الجمعة 2019/12/06

ماذا حدث في جلسة مجلس الأمن رقم 8674 حول سوريا؟

جلسة مجلس الأمن رقم 8674 تاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عن الأوضاع في سوريا كانت لافتة للنظر، حيث أظهرت عمق الخلافات الأمريكية الروسية من جانب، والأوربية الروسية من جانب آخر، وستخيّم أجواء هذه الجلسة على الجولة الثانية التي ستنعقد بعد يومين، وسيتّخذ الروس قرار تعطيلها، وترك موعد الجولة الثالثة معلّقاً في مهبّ الريح.

بعد حديث المبعوث الخاص للأمم المتحدة السيد بدرسن عن "لحظة تاريخية" في عقد الجولة الأولى للّجنة الدستورية، كان ردّ السفير الأمريكي "جيفري" صارماً نوعاً ما في التهوين من هذا الإنجاز، ووجوب فهمه بشكله وحجمه الصحيح، وأنّه "يجب أن لا نخطئ بشأن خطوة واحدة، مهما كانت أهميتها".

أراد جيفري تلقين الروس ومن قبلهم نظام الأسد درساً مهماً في السياسة، وأنّه حين يوافقون على الانخراط في عملية سياسية جدّيّة حسب القرارات الأممية، فلا يمكن التراجع عن سياقها، ولا عن نتائجها، ولا التحايل عليها، والحصول على مكاسب جزئية منها، بل يجب أن تكون عملية متكاملة، ولذا بدأ كلامه بالرد على تصريحات الأسد حول التنصّل من الاعتراف الرسمي بوفده الذي يشارك في اللجنة الدستورية بإطلاق اسم الوفد المدعوم من النظام عليه، وبالرفض المسبق لنتائج عمل اللجنة "إذا لم تتفق مع الثوابت الوطنية" حسب تعبيره، وبأن العملية تجري في جنيف جغرافياً فقط، بينما هي سياسياً في أستانا وفي سوتشي.

الرسالة الأولى لجيفري كانت أنّ أهميّة ما حدث في الجولة الأولى تنبع من كونه حدث في جنيف، وليس في أستانا، وأنه حدث عملاً بقرار مجلس الأمن 2254(2015) وليس عملاً بنتائج مؤتمر سوتشي (2018).

الرسالة الثانية: وهي شديدة الأهمية، قال فيها جيفري: "لدينا الآن منبران معترف بهما رسمياً من قبل المجتمع الدولي للتعامل مع سورية والمشاكل المرتبطة بالنزاع السوري - وهما النظام في دمشق ومؤتمر(كونغرس) يضمّ أعضاء من مختلف المشارب السياسية في جنيف. ولا يساورنا شك في أن هذا التوازن، ولا سيما الجزء منه القائم على أساس العمل الذي يمكن القيام به في جنيف، يمكن أن يفتح الباب لمستقبل أفضل بكثير إذا كان المجلس يدعمه بالكامل".

جزء العمل في جنيف حسب ولاية اللجنة في وثيقة القواعد الإجرائية رقم775 /2019/ S  التي وافقت عليها حكومة النظام سيكون "تعديل الدستور الحالي، أو صياغة دستور جديد"، وأن "تتفق اللجنة الدستورية على وسائل الموافقة العمومية، وتضمين الإصلاح الدستوري المقرّ من قبل اللجنة الدستورية في النظام القانوني السوري" هذا يعني كفّ يد نظام دمشق تماماً عن التدخّل في العملية الدستورية برمّتها، ويعطي الصلاحيات الكاملة للجنة في كتابة الدستور، وفي طريقة إقراره بديلاً عن الدستور الحالي.

الرسالة الثالثة لم تكن أقل أهمية عن الثانية حيث أعلن جيفري "استمرار ممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية لا هوادة فيها على دمشق" لأنه لا يمكن تحقيق أي أهداف سياسية بدون هذه الضغوط، كما أعلن "تمسك الولايات المتحدة بموقفها المتمثل في أنه لا يمكن تقديم أي مساعدة لإعادة الإعمار إلى دمشق في المناطق التي تسيطر عليها إلا عندما يتم تنفيذ عملية سياسية ذات مصداقية ولا رجعة فيها،تمشيا مع القرار 2254(2015) وأضاف جيفري "نعتقد أن هذا الموقف يتوافق مع موقف العديد من شركائنا الأوروبيين وشركائنا في الشرق الأوسط، وسنعمل بشكل وثيق معهم لضمان استمرار هذا الضغط" وختم رسالته هنا بالقول " إن أي جهود تبذل لتقديم مساعدة لإعادة الإعمار في هذه اللحظة هي سابقة لأوانها".

الرسالة الرابعة كانت أنه رغم ارتفاع مستوى العنف من طرف النظام والروس،الذي رافق انطلاق اللجنة الدستورية وقصفهم مخيماً مدنياً للنازحين شمال غرب البلاد، فإنه ما من حلٍّ عسكريٍّ، ولا مناص من الرضوخ للحل السياسي، محمّلاً إيّاهم نتائج "الحرب الرهيبة التي شكّلت، ابتداء من استخدام الأسلحة الكيميائية، ونزوح ملايين اللاجئين الذين زعزعوا استقرار مناطق بأكملها، ثم صعود مختلف الجماعات الإرهابية وصولا إلى الذبح الجماعي للمدنيين، وصمة عار في جبين العالم".

المندوب الروسي "بوليانسكي" الذي ترى بلاده أنّ مجرّد إطلاق اللجنة الدستورية يعتبر كافياً لرفع العقوبات الاقتصادية عن النظام، وإعادة تأهيله سياسياً، والبدء بمشاريع إعادة الإعمار، أبدى أسفه على هذا الموقف الأمريكي، وباعتبار أن روسيا ما فتئت تكرر أن اللجنة الدستورية هي من نتائج جهودها، فقد رأت أن الولايات المتحدة تعمل على تخريب اللجنة الدستورية _حسب المفهوم الروسي لها_ ولذا انتقل مندوبها فجأة للحديث عمّا تعتبره روسيا المشروع الأمريكي المقابل لمشروعها في سوريا. فقد أكّد المندوب الروسي على "أنّ حلّ مسألة تطلّعات الأكراد" شمال شرق سوريا، "سيكون مستحيلاً" ما لم تصبح هذه المنطقة خاضعة للنظام، وفي هذا تهديد مبطّن وإشارة إلى استعداد روسيا المضيّ في تخريب "المشروع الأمريكي" إذا لم تستجب الولايات المتحدة لمطالب الروس الثلاثة السابقة، ومن اللافت للنظر هنا أيضاً أن وفد النظام في الجلستين الافتتاحيتين كرر تلك الطلبات كثيراً، وكأنه يريد تثبيتها عبر وعد روسي للنظام بالحصول عليها بمجرد مشاركته في اللجنة الدستورية، ويمكن الاستنتاج هنا أن روسيا أخذت قراراً بتعطيل اللجنة الدستورية عبر جعل هذه الطلبات أساس جدول الأعمال للجولة الثانية مسمّياً إيّاها الركائز الوطنية، رافضاً الدخول في المناقشات الدستورية إلى ما بعد تأييد المعارضة له في طلباته تلك.

مسألة أخيرة وقعت في هذه الجلسة، حين اتهم المندوب الروسي المجتمع الدولي "بدعم الإرهاب" بسبب تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين والنازحين في إدلب، مما اضطر رئيسة مجلس الأمن البريطانية للرد عليه بطريقة غير دبلوماسية في أن الهجمات على الغرب ومحاولات تصويره كجهة تأوي الإرهابيين أو تقف على نحو ما إلى جانبهم ينبغي فعلا أن تتوقف. فالأموال تقدّم على الصعيد الإنساني تحقيقا لغاية مساعدة الأمم المتحدة على إحلال السلام في سوريا، وأنه ولا مبرر للهجمات الموجهة للغرب في القاعة. وأنّه "إذا ما تكرر ذلك خارج القاعة بصفة شخصية، فستتخذ إجراءات قانونية إزاء تلك التصريحات". لأنها "افتراء ومنافية للحقيقة".

هذه الجلسة بلا شك كان لها الأثر الأكبر في تعطيل الجولة الدستورية الثانية التي لم تلتئم حقيقة رغم حضور الوفود الثلاثة، كما أنها منعت المبعوث الخاص من الإعلان عن موعد الجولة الثالثة التي قد لا تأتي قريباً.