الخميس 2020/10/08

هل تقرر المعارضة السورية التطبيق الأحادي الجانب للقرار 2254؟

قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 واحد من القرارات التي نجت من الفيتو الروسي، وحاز على الإجماع الدولي في التصويت بالموافقة عليه.

في هذا القرار فرضت روسيا إرادتها الدولية على مجلس الأمن عقب شهرين ونيّف من تدخلّها العسكري المباشر في الحرب، وبدء قصفها الوحشي لمدينة حلب، والذي حاول المجتمع الدولي احتواء آثاره الكارثية بالتداعي لعقد مؤتمري فيينا، وهناك أيضاً كان قد واجه تعنّتاً روسياً في البيانين الختاميين الصادرين في فيينا.

الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص السيد دي مستورا والمعارضة السورية فعلت كل ما هو مطلوب منها لتنفيذ هذا القرار، وكان يتوقّع أن تفعل روسيا من جانبها أيضاً ما هو مطلوب منها لتنفيذه.

المعارضة السورية اجتمعت في الرياض قبل أسبوع من صدور هذا القرار حسب توصية بيان فيينا الثاني، وشكّلت هيئة المفاوضات، وضمّت إلى صفوفها لاحقاً منصتي موسكو والقاهرة المشار إليهما في القرار، وبادرت بإرسال وفدها التفاوضي إلى جولة جنيف 3 بعد فترة وجيزة من تشكيلها استجابة لما نصّ عليه القرار في الطلب "إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سورية، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات"

ميزة القرار 2254 أنه أول قرار يضع خطاً زمنياً لعملية سياسية "تقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة" أي عملية سياسية تنتهي حتماً خلال 24 شهراً، ينشأ فيها حكم جديد، ودستور جديد، وانتخابات رئاسية يشارك فيها " جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر" وبذلك تكون البلاد قد وصلت إلى مرحلة الحل السياسي النهائي، التي انخرط فيها جميع الأطراف المتنازعة المحلية والدولية.

لكن ما الذي حدث؟

واظبت المعارضة على المشاركة الجدّية في جميع جولات جنيف التالية، فيما بقي النظام يماطل ويتهرب من استحقاقات هذه المفاوضات، إلى أن عطّلها تماماً بعد جولة جنيف 8 التي أصدر فيها دي مستورا ورقة المبادئ الاثني عشر السورية الحيّة بالمشاركة مع المعارضة فقط.

لم تكتف روسيا بتعطيل مسار جنيف بل فتحت مساراً موازياً في أستانا، ورغم انخراط المعارضة فيه أيضاً والتوصل لبعض الاتفاقات، إلا أن روسيا كانت تخرقها المرة تلو الأخرى، وخصوصاً في مناطق خفض التصعيد، وتتابع قصفها للمدن، والمنشآت المدنية، وتعمل على ترحيل وتهجير السكان من مناطقهم.

بعد ضرب الخط الزمني للقرار 2254 سعت روسيا كذلك لضرب تراتبية الحل فيه متجاوزة هيئة الحكم الانتقالي، وعملت مطلع عام 2018 في سوتشي على البدء بتشكيل اللجنة الدستورية، واعتبار ذلك الخطوة الأولى في تنفيذ القرار 2254، التي تلزم المجتمع الدولي برفع العقوبات عن النظام، وتوجب البدء بدفع الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.

ورغم مضي عامين على اللجنة الدستورية هذه، ومشاركة المعارضة الجدّيّة فيها، إلا أنّ النظام عمل على تعطيلها أيضاً، في خطوات توحي أن المقصود من هذا التعطيل للقرار 2254 وللجنة الدستورية التي هي واحدة من بنوده، هو الوصول لانتخابات عام 2021، وتجديد ولاية بشار الأسد لسبع سنوات أخرى.

المعارضة السورية بين خيارين:

الأول: أن تقف موقف المتفرج الصامت إلى أن ينتهي النظام من انتخابات 2021، ثم قد يعود إلى طاولة المفاوضات، ويعود معها إلى ممارسة المماطلة والتعطيل أملاً في حسم الموقف عسكرياً، أو التوصّل إلى صفقة ما سواء مع تل أبيب، أو بعض الدول العربية المطبّعة والتي ستطبّع معها، وبالتالي يعيد تأهيل نفسه، وتتوقّف مطالبات تغييره.

الثاني: أن تبدأ المعارضة السورية بالتنفيذ الأحادي الجانب للقرار 2254، وتحوّل الحكومة السورية المؤقتة إلى هيئة حكم انتقالية، وتعمل على صياغة دستور جديد للبلاد، وتدعو على أساسه إلى انتخابات رئاسية بإشراف الأمم المتحدة في المناطق التي تسيطر عليها، وتمكّن اللاجئين من المشاركة فيها، وهذا يعني مشاركة أكثر من نصف المواطنين السوريين في هذه الانتخابات، الأمر الذي يعطيها شرعية أكثر من شرعية الانتخابات المزورة التي سيقيمها النظام في مناطق سيطرته.

لا يوجد ما يمنع المعارضة من اتخاذ هذا الخيار، وأن تقدّم فيه مشروعاً يحقق العديد من المصالح للشعب السوري، ولدول الجوار، وللاتحاد الأوربي، وحتى لو لم تحصل في الأمم المتحدة على الاعتراف الكامل بنتائج تتنفيذ القرار 2254، فإن وجود نوع من الاعتراف سيكون كافياً، وسيغيّر معادلة مستقبل المفاوضات مع نظام دمشق.