الأربعاء 2018/02/28

رداً على فورد: الغوطة الشرقية لن تسقط


مركز الجسر للدراسات


كان متوقعاً أن يميل كثير من المحللين السياسيين مقارنة بين ما حدث في حلب الشرقية، وبين ما يحدث الآن في الغوطة الشرقية بريف العاصمة السورية دمشق، ثم يذهب ليستنتج أن مصير الغوطة، سيكون كمصير من سبقها من المدن والبلدات التي حوصرت، ثم إنها لم تستسلم، واستمرت في المقاومة، لكنها في النهاية سقطت بيد النظام.

لكن أن يصدر هذا عن سياسي ودبلوماسي مخضرم مثل السفير الأمريكي السابق في سوريا "روبرت فورد" فشيء يحتاج إلى تأمل، هل هو ما يراه كتحليل سياسي له، أم إنه يمرر نقدية لحكومة بلاده كما دأب منذ فترة على انتهاج ذلك؟ أم هو يمرر رسالة لجيش الإسلام وفيلق الرحمن أن يتبعا تكتيكاً مغايراً لما فعلته الفصائل المدافعة عن حمص وشرقي حلب؟ قد يكون ذلك؟ لكن هل أراد فورد أن يمرر رسالة مضللة عمداً يوقع بها بين النظام والروس والإيرانيين بسبب الغوطة؟

لننظر في هذه الجزئية، فورد أدخل في تحليله مقدمة خاطئة واضحة، هي التالية: "ربما لا تتفق روسيا وإيران على كل شيء فيما يتعلق بسوريا، لكنهما تتفقان على أن الأسد ونظامه يجب أن يبقيا، وأن دولاً أجنبية يجب ألا تتدخل أبداً لدعم حركات الاعتراض الشعبية التي تحاول إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. ولن تمارس روسيا أي ضغوط على إيران أو سوريا عندما تقْدم دمشق وطهران على خطوات تعتقدان أنها حيوية لضمان «بقاء الدولة السورية»".

الجملة الثانية صحيحة، لكنها لا تقتصر على الروس والإيرانيين، فكثير من دول العالم اليوم، وخصوصاُ الدول العربية، لا ترغب "بدعم حركات الاعتراض الشعبية التي تحاول إسقاط الأنظمة الديكتاتورية"، وتريد أن يقف الربيع العربي في سوريا، وألا يمتد إلى ما سواها.

في الجملة الأولى: نعم روسيا وإيران تتفقان على أن نظام الأسد يجب أن يبقى، لكنهما اليوم على مفترق طرق في مصير الأسد بالذات، إيران تريد بقاءه، لكن روسيا قطعت شوطاً في سوتشي نحو استبداله، فاللجنة الدستورية التي أقر تشكيلها المؤتمر، وأوكل أمرها للأمم المتحدة لمنحها الشرعية الدولية، ستعمل على صياغة دستور جديد للبلاد يطيح ببشار في أول انتخابات قادمة، أو يمنعه من الترشح كما تسعى إليه المعارضة، أو تلغي النظام الرئاسي بالكلية، وتحوّله إلى نظام حكم آخر تجعل من الرئيس شخصاً محدود الصلاحيات، بحيث لا تعود سوريا إلى حالة الدكتاتورية التي كرّسها آل الأسد.

الجملة الثالثة هي الرسالة التي يريدها فورد من كل مقاله، ما ذا لو تعاكس الروس هنا مع النظام والإيرانيين؟

روسيا تريد عودة الاستقرار إلى سوريا، والحفاظ على مؤسسات الدولة والجيش من الانهيار، فيما إيران تريد الفوضى وانهيار مؤسسات الدولة والجيش لتسيطر على البلاد سيطرة تامة كما فعلت في العراق.

الخارطة الجغرافية في سوريا الآن موزّعة، فشمال شرق البلاد بكامله خاضع لسيطرة القوات الأمريكية، والمليشيات الكردية، وجنوب غرب البلاد أيضاً يتبع للأمريكيين بالاتفاق الموقع مع الروس هناك، في الشمال تنتشر القوات التركية في مناطق درع الفرات، وهي تتوسع حاليا لتشمل عفرين ومنبج، وقد تشمل إدلب مستقبلاً، وسط البلاد وغربها الأمور مستقرة للروس ولقوات النظام، وإيران تريد الاستئثار بمحيط العاصمة دمشق. هذا هو هدفها الاستراتيجي في سوريا، والغوطة مساحات شاسعة واستراتيجية، وهي الحلقة المفقودة في سوار العاصمة، وإيران تريد احتلاله لتطويق العاصمة، فهي لا يمكنها المنافسة في مكان آخر.

روسيا غير المنتشرة برياً بالكثافة الإيرانية لن تسمح بهذا، واتفاقاتها مع إسرائيل بعدم السماح لإيران من تهديدها، سيجعلها تمنع إيران من احتلال الغوطة فهذا مقدمة لعملية تغيير ديموغرافي كبيرة، وخلق حالة شبيهة بحزب الله في لبنان الذي سيطر على الدولة اللبنانية بكاملها من خلال هكذا انتشار.

من جهة ثانية فإن استعادة النظام الغوطة قد تجعله يتوقف عن الانخراط في العملية السياسية التفاوضية في جنيف أو في سوتشي إن تحوّل إلى مسار تفاوضي، فتأمينه لمحيط العاصمة وصولاً للمناطق الساحلية، ستكون كافية بالنسبة له، فلا يزال الحل العسكري هو الحل الوحيد الذي يراه، ويعلم جيداً أن إجبار الروس له بقبول اللجنة الدستورية وإدخال إصلاحات على نظام الحكم، كفيل بالقضاء عليه.

إذن روسيا ستضغط وبكل قوة على كل من النظام وإيران، فهي لها عملاؤها حتى بين كبار ضباط النظام، والصراع سيشتد ولعل مقدماته بدأت تظهر للعيان في كمية القتل الذي يحدث في صفوف العناصر التي تهاجم الغوطة وسط اتهامات متبادلة بعدم تأمين الحماية والتغطية اللازمة لهم من طرف فرق وألوية ولاؤها للروس أكثر منه للنظام.

هذه النقاط الفارقة للغوطة عن حلب وغيرها من المناطق التي سقطت بيد النظام، ستدفع بالروس قبل غيرهم للحفاظ عليها بوضعها الحالي، أو ضمن هدنة تتوقف فيها الفصائل عن تهديد مدينة دمشق، وتدخل لاحقاً في العملية السياسية.