الأحد 2020/06/07

بين “قانون قيصر” وقرارات مجلس الأمن.. الأمور لا تتشابه أبداً

حين ظهرت الصور المسرّبة عن ضحايا التعذيب في سجون نظام الأسد، والتي عُرفت لاحقاً بملف "قيصر"، كانت الأمم المتحدة في طور بدء أول عملية تفاوض سياسية بين النظام والمعارضة في جنيف، وكان يُتوقع على الأقل أن يكون لهذه الصور صدى ووقع على هذه المفاوضات بحيث تضعف موقف النظام الرافض لأي حل سياسي.

"ملف قيصر" لم يذهب إلى مجلس الأمن بعدها، لم يكن هناك من أمل في أن يُدان نظام الأسد بسبب هذا الملفّ، كان قد سبقه فشل ذريع لمجلس الأمن في إدانة النظام في مجازر عديدة ارتكبها، ووصل بها إلى حدّ استخدام الأسلحة الكيماوية المحرَّمة دولياً، والتي تسبّبت بأكثر من عملية إبادة جماعية بحق الشعب السوري.

قبل ملف "قيصر" كان الفيتو الروسي قد رُفع ثلاث مرات في وجه مجلس الأمن ضد قرارات "خجولة" تطالب النظام بالالتزام بالنقاط الستّ لكوفي عنان، وبيان جنيف، وتلوّح بعقوبات "لم تأتِ" إن هو كرر استخدام الكيماوي.

كان الأمر في مجلس الأمن شبه ميؤوس منه يوم ذاك، وهو ما ثبت صحته لاحقاً بـ 14 فيتو روسي توالت على مدار عدة سنوات لحماية نظام الأسد.

في جلسة الفيتو الرابع بتاريخ 22 أيار/مايو 2014 تحدثت السفيرة الأمريكية "باور" لأول مرة عن الصور المسربة، وسردت معها عدداً من جرائم النظام الأخرى بقولها: "في 15 نيسان/أبريل، أحيط أعضاء المجلس علماً بشأن تقرير اشتمل على 55000 صورة بشعة لجثامين قتلى سوريين تحمل آثار الهُزال والتعذيب، وخلص محامون دوليون مرموقون عالمياً إلى أنه جرى القضاء على هؤلاء بشكل ممنهج بواسطة آلة قتل حكومية، وذكر أن تلك الصور الفوتوغرافية قدمها شخص يلقب بقيصر عمل لمدة 13 عاماً في الشرطة العسكرية السورية، وقال إنه عندما بدأ القتال، تلقى تعليمات بتسجيل صور من قامت قوات الأمن السورية بتجويعهم وضربهم وتعذيبهم وإعدامهم. كانت تلك الصور صادمة ومرعبة، حتى وإن كان بعضنا يتساءل عما إذا كان لا يزال هناك ما يصدمنا من أفعال النظام. فالجنود السوريون أجبروا الأطباء بالفعل على عدم رعاية الجرحى وانتزعوا المرضى من أسرّة المستشفيات وحاصروا أحياء بأكملها، وقطعوا وصول الإمدادات التي تشتد إليها الحاجة ونفذوا هجمات بالأسلحة الكيميائية وشنوا الهجمات بالبراميل المتفجرة، بثقة كاملة في أنه سيتم عرقلة أي عمل ذي قيمة من قبل المجلس".

وصولاً إلى آخر القرارات الأساسية للحل السياسية في سوريا، القرار 2254 عام 2015 الذي دعا لإقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، ولصياغة دستور جديد، ولانتخابات حرة ونزيهة في البلاد، إلا أن جميع قرارات مجلس الأمن بقيت حبراً على ورق، حتى القرارات المتعلقة بالمساعدات الإنسانية كان للنظام القدرة الكبيرة على التلاعب بها وتعطيلها، كما فعل بجولات جنيف التسع التي انتهت باستقالة المبعوث الأممي الثالث إلى سوريا "دي ميستورا".

وكنوع من الالتفاف على قرارات مجلس الأمن فتحت روسيا مسار أستانا الثلاثي الذي ضمّ إلى جانبها كلاً من تركيا وإيران، إلا أنها فشلت في فرض الانتصار العسكري الذي تطلّع إليه الرئيس الروسي بوتين، الذي فشل هو الآخر في تحقيق مكاسب سياسية عبر هذا المسار، لم تقبل مجموعة الدول المصغرة التي تترأسها الولايات المتحدة، بهذا ولا ذاك، وانهارت اتفاقات هذا المسار في مناطق خفض التصعيد واحدة تلو الأخرى، والحرب في إدلب منطقة خفض التصعيد الأخيرة تلوح في الأفق.

وبالرغم من قبول مجلس الأمن بإطلاق أعمال اللجنة الدستورية، واعتبارها أول تطبيق لواحد من بنود بياناته وقراراته المتناثرة على مدى عقد من الزمن، إلا أن نظام الأسد تعامل مع هذه اللجنة أيضاً بدرجة عالية من اللامبالاة، جعل جلستها الأولى واحدة من مسرحياته الهزلية الممقوتة، وعطّل الثانية تماماً، والمبعوث الرابع "بيدرسن" ينتظر تهيئة الأجواء لعقد جولة لم يتحدد موعدها بعد، وتتالى في مجلس الأمن الطلب من "بيدرسن" عرض حقيقة موقف النظام من هذه اللجنة، والاعتراف بفشلها، وعدم الانتظار لسنوات عديدة كما حدث في جولات جنيف.

إذن هذه "الطرق المسدودة" كان لا بدّ من إجراء ما يفتح فيها ثغرة توقف هذا التلاعب والاستهزاء بالمجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن، وتدفع النظام وداعميه للانخراط في عملية سياسية جدّية، وهو ما لا يمكن أن يتمّ عبر مجلس الأمن حيث الفيتو الروسي يتربّص بأي إجراء محتمل، لذا عمدت الولايات المتحدة إلى إصدار "قانون قيصر لحماية الشعب السوري" تذكيراً للعالم بجرائم نظام الأسد، وأنه حان الأوان لوقفها ودفعه للرضوخ لقرارات مجلس الأمن ، والدخول في عملية انتقال سياسي حقيقي في البلاد.

ليس من فيتو روسي يوقف قانون قيصر، وهنا يكمن الفرق الجوهري، ومع تجديد العقوبات الأوربية فالنظام في مأزق ووضع غير مسبوق، ورياح ما قبل تطبيق القانون تعصف بالنظام، وعلى خلاف ما تروّج له بعض الأقلام الآن أن النظام لن يتأثر، وأن الشعب السوري وحده هو من سيدفع الثمن، فالحقيقة ليست كذلك، النظام الآن في حالة شبه ميؤوس منها هذه المرة.

ليصلك كل جديد.. الاشتراك بتلغرام قناة الجسر https://t.me/aljisr