الأحد 2019/11/17

لماذا شن الأسد هجوماً على الأكراد في لقائه الأخير؟

لا يوجد في سوريا منطقة كردية، و"هذه المنطقة في الشمال، والشمال الشرقي من سورية، هي منطقة في أغلبيتها عربية، أكثر من سبعين بالمئة من سكانها هم من العرب وليس العكس".

بهذه الطريقة استهلَّ بشار الأسد أجوبته على أسئلة وسائل إعلام روسية حسب النصّ الذي نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" يوم 15/11/2019، تابع الأسد "أن هناك سوء استخدام لهذا المصطلح" و"بتسويق غربي" لكي يعطي الصورة بأن هذه المنطقة هي منطقة كردية، ولكن في الواقع هي "منطقة في أغلبيتها عربية، أكثر من سبعين بالمئة من سكانها هم من العرب وليس العكس". وأضاف أنّ "المجموعات التي تقاتل هناك هي خليط من الأكراد وغيرهم، ولكن الأمريكي قام بدعم المجموعات الكردية وجعل القيادة لها لكي يعطي الصورة بأن هذه المنطقة كردية ولكي يخلق صراعاً مع المجموعات الأخرى في سورية".

انتقل الأسد بعدها لتوصيف المشكلة مع مجموعات كردية "متطرفة بالمعنى السياسي"، "تطرح طروحات أقرب إلى الانفصال، البعض منها يتعلق بالفيدرالية والحكم الذاتي المرتبط بالأكراد"، وأعاد القول: "هذه المنطقة عربية فإذا كان هناك من يريد أن يتحدث عن الفيدرالية فهم العرب لأنهم هم الأغلبية"، وأنّ الوضع في شمال سوريا يختلف "عن شمال العراق ويختلف عن جنوب شرق تركيا، لا توجد أغلبية كردية في هذه المنطقة".

هذا عن الحقوق السياسية، "أما بالنسبة للحقوق الثقافية وغيرها"-حسب قوله- فقد عقد مقارنة بين الأكراد والأرمن الذين " لديهم مدارس ولديهم كنائس ولديهم حقوق ثقافية كاملة" ثم تساءل وأجاب عن السؤال "فلماذا نعطي الحقوق الثقافية لشريحة ولا نعطيها لشريحة أخرى؟ لسبب بسيط لأن هذه المجموعة طرحت طروحات انفصالية ونحن لن نوافق لا اليوم ولا غداً، لا كدولة ولا كشعب، على أي طرح انفصالي. هذه هي المشكلة".

ماذا يريد الأسد من هذا الكلام؟

أولاً: حزب العمال الكردستاني الذي ترعرع في دمشق، وفيها مارس مؤسسه عبد الله أوجلان معظم نشاطاته، كان طيلة وقته ورقة بيد نظام الأسد يستخدمها في الضغط على تركيا في اتفاقيات تقاسم مياه نهر الفرات، ويسهّل له القيام بعمليات إرهابية عبر الحدود في الداخل التركي، ولذا تغاضى النظام، أو قام هو بتسليم العديد من المناطق في الشمال لحزب العمال لهذا التحالف التاريخي بينهما، ولاستخدامه في ضرب الثورة المندلعة ضده عام 2011، وخصوصا الوطنيين الأكراد في عامودا وغيرها، وإلى يومنا هذا يصرّح قادة الحزب أنهم ليسوا في حالة عداء مع النظام، ولم يقاتلوا جيشه أبداً، بل ذهبوا إلى دمشق لعقد صفقة مع النظام حول نوع من الحكم الذاتي لهم في المنطقة، لكن النظام رفض ذلك، وعرض عليهم -مع أنه يعتبر أنهم خانوه- أن يتحولوا إلى مرتزقة ملحقين بجيشه النظامي مثلهم مثل المليشيات الطائفية التي يستخدمها في جرائمه ضد الشعب السوري.

ثانياً: بغضّ النظر عن النسب السكانية، والتركيبة الديموغرافية الحقيقية في المنطقة، فالأسد يريد إثارة نعرة عرقية بين عرب المنطقة وأكرادها، واستمالة العرب إلى جانبه بإظهار نفسه مدافعاً عن حقوقهم، وأنهم أصحاب الحق في اختيار مستقبل منطقتهم، وأنهم هم الجهة الوحيدة المخوّلة التي يمكن الاتفاق معها على إدارة المنطقة، باعتبارهم يمثلون الأغلبية العربية فيها، وليس حزب العمال الكردستاني الذي لا يمثّل حتى الأقلية الكردية.

ثالثاُ: لا يفوّت الأسد فرصة مهما كانت صغيرة لمحاولة تصدير أزمته للخارج، وخصوصاً إذا كان فيها إضرار بتركيا التي يعتبرها "العدو الأول" له الآن، لذا أراد تهييج أكراد تركيا بالإيحاء لهم أنهم أغلبية في جنوب شرق تركيا، وأنّ من حقهم المطالبة بالانفصال عن الدولة التركية، أو المطالبة بحكم ذاتي مثل شمال العراق، وأنه ضمنياً يؤيد ذلك، بينما الأمر مختلف تماماً في سوريا، ولذا نراه يؤيد المظاهرات في لبنان والعراق ويعتبرها حالة وطنية وعفوية وصادقة، بينما أيضاً كان الأمر مختلفا في سوريا، وكانت المظاهرات من أصلها "مؤامرة خارجية" عليه.

إذاً النظام يعلم تماما ضعف قاعدة حزب العمال الشعبية، وضعف قدراته القتالية فيما لو انسحبت القوات الأمريكية، وكلّ ما سبق يفسّر استخفاف النظام بالحزب، وعدم التفاته إلى مطالبه، أو إظهار الاهتمام بالمفاوضة معه، ولذا لن يعطي أكراد سوريا عن طريقه أي حقوق محقّة لا زالوا يطالبون بها منذ عشرات السنين، وقبل تأسيس هذا الحزب، تلك الحقوق المشروعة سواء السياسية أو الثقافية أو الإنسانية، وهو ما سيضيّع تضحيات الأكراد، ويدمّر نضالاتهم ضد النظام الذي سلبهم تلك الحقوق.

الذي ينبعي على أكراد سوريا فعله هو أن يرفضوا أن يتحدث هذا الحزب باسمهم، أو أن ينصّب نفسه مدافعاً عن حقوقهم، وأن يختاروا قيادة سياسية يثقون بها تنضم إلى المعارضة الوطنية في مشروعها النضالي لإزالة حكم عائلة الأسد، والانتقال بالبلاد إلى الدولة الوطنية، التي تمنحهم وتمنح غيرهم من السوريين من دون أي تمييز بينهم، وعلى قدم المساواة، الحقوق الكاملة التي تتمتع بها باقي شعوب العالم.