الثلاثاء 2017/08/29

المفارقة الأغرب في جولات جنيف السبع ..نظام الأسد يقدم “ورقة يتيمة” منذ بدء المفاوضات ! (صور)

دأبت المعارضة السورية بكل صنوفها السياسية والعسكرية والمدنية، وبمكوناتها العرقية، وأطيافها الدينية والمذهبية، على تقديم رؤى سياسية لها خلال سنوات الثورة الماضية.

فمن وثائق المجلس الوطني السوري، إلى مؤتمر المعارضة في القاهرة ووثيقة العهد الوطني، إلى وثائق الائتلاف، ثم هيئة المفاوضات، مروراً بوثائق المجلس الوطني الكردي، والتركماني، والإيزيدي، والشركسي القفقاسي، والمنظمة الآشورية، وهيئة التنسيق، ومنصات القاهرة وموسكو وأستانا وحميميم، والمنصة السورية المدنية، والتنسيقيات المحلية، ومبادئ المجلس الإسلامي، ومواثيق الشرف للفصائل العسكرية والهيئات الثورية، وإعلانات تأسيس الأحزاب والتيارات والحركات والمجالس القبلية والعشائرية والمناطقية، أمر يكاد يصعب حصره، وهو يبلغ المئات في أقل تقدير.

كما دأبت المعارضة بنفس الوتيرة على تطوير وتغيير الرؤى السياسية لها لأسباب عديدة يمكن تلخيصها بثلاثة رئيسية:

1- استجابة للضغوط الدولية عليها من قبل الدول الداعمة والراعية لها.

2- خضوعاً لسير الأعمال العسكرية التي تجري على الأرض.

3- تقديم أوراقها ابتداء كطرف يمكن الاعتماد عليه بديلاً عن أطراف أخرى متشددة سياسياً بنظر المجتمع الدولي.

كانت هذه الأوراق تستهلك الوقت والجهد الكبير، وتسبب الخلافات والانشقاقات داخل الجسم السياسي الواحد، وتزداد الخلافات والانشقاقات في مؤتمرات المعارضة عند اجتماعها مع بعضها، وخصوصاً تلك التي نالت اعترافاً دولياً بتمثيل الشعب السوري في مفاوضات جنيف.

جولات جنيف جميعها، ومؤتمر الرياض الأخير لم تستطع حسم هذه الخلافات، إن لم نقل إنها عمّقتها أكثر، وجعلت المعارضات أشد تشبثاً بمواقفها في القضايا الحساسة الكبرى مثل مصير الأسد والأجهزة الأمنية والعسكري، وشكل الحكم والدستور.

من جنيف 3 إلى جنيف 7 ومنصات المعارضة في مفاوضات بينية حول وثائقها السياسية، وأحقية تمثيلها، وهي في كل ذلك وبدفع من الوسيط الأممي، والدول الداعمة لها تقدم الورقة تلو الأخرى، وكل ورقة تتضمن تنازلاً بطريقة ما، لإثبات حسن نواياها، وحسن انخراطها في العملية التفاوضية، وقس على ذلك الفصائل المسلحة في جولات أستانا.

توالت النصائح للمعارضة ألا ترتكب هذه الأخطاء الفادحة، وأن تكتفي بتقديم أوراق بمبادئ عامة تتضمن سقوفها التفاوضية العالية، تاركة التفاصيل والتنازلات المقبولة لمجريات العملية التفاوضية عند بدئها بصورة جدّية، لكنها لم ترعوِ فالكل يريد حجز مكان في المقدمة، إن لم يكن يريد التفرد بالصف الأول.

وصل الأمر ببعض أعضاء المنصات والوفود المفاوضة إلى حد الإسفاف، والإذلال لينال الحظوة عند دي مستورا، أو بعض صغار موظفي السفارات، وأجهزة الأمن العربية والغربية، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والثوابت الوطنية، بل وعلى حساب التبرؤ من بعض "المواقف المتشددة"، و "العناصر المتطرفة"، وكان ذلك يجري ضمن المنصة الواحدة، والوفد الواحد، وما الإطاحة بالزعبي وعلوش من ذلك ببعيد.

في أجواء الحضور الدولي الكثيف لجنيف 2 ظنّ الائتلاف أنها عملية جدّية فقدّم ورقة المبادئ الأساسية ال 24، ومع أنها كانت عامة، ولم تدخل كثيراً في التفاصيل، إلا أنها كانت ورقة سيئة تضمنت تنازلات مجانية دون مقابل، الأسوأ كان أن تقدم هيئة المفاوضات ورقة تفصيلية بلندن في أيلول سبتمبر ٢٠١٦، في وقت لم يكن هناك فيه أي جولة تفاوضية في الأفق، اقتصر أثرها على رفضها من قبل الأكراد والتركمان والآشوريين من داخل الهيئة، ومن كثير من المعارضة من خارجها، ولعلّ النظام لم يسمع بها.

لم يقتصر الأمر على الائتلاف والهيئة المفاوضين، بل تعدّت عدوى إعلان خطط الإنقاذ، والرؤى والحلول وخرائط الطريق إلى كل من هبّ ودبّ، وتبرّع كثيرون أفراداً وجماعات للرد على أسئلة دي مستورا الشهيرة عن الحكم.

وحده النظام لم يفعل ذلك، ففي خضمّ هذه الفوضى العارمة، المنفلتة من عقال، كان النظام يقف متسمّراً في مكانه بوفده الواحد الذي لم يتغيّر جعفريّه كما تغيّر رؤساء منصات ووفود المعارضات، بورقته اليتيمة التي قدمها في جنيف 3، بعناصرها العشرة للحل السياسي التي توحي أن سوريا دولة معتدى عليها من الإرهابيين، وأن على المجتمع الدولي أن يساعدها في القضاء عليهم، وأن يتبرع لها لتأمين عودة اللاجئين، وإعادة إعمار ما خرّبه ودمّره "الإرهابيون"، وأن على المسلحين أن يستفيدوا من مناخ المصالحات، ويتركوا السلاح، فلا جدوى من الاستمرار بحمله، نقطة انتهى.

لا حديث عن مصير بشار، ولا هيئة حكم انتقالي، ولا إصلاح أجهزة أمنية أو عسكرية، ولا إصلاحات دستورية أو قانونية، ولا أي شيء مما تتضمنه قرارات الأمم المتحدة، وتعقد المفاوضات لأجله، فقط النظام ينظر فيما يصب بمصلحته ويطالب به، أما مطالب الشعب والمعارضة التي تمثله فهي خارج حساباته وحسابات ورقته التي لم تمر عليها حوادث الزمان رغم قساوتها ولم تغيّر فيها ولو حرفاً واحداً.

المعارضة مقبلة على أكبر مؤتمراتها المتوقعة، وقد أرسل إليها أن تبعث كلُّ برؤيتها السياسية، لتبلور رؤية موحدة تتفق عليها في المؤتمر، وستكون هناك مفاجآت غير متوقعة في حجم التنازلات التي ستظهر في هذا المؤتمر.

هل سيضم مؤتمر الرياض معارضة وطنية رشيدة تعي جيداً فخ مصطلح "توحيد المعارضة"، ولا تقع فيه، وتكتفي بتقديم ورقة مبادئ في أعلى سقوفها التفاوضية كما سبق؟، وهل تضع لنفسها الخطوط الدنيا التي يمكن أن يقبل بها الشعب السوري، في حال انتقلت المفاوضات من مفاوضة المعارضات المصنّعة في موسكو وغيرها، إلى مفاوضات مباشرة مع النظام. ستجيب الأيام القادمة عن هذا السؤال.

"مرفق ورقة النظام في جنيف 3 "