الأحد 2020/03/29

المكالمة الإماراتية للأسد… تطبيع أم تحذير أخير قبل السقوط؟

الملخّص: إنّ استمرار جلوس نظام الأسد "خلف لوحة تحمل اسم سورية، مجرد تشويه سياسي" و "إنّ مجرّد وجوده في القاعة إهانة لملايين السوريين" وإنّه "يجب استمرار عزله "دبلوماسياً واقتصادياً"، وإنّه "قد بات منبوذاً" وإنّه "حكومة همجيّة" تدّعي ممارسة السلطة على شعب يستحق الأفضل..

هذا كله كان في جلسة واحدة من جلسات مجلس الأمن الشهر الماضي، والنظام في خطر أن يفقد انفراده بتمثيل مقعد سوريا في مجلس الأمن لصالح مشاركة المعارضة فيه، وهذا يفسّر نوعاً ما الاتصال الإماراتي بنظام الأسد لنقل رسالة دولية تحذيرية، وليس في سياق التطبيع معه أو إعادته لمقعد الجامعة العربية الذي لا يعني الشيء الكثير ليستفيد منه النظام سياسياً.

مع بدء أزمة فيروس كورونا، ثمّ تكشّف الآثار الكارثيّة التي يمكن أن تنتج عنها، وخاصة بعد أن صارت القارّة الأوروبية بؤرة للمرض بعد الصين، وصولاً لأعلى معدلات الوباء في الولايات المتحدة، وتفشّيه الآن في جميع دول العالم تقريباً، كان المتوقّع أن تصبّ الحكومات والأنظمة همّها الأكبر على احتواء هذا الوباء، وتقليل الإصابة به، والاهتمام بتقديم الرعاية الصحية لمواطنيها، وتوجيه الموارد الاقتصادية والمالية نحو استقرار الأمن الغذائي والمجتمعي، ومنع انتشار الفوضى والنزاعات الداخلية بسبب القصور الذي يمكن أن تقع فيه الحكومات، ومؤسساتها الطبية.

على شاكلة نظام كوريا الشمالية في تجاربه الصاروخية، ظنّ نظام الأسد انشغال العالم بفيروس كورونا فرصة سانحة لشنّ هجوم دموي جديد على الشمال، وخلق أزمة لاجئين لابتزاز المجتمع الدولي، لكنّ التدخّل التركي الحازم الذي وجد دعماً دولياً كبيراً أفشل هذا المخطط، حيث قالت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن: "تؤيّد الولايات المتحدة المصلحة المشروعة لحليفتنا في حلف شمال الأطلسي تركيا، التي فعلت أكثر من أي بلد آخر لمساعدة اللاجئين السوريين، ونتفهّم قلقها إزاء ازدياد تدفقات اللاجئين نتيجة لاستمرار الأعمال العدائية، ونرفض رفضاً قاطعاً بيانات المسؤولين الروس في موسكو التي يلومون فيها تركيا كذباً على تصعيد العنف في شمال غرب سوريا، وما من شك في أن نظام الأسد وروسيا -وليس تركيا-  مسؤولان عن تدبير هذا الهجوم وتنفيذه".

تصرّف النظام الأرعن في وقت تجتاح فيه العالم كارثة وبائية تهدد حياة ملايين أو عشرات ملايين البشر، جعل الدول الأعضاء في مجلس الأمن يفقدون صبرهم حياله، ويعيدون النظر في السماح باستمرار وجود مثل هكذا نظام، وما يمكن أن يشكّله من تهديد للأمن والسلم الدوليين هذه المرّة، لمحاولة استغلاله ورقة الوباء ليستعيد بها شرعيته، ورفع العقوبات عنه، والاعتراف الدولي الكامل به.

هذه النقطة كانت واضحة في ذهن المتحدّثين في مجلس الأمن في أواخر جلساته، ولذا ركّزوا عليها في أكثر من مداخلة، في توصيف نظام الأسد، وفي تحميله المسؤولية، وفي تصعيد العقوبات ضده، وأخيراً في التشكيك بشرعيته، وقابلة نزع هذه الشرعية عنه.

مندوبة الولايات المتحدة قالت "إنّ أهالي إدلب يستحقّون معاملة أفضل ممن يدّعون أنهم يمارسون السلطة عليها، لكنني أريد أن أطلب منهم ألا يفقدوا الأمل - ليس بعد. وفي الأيام المقبلة، لن تدخر الولايات المتحدة أي جهد، بما في ذلك بالعمل مع الحلفاء، لعزل نظام الأسد دبلوماسيا واقتصاديا ولتقديم الإغاثة والموارد".

تبعتها المندوبة البريطانية بالقول: "أشارك الآخرين في دعوة روسيا إلى إنهاء دعمها لهذه الحملة القاتلة، وللحكومة السورية الهمجية".

واشتكى الروس من تصعيد العقوبات الاقتصادية عبر" اجتماعات “صيغة آريا”  التي توسّع وتعزّز نظام الجزاءات إلى جانب "قانون قيصر" وعقوبات الاتحاد الأوروبي.

التشكيك بشرعية النظام على مقعده في مجلس الأمن جاءت بداية من سفير أستونيا الذي قال" إنّ سورية ليست القصر الرئاسي في دمشق وحسب ولكنها أيضا الآلاف من الخيام التي تؤوي الناس العاديين في إدلب، ولذلك فإننا نأمل أيضاً أن نستمع إلى جانب ممثلي النظام السوري، إلى أصوات الأطراف السورية الأخرى هنا في المجلس بصورة أكثر تواتراً، وسنعمل عن كثب مع أعضاء المجلس لتحقيق ذلك الهدف".

فتح كلام السفير الأستوني حول أحقّية هؤلاء السوريين في وجود ممثل يتحدث باسمهم في مجلس الأمن، الطريق للسفير التركي ليقول: "اليوم توفّر تركيا الرعاية والحماية لأكثر من 9 ملايين سوري في تركيا وسوريا. وأودّ أن أشدد على أن هذا العدد يزيد على سكّان ما يسمى بالمناطق التي يسيطر عليها النظام".

تابع السفير التركي موجها خطابه لممثل نظام الأسد: أن "يد نظامه ملطخة بدماء الأبرياء، وقد فقد شرعيته منذ وقت طويل. ومجرد وجوده في هذه القاعة إهانة لملايين السوريين الذين تعرّضوا لجرائم لا حصر لها على أيدي هذا النظام"، وختم بعد سجال مع ممثل النظام: "سأؤكّد مرّة أخرى أن المتكلّم السابق لا يمثل السوريين. فهو لا يمثّل سوى نظام دموي يشن حرباً على شعبه. إنهم لا يستحقون أن يجلسوا خلف لوحة تحمل اسم سوريا في هذه القاعة. إن استمرار وجودهم خلف لوحة تحمل اسم سوريا مجرد تشويه سياسي. وهو لا يجعلهم ممثلين شرعيين للشعب السوري. وكما قلت فإن عدد السوريين الذين نشملهم برعايتنا أكبر ممن هم في رعايتهم".

بالطبع مثل تركيا هناك عدد من دول العالم مثل الأردن ولبنان وألمانيا وغيرها، من التي تؤوي أعداداً كبيرة من السوريين وتستطيع أن تقول قولاً قريباً من هذا القول، وكيلا تطالب مثلها بالحديث عن السوريين في مجلس الأمن، فالسبيل الأمثل هو دعوة ممثل فعلي عن هؤلاء السوريين يجلس إلى جانب ممثل النظام، وينقل الحقائق بدل التزوير الذي يمارسه النظام والروس هناك.

تالياً النظام لم يستجب لنداء الأمين العام للأمم المتحدة في وقف إطلاق نار شامل، لإعطاء الفرصة للتعامل مع داعيات وباء كورونا، ولا لبيان المبعوث الخاص رغم أنه حمل في طيّاته نيّة الاعتراف بسلطات أمر واقع للمعارضة خارج مناطق سيطرة النظام، يمكن للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة العمل معها بشكل مباشر، بعد استمرار نظام دمشق في عرقلة جهود منظمة الصحة الدولية للتدخّل الطبي في الشمال، بل وصل تعنّت النظام إلى اتهام الأمم المتحدة بنقل وتمرير معدّات لمن وصفهم "بالإرهابيين" في مخيم الركبان تحت ستار المساعدات الإنسانية والطبية لمواجهة تفشّي كورونا.

الاتصال الإماراتي جاء بعد تقرير نشره موقع "فورين بوليسي" بعنوان "انتقام سوريا من العالم سيكون على شكل موجة ثانية من فيروس كورونا" وذكر فيه أنّه "مع عدم وجود قادة بين اللاجئين ، من المرجح أن يقف الرؤساء والملوك ورؤساء الوزراء والجنرالات في جميع أنحاء العالم جانباً - كما فعلوا طوال فترة انزلاق سوريا إلى العنف – ويشاهدوا انفجار الفيروس في جميع أنحاء إدلب وفي نهاية المطاف في بلدانهم. نتيجة لهذا التقاعس، سوف يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن الوفيات في سوريا والشرق الأوسط وأوروبا التي لم يكن من الضروري أن تحدث".

مثل هذا الاتصال الإماراتي، كان يحدث سابقاً عبر الوسيط العماني، لكن قد يكون السلطان الجديد لعمان غير راغب في أداء هذا الدور، أو يريد تأخيره قليلاً، لذا كان لا بدّ من تكليف الإمارات به، فنظام الأسد لا يعتبر الإمارات عدوّاً له مثل السعودية أو قطر، وهي تتمتع بمكانة أكبر من البحرين.

بلا شكّ الاتصال ليس نوعاً من التطبيع، فهذا الباب أغلقته الولايات المتحدة قبل مدة، وأغلقت معه إمكانية عودة عمل السفارة الإماراتية بدمشق، لكنّه فقط رسالة للنظام تحمل فيما تحمل ضرورة وقف العمليات العسكرية في إدلب، وضرورة التعاون مع الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لاحتواء انتشار وباء كورونا، إضافة لفكّ الارتباط بإيران و"حزب الله".

النظام سيستجيب لهذه الرسالة "طوعاً أو كرهاً"، فقط كعادته سيحاول انتهاز الموضوع ليظهر انتصاراً ما أمام مواليه، ويحصل على رفع ولو جزئي "للعقوبات المالية" عن رموزه، فالحقيقة أنّ العقوبات الاقتصادية لا تشمل المواد الغذائية والطبية التي تمسّ حياة المواطنين، والتي يتلاعب النظام بها ليحمّل المجتمع الدولي فشله هو في إدارة البلاد، وتبديد مواردها على حربه العبثية للحفاظ على السلطة أطول فترة ممكنة.