الخميس 2019/02/14

لهذه الأسباب لم يعرقل “حزب الله” تشكيل الحكومة اللبنانية

ثالوث الشر في لبنان: نظام الولي الفقيه الإيراني، ونظام الأسد، إضافة إلى "حزب الله" بزعامة حسن نصر الله، وحركة "أمل" التي يقودها نبيه بري، هذا الجناح الشيعي الذي طغى على الساحة اللبنانية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي إلى أن وصل إلى السيطرة شبه المطلقة على مقاليد الحكم في لبنان والتحكم بقرارته السيادية السياسية والعسكرية والاقتصادية. البداية كانت حين وقع لبنان تحت وصاية نظام الأسد الذي كان يحكم لبنان أبّان الحرب الأهلية، وسهّل وصول الحرس الثوري الإيراني لتدريب عناصر حزب الله وحركة أمل، بذريعة مقاومة "الإسرائيلي" وتحرير القدس.

أزمة "حزب الله" المالية:

وكالة رويترز كانت قد قدّرت "ميزانية حزب الله عام 2013 بين 800 مليون إلى مليار دولار، تأتي نسبة 70-90% منها من إيران، والباقي يأتي من شبكات الجريمة المنظّمة التي أنشأها الحزب في بلدان عديدة حول العالم وخصوصاً في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وكما فعل في لبنان أسس حزب الله شراكة قوية مع حكومات هذه البلدان، واليوم نجد شخصاً مثل "طارق العيسمي" الذي يملك علاقات قوية مع حزب الله وإيران في منصب نائب الرئيس الفنزويلي "مادورو"، عمل العيسمي على منح شركات عسكرية إيرانية -مثل شركة بارشين للصناعات الكيماوية الإيرانية التي تصنّفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قائمة العقوبات- مساحات واسعة من الأراضي الفنزويلية لتطوير التجارب الصاروخية. العيسمي متهم من قِبل وزارة الخزانة الأميركية بتبييض الأموال وتهريب المخدرات، وإصدار جوازات سفر لأعضاء الحزب تعتقد الولايات المتحدة أنها استخدمت لدخول أراضيها. كما وضعت وزارة الخزانة الأميركية "أسعد بركات" على قائمة العقوبات بوصفه "الذراع الأيمن لحسن نصر الله في أميركا الجنوبية"، ومتهمة إياه بإدارة شبكة سرية لجمع الأموال لصالح حزب الله عبر تهريب المخدرات والسلع المقرصنة. شبكة حزب الله ضمّت أيضا "نمر زعيتر" الذي ألقي القبض عليه بتهمة تهريب الكوكايين للولايات المتحدة، كما قُبض على شقيق أسعد بركات، "حمزة علي بركات"، بتهمة تأسيس شبكة احتيال وتهريب مخدرات، واعتقل أخيراً "محمود علي بركات" بتهمة تبييض الأموال لصالح الحزب.

على الجانب الآخر كان نبيه برّي "رئيس مجلس النواب اللبناني" هو من يسيطر على تجارة الماس في أفريقيا عن طريق علاقته مع رئيس سيراليون في الثمانينات "سيكا ستيفنز"، إلا أن الحرب الأهلية في سيراليون غيّرت الموازين لصالح "حزب الله"، الذي سيطر على تجارة الماس غير الشرعية في غرب أفريقيا بعد أن أنشأ شركات عبر "قاسم تاج الدين"، احتكرت تجارة الماس في سيراليون وليبيريا وغامبيا والكونغو وأنغولا وجنت أموالاً طائلة استخدمها الحزب في تمويل أنشطته.

لكن مع العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على النظام الإيراني، وسعي الولايات المتحدة لتشديدها اليوم في مؤتمر وارسو الذي يستهدف إيران بشكل رئيسي، إضافة للانقلاب الحاصل الآن في فنزويلا الذي قد يحرم الحزب من كثير موارده المالية، ومع حجم الاستنزاف الضخم الذي لحق بقدرات الحزب العسكرية والمالية بعد سنوات من الحرب في سوريا، فإن الحزب يكاد يصل إلى حافّة الانهيار بحيث يعجز عن الإنفاق على مليشياته وعلى حاضنته الشعبية، ولذا كان لا بد له من إيجاد بدائل سريعة لتدارك هذا الانهيار، وهو ما دفعه للتنازل والقبول بتشكيل حكومة سعد الحريري بعد أن كان نصر الله قد صرّح قبل فترة أنه "طالما لم يتم الوفاء بشروط حزب الله ، فإن تجميع الحكومة قد ينتظر "حتى يوم القيامة".

لماذا تشكيل الحكومة قبل مؤتمر وارسو؟

مؤتمر وارسو للشرق الأوسط، هكذا استقر الاسم أخيراً، لكن حقيقته هو الضغط على إيران وتحجيم نفوذها ودورها في المنطقة، وتشكيل تحالف إقليمي ضدها. الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كان عالياً حول طبيعة العقوبات التي ستفرض على إيران، وتجلّى هذا الخلاف في المستوى المنخفض للمشاركة الأوروبية في المؤتمر، وكان الأوروبيون قد استبقوا المؤتمر بالإعلان عن قناة مالية خاصة لدعم التبادلات التجارية مع طهران، مصممة لتجاوز العقوبات الأمريكية والسماح للشركات الأوروبية بالقيام بأعمال تجارية مع إيران، وكما جاء في الإعلان الأوروبي عنها أنها "ستدعم التجارة الأوروبية المشروعة مع إيران ، مع التركيز في بادئ الأمر على القطاعات الأكثر أهمية للسكان الإيرانيين مثل المستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية والسلع الزراعية الغذائية"، وهنا دفعت إيران حزب الله ليسرع في تشكيل الحكومة اللبنانية لتكون أحد قنوات التبادل التجارية التي يمكن أن تستثمرها إيران تفادي القيود الأمريكية المفروضة عليها.

استباق حرب قادمة مع تل أبيب:

تل أبيب تضرب حزب الله بصورة متكررة في سوريا حيث ينشر أعداداً كبيرة من عناصره وأسلحته، كذلك هو الحال مع القواعد الإيرانية في سوريا، وبحسب المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة فإن احتمال نشوب نزاع على الحدود اللبنانية الفلسطينية صار وارداً، والحزب لا يريد أن يدخل هذه الحرب فيما لو فرضت عليه دون غطاء حكومة ولو صورية في بيروت لئلا يتحمل تكاليف وتبعات هذه الحرب وحده، وتعود أصابع الاتهام لسلاح الحزب، هذا الأمر الذي حاول البيان الوزاري الالتفاف عليه كالعادة.

كيف سيستفيد حزب الله من تشكيل الحكومة اللبنانية؟

كانت الدول الأوربية قد تعهدت بتقديم 11 مليار دولار للبنان في مؤتمر سيدار الذي استضافته فرنسا في نيسان/أبريل 2018، وتساوقاً مع قناة التبادل التجاري الأوروبية السابقة، وقع اختيار حزب الله وحركة أمل على ثلاث وزارات في الحكومة الجديدة لتسند حقائبها إلى وزراء شيعة هم جميل جبق لوزارة الصحة، وعلي حسن خليل للمالية، وأسندت وزارة الزراعة للوزير حسن اللقيس، ومن خلال وزارة الصحة سيتمكن الحزب من توفير الميزانية اللازمة لمعالجة الآلاف من مقاتليه الذين أصيبوا في سوريا والإنفاق على عائلاتهم، أو أولئك الذين سيكونون ضحايا الحرب المحتملة مع تل أبيب، والتغطية على الأرقام الحقيقية لخسائر الحزب باعتبارها وزارة من وزاراته، كذلك ستكون الوزارة ركيزة مهمة في دعم الاقتصاد الإيراني من خلال استيراد الأدوية الإيرانية الصنع، أو تلك التي سيتم السماح لإيران بشرائها من شركات الاتحاد الأوروبي ثم يتم بيعها في الأسواق اللبنانية، وزارة الزراعة ستكون الغطاء الشرعي لزراعة الحشيش الذي يعتبر أحد أعلى مداخيل حزب الله الحالية، وأخيراً فإن وزير الدفاع من التيار العوني حليف حزب الله سيكون أفضل غطاء لصفقات السلاح الإيرانية التي عرضها وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" في تصريحات له أثناء زيارته لبيروت للتهنئة في الحكومة الجديدة، هذه التصريحات التي سبقها خطاب حسن نصر الله في أنه مستعد للحصول على أنظمة دفاع جوي للجيش اللبناني من إيران، لمواجهة الطائرات الإسرائيلية وتأمين "كل ما يريده الجيش اللبناني ليصبح أقوى جيش في المنطقة".

إذن هذه بعض المعطيات التي عجّلت بقرار "تجميع" حكومة لبنانية "صوريّة" يقودها بشكل "صوري" أيضاً سعد الحريري، فيما هي حقيقة وزارة حزب الله التي ستكشف عن وجهها الحقيقي في أول أزمة سيمر بها لبنان قريباً.