الأحد 2018/03/18

لا عملية سياسية في سوريا خلال 2018

معظم المعارك المفتوحة في سوريا أوشكت أن تصل إلى نهاياتها، لم يعد هناك الشيء الكثير للقتال عليه، فشمال شرق الفرات تحت سيطرة الولايات المتحدة، وهي تعمل بشكل حثيث على إنشاء "جيش الشمال" المكوّن من "قوات سوريا الديموقراطية" ذات الأغلبية الكردية، وتعمل على زيادة أعداد العناصر العربية من أبناء العشائر فيها، كما إنها في طور تشكيل مجالس سياسية ومدنية لإدارة المنطقة، وبدء عمليات تمويل مشاريع "إعادة الاستقرار" لتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروها طوعياً أو قسرياً، بسبب انتهاكات تنظيم الدولة أولاً، ثم قوات PYD ثانياً أثناء طرد التنظيم منها، وبين هذا وذاك بسبب قصف قوات التحالف الدولي.

شمال غرب الفرات، في مناطق "درع الفرات" و "غصن الزيتون" كذلك تكاد القوات التركية تُحكم السيطرة على عفرين قريباً، ورغم التصريحات التركية في المضي بالعمليات القتالية نحو منبج، وعين العرب، وتل أبيض وغيرها، لطرد قوات PYD منها، إلا أنّ هذا لن يحدث، الأتراك لن يعبروا الفرات شرقاً، ستكون وجهتهم التالية مدينة إدلب لترتيب الإدارة المدنية فيها عوضاً عمّا تقوم به "هيئة تحرير الشام" هناك، هذه الأخيرة التي ستختار غالباً تفكيك نفسها بالكلّية إلى لا شيء -تفعل هذا التنظيمات الإسلامية أحياناً- ، أو القبول بالاندماج في ترتيبات الحكم المحلي المدني مثل باقي فصائل الجيش الحر المنتشرة في المنطقة.

كما في شمال شرق الفرات.. فإن المجالس السياسية والمدنية للإدارة المحلية بإدلب يتسارع تشكيلها، وهي كذلك ستدخل في طور تمويل مشاريع "إعادة الاستقرار" لاستقبال عدد كبير من اللاجئين على الأراضي التركية.

وسط وغرب البلاد، أي دمشق وريفها، والأجزاء المتصلة بها كمحافظة السويداء، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة، ثم حمص وحماة وحلب والمنطقة الساحلية، ستكون روسيا قد عملت على إنهاء العمليات العسكرية الجارية في بعضها الآن، والتي تنهيها كعادتها دائماً باتفاق خروج المسلحين وعائلاتهم إلى الشمال أو إلى الجنوب هذه المرة، بينما يقبل باقي السكان المدنيين باتفاق مصالحة مع النظام بالشروط المذلّة والخالية من الضمانات.

جنوب غرب سوريا، أي المنطقة الحدودية مع إسرائيل، سيتم تنفيذ الاتفاق الثلاثي الروسي الأمريكي الأردني فيها، بحيث تكون منطقة آمنة تتولّى كلّ من إسرائيل والأردن حمايتها، والإشراف على الإدارة المحلية فيها، وستتلقّى المساعدات المالية والإنسانية اللازمة "لإعادة الاستقرار" فيها، لتمكين اللاجئين في مخيم الركبان، والزعتري، والمنتشرين في المدن الأردنية من التوجّه إلى هذه المنطقة، ولو لم تكن هي منطقة سكناهم الأصلية.

عام 2018 ستستمر الحرب فيه، لكن بصورة أهدأ قليلاً من مستويات العنف غير المسبوقة، التي وصفتها الأمم المتحدة بـ "الجحيم على الأرض" لكنه أيضاً سيمضي في رسم خارطتين أساسيتين في سوريا:

الأولى: تثبيت وتأمين خط الحدود الخارجية الشرقية والجنوبية المحاذية للعراق والأردن وإسرائيل. الحدود مع العراق والأردن ستكون تحت حماية أمريكية مشدّدة من القواعد المنتشرة شمال شرق الفرات، والقريبة من الأردن في التنف، هذا ضروري ومطلب إسرائيلي مُلِحٌّ، فمن دونه ستصبح إيران دولة مجاورة لإسرائيل، وستستمر قوافل المليشيات الطائفية الشيعية بالعبور للقتال إلى جانب النظام، وستستمر شحنات الأسلحة بالتدفق إلى حزب الله، ومن المعلوم أن معظم -إن لم يكن كل- الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية كانت لاستهداف هذه الشحنات.

الثانية: تثبيت خطوط تماس مناطق النفوذ الأربع المذكورة سابقاً، والمعارك المفتوحة الآن هي في سبيل رسم الحدود النهائية لها، سيعقب ذلك تراجع في وتيرة القتال ما عدا مناوشات على الجبهات، وهي ليست بحاجة إلى قوات فصل دولية، فالتفاهمات الثنائية بين روسيا وأمريكا، وعبر الدول الضامنة في أستانا كافية لذلك، والدول الحامية لمناطق النفوذ لن تدخل في قتال مباشر لا بين بعضها عند حدوث خلاف مثل بين أمريكا وتركيا في الشمال، ولا بين هذه الدول وقوات النظام، أو روسيا من جانب آخر.

سياسياً ومن آخر محطة فإن اللجنة الدستورية التي أُعلن عنها في سوتشي لن ترى النور، النظام يرفضها جملة وتفصيلاً، وفي مسار أستانا ستكون أول جولة عام 2018 في منتصفه تقريباً.

مسرحية "مناطق خفض التصعيد" سيُسدل الستار على آخر فصولها قريباً، معظم من وقّع عليها وقبل بها من الممثلين "الكومبارس" سيكون قد غادر المسرح، سيستغني عنهم اللاعبون الحقيقيون، وفي جنيف "دي مستورا" يتحضّر لمغادرة منصبه، وبالتالي العملية السياسية والدبلوماسية دخلت في حالة سبات، أو إجازة مؤقتة ريثما ينتهي رسم الخطوط على الأرض.

ما الذي يمكن أن تفعله المعارضة في مناطق النفوذ الثلاث التي ستكون خارج سلطة النظام؟

هي في موقع يشبه موقع النظام بعدم امتلاكها للقرار فيها، مع أفضلية كبيرة للنظام في منطقة النفوذ التي يشارك فيها الروس، فهو يملك أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهو من خلالها سيعمل على محاولة تثبيت نفسه كوريث قانوني للدولة السورية المتفككة، كما ورثت روسيا الاتحاد السوفييتي سابقاً، وسيبقى له حق شغل المقاعد الدولية التي تشغلها الدولة السورية الآن.

مناطق النفوذ إلى درجة ما ستكون مفصولة عن الحكم المركزي في دمشق، تتعامل معه بداية كدولة عدوة، ستكون ذات حكم ذاتي موسع، والمعارضة ليس لديها إلا خيار العمل مع الدول الراعية لمناطق النفوذ، وأن تحوّل هياكل الحكم المحلي المتناثرة الموجودة الآن إلى "منظومة حكم موحَّد"، كلٌّ في حدوده، فحتى مع تلاصق منطقتين جغرافياً كالتي شمال شرق، وشمال غرب البلاد، هما لن تندمجا معاً، تخضعان لراعيين لهما مشروعان متغايران، شمال شرق حكم بهيمنة كردية لا تقبل به تركيا كشريك في منطقة الـ"شمال غرب".

التوصيف القانوني لمناطق النفوذ سيبقى معضلة غير قابلة للحل، فهي لا تشبه شيئاً من نظم الدول، هي فقط "سلطة أمر واقع"، مشاريع إعادة تأهيل هذه المناطق بتمويل دولي يجري الحديث عنه، والولايات المتحدة بدأت بطلب المساعدات من دول الخليج لهذا الأمر، والاتحاد الأوربي سيساهم من جانبه في شمال وجنوب غرب البلاد.

بمثل هذا السيناريو يمكن بعد عدة سنوات أن يجتمع رؤساء أربعة لهذه "المحميّات" لصياغة الاتفاق النهائي للحل السياسي في سوريا.