سوريا" ودعا إلى " فترة هدوء متصلة في كافة أنحاء البلد تلتزم بها كافة الأطراف".

اللافت للنظر في بيان بيدرسن أمران اثنان:

الأول: أشار أنّه "في الوقت ذاته هناك إجراءات تطبق في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية من أجل التعامل مع هذه الأزمة، وهناك إجراءات تتخذها أيضاً السلطات الحاكمة في المناطق خارج سيطرة الحكومة".

الثاني: أنّه "يتعين على المانحين الدوليين مساندة الجهود الإنسانية بشكل كامل والاستجابة لنداءات الأمم المتحدة. وعليهم القيام بما يلزم لضمان حصول كافة السوريين في كل أنحاء سوريا على المعدات والموارد المطلوبة من أجل مكافحة الفيروس ومعالجة المصابين. لا شيء يجب أن يعيق ذلك" وأنّه "ستكون هناك حاجة لاستخدام كافة آليات إيصال المساعدات وزيادة إجراءات الوقاية والحماية".

ما الّذي يعنيه هذا؟

هذه أول مرة تستخدم فيها الأمم المتحدة توصيف " السلطات الحاكمة في المناطق خارج سيطرة الحكومة"، وهو يعني فيما يعنيه الاعتراف بهذه "السلطات الحاكمة" ولو مؤقتاً، ريثما تنتهي أزمة كورونا، بحيث تتمكّن المنظمات الدولية من التعاون معها دون الحاجة إلى أخذ موافقة دمشق، التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية، رغم قرارات عديدة من مجلس الأمن، بذريعة تعدّيها على "السيادة الوطنية" والتدخل في الشؤون  الداخلية لدولة عضو في الأمم المتحدة.

رسائل موسكو تحذّر دمشق تحذيراً قوياً للاستجابة لوقف إطلاق النار، وعدم الخضوع لإيران في رفضه أو تخريبه انتقاماً من المجتمع الدولي الذي لا يزال يفرض عليها العقوبات الاقتصادية، وتحمّله إيران مسؤولية فشلها في احتواء أزمة فيروس كورونا.

تحوّل سوريا بسبب هشاشة وضعها الاقتصادي، ومنظومتها الصحية، إلى بؤرة إصابة تفوق ما حدث في الصين أو في إيطاليا، وتأثير ذلك على "دول الجوار" يبدو أنه الدافع الأساسي لهذا التحرّك الدولي "الجادّ" هذه المرّة.

الجسر للدراسات/تقارير