الأحد 2019/04/07

على الأسد أن يقلق من تصريح روسيا أنّ باب رحيله مغلق!

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتينياهو" لا يزال في موسكو، حين صرّحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" في تعليق لها في إذاعة "صدى موسكو" على موضوع مصير بشار الأسد، أنّ "هذا الأمر ليس موضوعا للتفاوض، ومسألة رحيل الأسد باب مغلق، بل سبق وطوى الجميع هذه الصفحة".

لا شك أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة في الجزائر في الآونة الأخيرة، كانت حاضرة في سؤال وجواب زاخاروفا، وكيف أجبرت حركة الاحتجاج الجزائرية هذه الرئيس "عبد العزيز بو تفليقة" على الاستقالة خلال فترة قصيرة، فيما دخلت الحرب السورية عامها التاسع على التوالي، دون بصيص أمل في حدوث انتقال سياسي رغم كل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، بل ورغم أن موسكو فتحت مساراً خاصاً بها للمفاوضات، إلا أن كل شيء يراوح مكانه في نقطة الصفر.

في جميع دول الربيع العربي شكّل الجيش العلامة الفارقة فيها، تونس ومصر والجزائر: ثلاث دول كان وقوف الجيش فيها على الحياد كافياً للإطاحة بالرئيس، كذلك انقسام الجيش في كل من ليبيا واليمن على نفسه كان عاملا مهما في تسهيل خروج الأمر عن سيطرة الرئيس، وبالتالي الإطاحة به أيضاً من السلطة، وبوادر حدوث مثل أحد الأمرين في السودان واردة بشكل كبير.

وحده الوضع في سوريا كان مختلفاً تماماً، الجيش والأجهزة الأمنية وقفت إلى جانب النظام منذ اللحظة الأولى واستخدمت العنف المفرط ضد المحتجين السلميين، إلى أن وصل إلى قصف المدن وتدميرها بالبراميل المتفجرة، ثم اجتياحها والتهجير القسري للملايين من أهلهاـ وقتل واعتقال مئات الآلاف، والتسبب بأكبر موجة لجوء في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، الوضع المختلف في سوريا يعزوه الكثيرون لاختلاف طبيعة الجيش والأجهزة الأمنية عن مثيلاتها في الدول الأخرى من حيث الصبغة الطائفية للقيادات الرئيسية التي تتحكّم في قراراتها، علاوة على وجود وحدات عسكرية وأمنية خاصة غير خاضعة بالكلية للمؤسسة، وتتلقى أوامرها مباشرة من العائلة الحاكمة.

نظام الأسد يعلم أن شهية المجتمع الدولي لتكرار واحد من السيناريوهات العربية مثل الجزائر ارتفعت بشكل كبير يوازي الرغبة في حل مشكلة اللاجئين وإعادتهم إلى بلدهم الأم، عقب إعلان الولايات المتحدة القضاء على تنظيم الدولة شرق الفرات، وأن حبل إنقاذه مربوط في ثلاث عواصم هي واشنطن وموسكو وتل أبيب، وأن الكلام الفصل في النهاية هو لهذه الأخيرة التي رأت الفرصة سانحة لتصفية بعض أمورها العالقة في سوريا قبيل حدوث تغيّر ما قادم هناك.

بدأت تل أبيب عبر واشنطن بإعلان سيادتها النهائية على الجولان المحتل، وهي المشكلة المترافقة مع وجود آل الأسد في السلطة منذ عهد الأسد وزيراً للدفاع ثم رئيساً للنظام، ثم توريثه للحكم، الفترة الممتدة على ما يزيد على خمسين سنة، حافظت في معظمها تل أبيب على هدوء واستقرار حدودها.

وعبر موسكو ومن خلال الزيارات المتكررة لنتنياهو للقاء بوتين استطاعت تل أبيب الحصول على ضوء أخضر لفتح الأجواء السورية أمام الغارات الإسرائيلية على مواقع وقواعد ومصانع النظام الإيراني، وتشير المعلومات عن الزيارة الأخيرة إلى السماح لتل أبيب بالبقاء لفترة أطول في الأجواء السورية لتتمكن من الوصول إلى محيط مدينة حلب حيث نقلت إيران معظم قواتها تفادياً لقوة الضربات الإسرائيلية التي كانت تجري في محيط مدينة دمشق.

كذلك ومن موسكو تم الإعلان عن استعادة رفات جندي إسرائيلي في احتفالية أحرجت نظام الأسد كثيراً، ففيم تحدث بوتين عن "إنه كان في عداد المفقودين" وأنّ "العسكريين الروس حدّدوا بالتعاون مع العسكريين السوريين مكان دفنه" وأنّه يسرّ روسيا "أنه سيكون بإمكان إسرائيل تكريمه عسكرياً"، وبلغ الإحراج حدّاً دعا وزير إعلام النظام إلى تكذيب بوتين علناً والادّعاء "أنه لا علم لسورية بقضية رفات الجندي الإسرائيلي على الإطلاق ولا بتفاصيل العثور عليها ولا حتى التسليم"، بل "أعرب عن اعتقاده بأن العملية برمتها تمت بين “إسرائيل” والمجموعات الإرهابية المسلحة" وأنّ "ما جرى هو دليل جديد يؤكد تعاون المجموعات الإرهابية مع الموساد".

بالطبع النظام فعل ذلك، أو جزء منه على الأقل، وسيصل الأمر إلى نقل رفات الجاسوس الشهير "كوهين" لكن ماذا نفهم من سلسلة هذه الأحداث؟

لم يعد استمرار اللعبة السياسية في سوريا على قواعدها الحالية ممكناً، فتل أبيب بعد أن نالت القرار الأمريكي بالسيادة على الجولان لم تعد متمسّكة بعائلة الأسد التي منحتها الجولان ابتداءً، وكانت حارساً أميناً لتل أبيب من أي عمل يحتمل أن تقوم به قوى وطنية سورية لاستعادة الجولان، أو تقديم مساعدة حقيقية للمقاومة الفلسطينية، فالوضع في سوريا تغيّر، وسقط معه شعار "بقاء الأسد إلى الأبد"، وجاءت النقلة الجزائرية لتكون مبرراً في هذه المرحلة لطرق أبواب موسكو من جديد ومساومتها على اتخاذ عملاء روسيا في "الجيش السوري" خطوة مباشرة لإقالة الأسد من منصبه، ولو تطلّب الأمر تغليفها بمشروعية دستورية، وهو ما يفسّر عملية تسريع تشكيل اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي الذي رعته موسكو.

إذن تصريحات "زاخاروفا" تصبّ في منحيين اثنين: الأول منهما تهدئة مخاوف كل من الأسد وداعميه الإيرانيين الذين يراقبون تحركات نتنياهو وترامب بقلق بالغ، فالنهاية الوخيمة لعائلة الأسد باتت قريبة، وهو ما يعني ضرورةً تحجيم نفوذ إيران في المنطقة، والمنحى الثاني في الإعلان عن الباب المغلق لرحيل الأسد هو فتح الباب على مصراعيه لمساومة روسيا حول الثمن الذي ستبيع به الأسد كما يحدث في كل مكان في العالم حين فتح سوق بيع الديكتاتور.

بدء الحديث عن شخصيات مرشحة كبدائل لرأس النظام، أو أخرى عسكرية وأمنية لشغل منصب "نائب الرئيس" يعتبر مؤشراً يساعد في فهم طبيعة التصريحات الروسية، لأن أخذها على ظاهرها لا يتناسب أبداً مع السياقات السياسية الجارية، ولعلّ النظام هو أكثر الجهات قلقاً اليوم من هذه التصريحات.