الثلاثاء 2018/06/12

هل نجح “ابن سلمان” في “شراء الوصاية” على القدس من العاهل الأردني؟


مركز الجسر للدراسات


مع تقلّد ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" منصبه، وإثر موجة "الإصلاحات" التي يقوم بها في البلاد، وتسويق نفسه كرجل الاعتدال الجديد في الشرق الأوسط، واعترافه بحق "الشعب الإسرائيلي" في العيش على أرضه، وانخراطه فيما يسمّى "صفقة القرن"، بدأت أصوات إسرائيلية تنادي باستبدال "الوصاية الهاشمية" على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلّة، ومنح هذا الحق لولي العهد السعودي.

ما هي الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلّة، والمستمرة منذ عام 1924؟

سنعرض بنوداً من آخر اتفاقية أبرمت "بين الأطراف السامية:  الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس، والرئيس محمود عباس، بصفته رئيساً لدولة فلسطين" كما جاء في ديباجتها.

تقول الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية عمّان يوم  31 آذار/مارس 2013:

- بناء على دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس وإعمارها منذ عام 1924، واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك االأردن من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم؛ وذلك انطلاقا من البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في 11 آذار سنة 1924 من قبل أهل القدس وفلسطين؛ وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين؛ بما في ذلك بطريركية الروم الأورثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958.

- إن رعاية ملك الأردن المستمرة للأماكن المقدسة في القدس تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى (الحرم القدسي الشريف)

- يعمل جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بصفته صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس على بذل الجهود الممكنة للرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس وبشكل خاص الحرم القدسي الشريف وتمثيل مصالحها.

إسحاق هرتسوغ، ضابط تابع للاستخبارات الإسرائيلية، وابن حاييم هرتسوغ الرئيس السادس لإسرائيل، والذي شغل قبل ذلك منصب رئيس الاستخبارات الإسرائيلية في قوات الاحتلال، إسحاق كان زعيم حزب العمل، وأسس "المعسكر الصهيوني" مع الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، والذي كاد أن ينتصر على نتنياهو في انتخابات 2014 الأخيرة، إسحق يعتبر اليوم زعيم المعارضة في إسرائيل، وقد يكون من المرشحين لقيادة حكومتها في مرحلة قادمة.

هرتسوغ مطلع عام 2018، يقول: "عندما نصل إلى الحديث عن القدس والأماكن المقدسة، مثل الأقصى، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك دور ومسؤولية للسعودية على الأماكن المقدسة، بحكم كونها الدولة التي تضم أقدس أماكن الإسلام، وللسعودية تجربة في إدارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. أعتقد أنه يجب منح السعودية دورًا مركزيًا في هذا الأمر".

"اليمين الصهيوني" بدوره يريد فرض السيادة الإسرائيلية، والتخلّص من السيادة الأردنية، ويرى أن نقل الرئيس الأمريكي ترامب سفارة بلاده إلى القدس، يشرّع الطريق لهذه العملية، كان الكنيست الإسرائيلي قد ناقش مرة قراراً قدمه النائب اليميني المتطرف "موشيه فيغلين" طالب فيه نقل السيادة على المسجد الأقصى من الحكومة الأردنية إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي.

قال فيغلين: "حين نهرب عن جبل الهيكل (الأقصى) فإننا نفقد شرعية وجودنا في تل أبيب، لا معنى لوجودنا هنا من دون هذا المكان".

لم يمرّر الكنيست هذا القرار فهناك صعوبات وتحديات كبرى تواجه هذا المشروع، والملك الأردني سيعاني من موجة عاصفة من الاحتجاجات قد تطيح به فيما لو تخلّى عن هذه الوصاية لليمين الإسرائيلي مباشرة، لذا لا بد من مرحلة وسيطة أو انتقالية تمر بها الوصاية على المقدسات لتستقر في النهاية بيد إسرائيل، وتصبح بذلك القدس فعلياً العاصمة الموحدة والأبدية للدولة العبرية.

ابن سلمان يطرح نفسه هذا الوسيط، لكن أيضاً تنازل الملك عبد الله الثاني له عن الوصاية ليس بتلك السهولة، يوجد حساسية وتنافس تاريخي بين العائلتين السعودية والهاشمية، في القمة الإسلامية التي عقدت في الرياض، حين استهل الملك الأردني كلمته بالصلاة على "محمد النبي العربي الهاشمي الأمين"، قاطعه الملك سلمان بالقول "محمد "صلى الله عليه وسلم" هكذا تكون الصلاة عليه"، وفي تعبير عن التنافس على لقب خدمة "المقدسات الإسلامية" ارتدى رئيس الحكومة الأردنية والوزراء، وأعضاء مجلس النواب، خلال إحدى الجلسات، شعارا على صدورهم يحمل صورة الملك الأردني، موسوماً بعبارة "خادم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".

مشادّة كلامية وقعت على هامش اجتماع الاتحاد البرلماني العربي، في المغرب، بين السعوديين والأردنيين حول ولاية ووصاية الأردن على الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة.

تبعها تصريح لرئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق، عدنان أبو عودة، أن هنالك "محاولة سعودية لمنافسة الأردن على الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس المحتلة".

حكام الأردن دخلوا حالة تطبيع مع الإسرائيليين إثر معاهدة السلام الموقعة بينها، والوصاية بالنسبة لهم شكلية، ونوع من تعزيز شرعيتهم ومكانتهم الداخلية، وفي العالم الإسلامي، لكن لا بد من وجود مبررات مقنعة للشعب الأردني، ومن قبلهم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن، ستكون الضائقة الاقتصادية وما يتبعها من القلاقل والاحتجاجات الشعبية على الأوضاع المعيشية وفرض الضرائب عذراً مقبولاً لذلك.

افتعلت السعودية والإمارات تلك الضائقة، وحدثت الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة "الملقي"، تلا ذلك على الفور دعوة الملك السعودي لمساعدة "الأشقاء الأردنيين" عبر الثلاثية الخليجية "السعودية الإمارات الكويت". ستكون مكة شاهدة على عملية "بيع الوصاية على القدس" المؤقتة لولي العهد السعودي، ليتبرّع بها لاحقاً للإسرائيليين عربون صداقة ومحبة لهم، وتعميداً من طرفهم واعترافاً به زعيماً للعالم السنّي نكاية بعدوهم اللدود الرئيس التركي "أردوغان".

ما الذي يريده ابن سلمان من كل هذه العملية؟

الجواب متضمن في المادة التاسعة من معاهدة "السلام الأردنية الإسرائيلية "المعروفة بمعاهدة "وادي عربة" 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 بخصوص الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية التي نصّت على أنه:

1- "سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية"

2- وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

3- سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف بناء تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام.

هذا ما يسعى إليه ابن سلمان بالضبط، فتح الطريق لعملية تطبيع واسعة مع إسرائيل، تبدأ بزيارة قوافل من الزائرين للصلاة في المسجد الأقصى، وما يلزمها من العديد من الاتصالات والمعاملات الرسمية لتأمين سفر هؤلاء الزوار، ودخول الأراضي المحتلة، وإقامتهم فيها، سيكون من الضروري لاحقاً فتح قنصليات في البلدين لإتمام هذه المعاملات، لتتوّج في المرحلة النهائية بفتح السفارات، وإقامة العلاقات الدبلوماسية.

بهذا يظنّ ولي العهد السعودي أنه سيصبح الحليف الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى جانب الاحتلال  الإسرائيلي، ويؤمّن حكمه من مخاطر التهديد الإيراني والتركي، كما يؤمن له ذلك بسط سيطرته كإمبراطور صغير في المنطقة.

هل نجح ابن سلمان في شراء الوصاية على القدس من الملك الأردني؟

سيظهر ذلك في الأيام القادمة!