الخميس 2018/07/26

هل ينجح بوتين بإقصاء إيران والأسد؟


مركز الجسر للدراسات...


بيان جنيف 30 حزيران/يونيو 2012 والمفاوضات التي انعقدت على أساسه، وصولاً إلى القرار 2254، كانت كلها تشير إلى عملية انتقال سياسي تتضمّن "إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيّئ بيئة محايدة تتحرّك في ظلّها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذيّة، ويمكن أن تضمّ أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تشكّل على أساس الموافقة المتبادلة".

لم يعد المسؤولون الأمريكيون اليوم يأملون أن تتمكن العملية الدبلوماسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف من إنقاذ الوضع في سوريا، ما كان الأسد ليفاوض أبداً على إنهاء حكمه، والخروج من السلطة، والقبول بتشكيل حكومة مشتركة مع المعارضة، ثبت ذلك على مدار ست سنوات متتالية، مع أن النظام فاوض أحياناً وهو في أشدّ حالات ضعفه عسكرياً، ومحاصر سياسياً واقتصادياً، كان بيان جنيف بالأصل قصة خيالية لم تكن لتحدث في الواقع، كان هذا رأي بعض الباحثين الأمريكيين بعد القمّة التي جمعت بين ترامب وبوتين في هلسنكي.

ما الذي يمكن أن تأمل به الولايات المتحدة اليوم إثر الدور الروسي والإيراني المتعاظم في سوريا، أن تحفظ به مصالحها ومصالح حلفائها الخارجيين الإسرائيليين والخليجيين، إضافة إلى الأردن وتركيا ولبنان، وحلفائها الداخليين الأكراد شمال شرق البلاد؟

استقلال مؤقّت للأكراد شركاء الولايات المتحدة في مناطق شمال شرق الفرات، وحماية محدودة لبعض قوات المعارضة المعتدلة في مناطق انتشارها، مع بدء عملية إعادة إعمار، وتسهيل عودة اللاجئين إلى هذه المناطق التي ستبقى خارج سيطرة النظام، مثل هذه الاستراتيجية حال نجاحها ستزيد من قناعة المجتمع الدولي بوجوب إحداث عملية انتقال سياسي لا يكون الأسد جزءاً فيها، بقاء الأسد في السلطة سيولّد المزيد من التنظيمات الإرهابية، ويجدد موجات العنف مرة بعد مرة، سيستمر الغضب الأخلاقي في البلاد بنفس الوتيرة التي حدثت في العراق بسبب استئثار الشيعة بالسلطة وتهميش السنّة، على مدى عدة حكومات متتالية، كان هذا السبب الأول لظهور تنظيم الدولة.

هل يمكن في مثل هذه الاستراتيجية تبنّي خيار أن يختار الأسد خليفته ويتخلّى عن السلطة، وإنشاء حكم وزاري موسّع الصلاحيات، يضمّ تمثيلاً كاملاً ومتوازناً لجميع المناطق والإثنيات والطوائف في سوريا دون استثناء، بحيث يعتبر هذا الحكم الجديد هو نمط الإصلاح الذي يتحدث عنه الروس الإيرانيون في مستقبل البلاد؟ يجيب الباحثون الأمريكيون: من غير المرجّح أن يقبل الأسد هذا الحل الوسط، لكن هل تستطيع روسيا فرضه؟ المعضلة الأولى قبل موافقة الأسد قد تكون إيران، لطالما تجاهلت إيران والنظام سويةً الجهود الروسية لإعادة تشكيل المشهد السياسي والدبلوماسي في سوريا، كان آخرها رفض تصريح بوتين الأخير بأنّ على جميع القوات الأجنبية أن تغادر البلاد.

قد يكون ترامب طرح على بوتين هذا السيناريو في هلسنكي، لكن ودائما في العلاقات الأمريكية الروسية لا يمكن الوثوق بالروس، قد يكون بوتين في طور تطبيق هذا الخيار لكن على طريقته، فلا الأسد ولا إيران تحت السيطرة، يحتاج بوتين إلى إضعافهما من جانب، وإلى تقوية موقفه دولياً وخصوصاً في أوروبا وإسرائيل من جانب آخر.

كيف يتصرّف بوتين الآن؟

أولاً: في الجنوب سيؤمّن بوتين الحدود المحاذية لإسرائيل تأميناً كاملاً، بإعادة سيطرة قوات اليونيفيل على كامل الشريط الحدودي، والعودة لتطبيق قرارات فصل القوّات الموقّعة عام 1974، مع ضمان سحب المليشيات الإيرانية بحيث لا تشكّل خطراً على شمال فلسطين والجولان المحتل. كذلك سيعمل على نشر عدد كبير من الشرطة العسكرية والمدنية في كل الجنوب لبسط الأمن، ولمنع عناصر النظام من التعرّض للسكان المدنيين، ومع التقدم في هذا الأمر سيتوجّه للمجتمع الدولي بإمكانية إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار لبنان والأردن، وتوجيه المساعدات المخصّصة للاجئين في هاتين الدولتين للمنطقة الجنوبية مباشرة تحت إشراف الروس على توزيعها، ولعل دفعة المساعدات الفرنسية الأخيرة إلى الغوطة هي التجربة الأولى في هذا المجال، وسننظر إذا كانت هذه التجربة ستتوسع وتشارك فيها دول أخرى. كذلك قد يكون ما حدث من إيقاف دعم العملية التعليمية في مخيمات اللاجئين في الأردن مؤشراً ثانياً على الدفع بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ثانياً: شمال غرب البلاد في إدلب وأرياف حلب وحماة سيكون الدور الأكبر لتفاهمات روسية تركية في إنشاء إدارة مدنية برعاية تركية كاملة، وإنهاء أي مظاهر مسلّحة للمعارضة فيها، وتحويلها إلى شرطة مدنية، وحفظ نظام فقط، هنا أيضاً سيتوجّه بوتين لإمكانية إعادة اللاجئين من أوروبا وتركيا، ويترافق ذلك بمشاريع إعادة إعمار واسعة يموّلها الاتحاد الأوربي خصوصاً باعتباره المستفيد الأول من ترحيل اللاجئين من أراضيه، وإنهاء هذه الأزمة التي عصفت بالقارة الأوربية.

ثالثاً: شمال شرق الفرات سيستمر نفوذ الولايات المتحدة فيها، مع تحويل منظمة PYD إلى حزب سياسي، وتحويل مليشياتها إلى إدارة مدنية بشراكة أبناء المنطقة، وتمويل إعادة الإعمار من قبل الدول الخليجية. ستكون أيضاً المنطقة مؤهّلة لعودة اللاجئين.

حجب النظام وإيران عن هذه المناطق الثلاث الواسعة والمهمة، سيجعلهما في منطقة انتشار ضيقة، والروس معهم فيها دائماً، وهذا سيخلق توترات قد تتحول إلى صدامات بين الطرفين، كما إن حاضنة النظام في الساحل ستُظهر رفضها وكراهيتها للنفوذ الإيراني الشيعي ذي الطابع الديني المتشدد الذي يتنافى مع طبيعة عيش وعادات الطائفة العلوية ذات الطابع المنفتح، سيكون ذلك أكثر ظهوراً من جانب النساء، الضرر الأكبر سيقع على النساء هناك. النظام سيقع في حرج شديد من الاحتجاجات في صفوف الموالين له في الساحل، بعد أن دفعوا ثمناً باهظاً من أبنائهم في سبيل بقاء الأسد في السلطة، وسيكون هذا عاملاً مساعداً للروس في إخراج إيران من سوريا.

في مسار موازٍ ستتابع روسيا العمل على اللجنة الدستورية، ومع تزايد مساحات البيئة الآمنة، ونمو الاستقرار فيها، سيكون ممكناً الدعوة لانتخابات مبكرة، أو في موعدها المقرر عام 2021، عندها سيطلب الروس من الأسد التنحي عن السلطة وعدم خوض هذه الانتخابات.

هل ينجح هذا السيناريو، أم إنّها قصة خيالية أخرى مثل جنيف؟.. سوريا بلد الاحتمالات المفتوحة.