الخميس 2019/08/15

في سوريا حبر اللجنة الدستورية لن يسيل قريباً، وحدها الدماء ستبقى تسيل!

"نحن على بعد خطوة واحدة من وضع اللمسات الأخيرة على العمل على إنشاء لجنة دستورية"​​.

​ كان هذا تصريح "ديمتري بيسكوف" المتحدث باسم الرئاسة الروسية. هذه الخطوة على بعد أقل من شهر حسب إعلان وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" أنّ قمة ثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران حول سوريا، ستعقد في 11 سبتمبر المقبل في أنقرة" ويتوقّع أن يتم الإعلان عن اللجنة الدستورية خلالها.

هذه الخطوة -لو حدثت حقيقة- فإنها ستكون هي الخطوة الأولى على الإطلاق لنظام الأسد نحو تطبيق فقرة واحدة من أرشيف ضخم من قرارات مجلس الأمن الدولي يتحدث فيها عن الحلّ السياسي في سوريا، بدءاً من بيان جنيف 30حزيران/يونيو 2012 مروراً بعشرات القرارات الدولية، مع التذكير أن النظام لا يعتبر هذه اللجنة جزءاً من المسار الأممي "الطويل" في جنيف، وإنما شيء عمل عليه حلفاؤه الروس والإيرانيون في مؤتمر "حوار" بمنتجع "سوتشي" الروسي، قدم جلّ المتحاورين فيه من دمشق، ولم ينسوا فيه كعادتهم في "مهرجاناتهم" الهتاف لبشار الأسد.

مسار الأمم المتحدة الممتد لثماني سنوات، ضاعت فيه القرارات المتعلقة بالحرب في سوريا بين ثنايا ما يزيد على 400 قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، كانت حصة سوريا منها ما يقارب 10% ، مع ثماني جولات تفاوضية انتهت بورقة مبادئ من 12 نقطة وضعها المبعوث الأممي السابق "ستافان ديمستورا" نهاية عام 2017، ولم يشارك النظام في صياغتها، ولم يوافق أو يوقّع عليها.

هذه الورقة لم تجد طريقها إلى المسار الثاني في أستانا للدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران، الذي بدأت الجولة الأولى فيه مطلع عام 2017، مستمرة إلى 13 جولة، دون أن تكتب حرفاً واحداً للحل السياسي، واكتفت ببعض الاتفاقات العسكرية التي نقضها النظام جميعاً، ولا يزال يفعل ذلك في محيط محافظة إدلب آخر مناطق خفض التصعيد الأربع التي احتل النظام ثلاثاً منها فيما سبق.

نظام الأسد حزم أمره نحو القمع واستخدام العنف، منذ اليوم الأول للاحتجاجات السلمية المطالبة برحيله، متجهاً لاحقاً نحو الحل العسكري، وضارباً بعرض الحائط كل القرارات والبيانات الدولية التي تتحدث عن الحل السياسي كحل وحيد في سوريا، ورافضاً إجراءات الانتقال السياسي من نحو هيئة الحكم الانتقالي، والبيئة الآمنة والمحايدة، وصياغة دستور جديد، تجرى على أساسه انتخابات حرة ونزيهة، وهو لم يبدل موقفه هذا بالرغم من التبدلات الشديدة التي كانت تحدث على الأرض، بين مرحلة فقد فيها السيطرة على 70% من مساحة البلاد، وبين مرحلة بعكسها حقق فيها الكثير من المكاسب العسكرية، واستعاد العديد من المناطق التي كان قد فقدها.

النظام واظب على رفض اللجنة الدستورية سواء أكانت برعاية الأمم المتحدة، أو برعاية الدول الضامنة لمسار أستانا، وظل يعدّ الانخراط فيها "تنازلاً" كبيراً لا مسوّغ له من جانب، ولا تستحقه المعارضة الخارجية التي يعتبرها "لا وطنية" بعرفه من جانب آخر، واقتصر كلام كبار مسؤوليه عن "إصلاح دستوري"، يقوم فيه النظام بمشاركة بعض الأحزاب والقوى السياسية الداخلية التي تعتبر جزءاً من النظام، باعتبارها شريكة له في الحكم، وإن كان بأدوار هامشية وثانوية صغيرة.

فماذا يعني تصريح بيسكوف؟ وهل وافق النظام فجأة على اللجنة الدستورية؟ أم إنه أُجبر على الانخراط فيها من طرف روسيا؟

الحقيقة أنه لا هذا، ولا ذاك، لكن الهجوم الوحشي العنيف على إدلب وريف حماة، واجه غضباً دولياً غير مسبوق في أروقة الأمم المتحدة بمختلف المؤسسات التابعة لها، وظهر نوع من الإجماع الدولي على إدانة نظام الأسد، وتوجيه أصابع الاتهام للاتحاد الروسي الداعم له، وتتالت الاجتماعات والتصريحات والتقارير المقدمة في مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وآلية التحقيق الدولية، والفريق العامل التابع لمجلس الأمن المعني بالأطفال والنزاع المسلح، وتم تشكيل فريق  جديد تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي للتحقيق في هجمات كيماوية محتملة قام بها النظام، وأدان الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم على المنشآت الطبية، وخاصة تلك التي عممت الأمم المتحدة إحداثياتها، لتحييدها وضمان عدم قصفها، كما استضافت مؤسسات الأمم المتحدة العديد من الناشطين السوريين للإدلاء بشهاداتهم وتقاريرهم حول الانتهاكات التي مارسها النظام، وفتح دعاوى دولية لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات.

إذن في ظل ردود الفعل الدولية هذه تعلن روسيا عن انفراجة سياسية في تشكيل اللجنة الدستورية، ولا يعدو مرادها من ذلك محاولة منها لصرف الأنظار عن المعارك العنيفة الجارية على الأرض، والتي تسببت بنزوح مئات آلاف السكان من منازلهم، مع القلق من تدفقهم باتجاه الحدود التركية، واحتمال تحوّلهم إلى موجة لجوء تصل إلى أوروبا التي لا زالت تحاول احتواء موجة اللجوء السابقة التي تزامنت مع أحداث حلب، والشبيهة بأجواء أحداث إدلب حالياً.

على هذا الأساس فمن المستبعد الإعلان عن اللجنة الدستورية الشهر القادم، أو في الأفق القريب، وحتى لو حصل شيء من هذا القبيل فسيكون لذرّ الرماد في العيون، وللإيحاء بأن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين لا يرفضون الحل السياسي بالكلية، أو أن الحل العسكري هو خيارهم الوحيد، أو الطريق إلى فرض شروطهم استناداً إلى معادلة الأمر الواقع على الأرض.

حبر اللجنة الدستورية لن يسيل قريباً ليكتب نهاية النظام الديكتاتوري الشمولي، وستبقى دماء السوريين تسيل على الأرض في محاولة من النظام لفرض الاستسلام على الشعب السوري والقبول ببقاء الحكم بأجهزته الأمنية والعسكرية، ومافيات الفساد المرتبطة به.

لكن ولعدم وجود تفاهمات دولية تسمح بقبول فرض هذا الحل من الجانب الروسي والإيراني، فالذي سيحدث هو استمرار حرب لا نهاية لها، إلى أن تقبل روسيا بالحل السياسي، وتتوقف عن دعم وحماية النظام.