الأحد 2021/02/14

“المجلس العسكري” في سوريا، ثلاثيّة الحكم الانتقالي، واللجنة الدستورية في مقترح الأمم المتحدة!!

 

أقل من ثلاث سنوات كان عمر الحكم المدني في سوريا بعد إعلان الاستقلال عام 1946، بدخول عام 1949 ستدخل سوريا في أمر ليس له مثيل في العصر الحديث، ستشهد أكبر عدد انقلابات، وأطول فترة حكم عسكري يزيد عن سبعين عاما، ويمتد إلى يومنا هذا.

انقلاب حسني الزعيم في 30  آذار/مارس 1949  كان أول انقلاب عسكري في سورية وفي الوطن العربي وفي الشرق الأوسط برمّته، ليفتح به الباب على سلسلة من الانقلابات العسكرية وهيمنة للعسكر على الحياة السياسية في سورية، وليفتح الباب أيضاً لتدخل الجيوش العربية في سياسة بلادها الداخلية . وقد وصفه فارس الخوري بكونه "أعظم كارثة حلّت بالبلاد منذ حكم تركيا الفتاة"

تبع انقلاب الزعيم انقلابان عسكريان خلال العام ذاته، انقلاب سامي الحناوي، ثم أديب الشيشكلي، ثم ليعاود الأخير انقلاباً رابعا عام 1951، ثم قاد مجموعة من الضباط في كل مرة انقلابات عام 1954، و1961، واللجنة العسكرية لحزب البعث محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد في 8 آذار/مارس 1963، والانقلاب الثامن تحت قيادة صلاح جديد 1966، ليطيح به في الانقلاب التاسع وزير الدفاع حافظ الأسد عام 1970، ثم ليستلم ابنه ووريثه الضابط العسكري بشار الأسد الحكم عام 200 في انقلاب عاشر "دستوري"، هو امتداد للانقلاب العسكري عام 1970.

هذه المقدمة تُظهر الحكم العسكري الطويل البلاد، وهو من منظور دولي -يغضّ النظر عن جرائم هذا الحكم العسكري وفساده- يجعل البلاد في حالة استقرار، ويلبّي متطلبات المجتمع الدولي، وخصوصاً فيما يتعلّق بالشأن الإسرائيلي الذي كان أحد الركائز الكبرى لاستمرار نظام الأسد الأب والابن على حدٍّ سواء.

بعد مضيّ عشر سنوات على ثورة الشعب السوري على نظام بشار الأسد، والمطالبة باستبداله بحكم مدني ديمقراطي تعددي يتيح تداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، ويمنع العسكر من التدخل في الحياة السياسية والشؤون الداخلية، يعود الحديث اليوم لتشكيل مجلس عسكري يحكم سورية من جديد.

انسداد أفق اللجنة الدستورية بعد جولتها الخامسة، هو الضربة القاصمة الثانية التي تتلقّاها العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة في جنيف، بعد تخلّي هذه الأخيرة عن هيئة الحكم الانتقالي بعد ثماني جولات تفاوضية لم تصل فيها إلى شيء، وهو ما قد يكون دفع بالمجلس العسكري إلى الواجهة، فالمجلس العسكري ثالث مؤسسات السلطة الانتقالية حسب "مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف" الذي قدّمه المبعوث السابق "ديمستورا" وسط عام 2015، حيث نصّ على مسألتين مهمتين:

الأولى: يؤسس الاتفاق المؤقت "سلطة انتقالية" تتألف من هيئة الحكم الانتقالي والمجلس العسكري المشترك، والمؤتمر الوطني السوري.

الثانية: بموجب هذا الاتفاق، تتولى هيئة الحكم الانتقالي السلطات التنفيذية الكاملة وتعمل بمثابة حكومة، فيما يتولى المجلس العسكري المشترك الأمن، ويقود المؤتمر الوطني السوري المراجعة الدستورية والحوار الوطني.

ثلاثية "السلطة الانتقالية" لم يبق منها إلّا المجلس العسكري، بعد فشل المفاوضات حول الحكم الانتقالي، والمراجعة الدستورية، وبما أن المعارضة قبلت أن تناقش القضايا الدستورية بعد فشل الاتفاق على الحكم الانتقالي، فلا شيء يمنع  أيضاً من مناقشة المجلس العسكري بعد فشل اللجنة الدستورية في إنجاز عملها.

بعد فشل الجولة التفاوضية الثامنة في جنيف حول الحكم الانتقالي، توجّه المبعوث السابق ديمستورا نحو سوتشي، ومن هناك أعلن عن انطلاق تشكيل اللجنة الدستورية، وبالمقابل سيتوجه المبعوث الحالي "بيدرسن" نحو أستانا بعد فشل الجولة الدستورية الخامسة، فهل سيكون على طاولة الأعمال هناك المجلس العسكري: الثلث الثالث من السلطة الانتقالية؟ وهل ستقبل به الأمم المتحدة كما قبلت باللجنة الدستورية؟

كما هو الحال في هيئة الحكم الانتقالي واللجنة الدستورية، سيكون المجلس العسكري مناصفة بين النظام والمعارضة، وهو ما أقرته هيئة المفاوضات الأولى في وثيقتها "الإطار التنفيذي للعملية السياسية وفق بيان جنيف (2012) التي أعلنتها في لندن في أيلول/سبتمبر 2016، وبالطبع كان الكلام يدور حول اتفاق داخل هيئة الحكم الانتقالي على تسمية أعضاء المجلس العسكري، لكن كما تمّ تجاوز ذلك في تسمية أعضاء اللجنة الدستورية، فإنه يمكن تجاوز ذلك في المجلس العسكري.

إذن المجلس العسكري موجود في رؤية الأمم المتحدة للحل في سورية، كما هو موجود في وثائق مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة 3/7/2012، كذلك في خارطة طريق هيئة التنسيق التي نصّت على "الاتفاق على تشكيل  مجلس عسكري انتقالي  وتحديد مهامه، بحيث يضم مناصفة ضباطاً من الجيش النظامي ومن الضباط المنشقين المؤمنين بالحل السياسي" وهذا قد يعني قبول منصة القاهرة به بضغط مصري، كذلك تقبل به منصة موسكو المقربة من روسيا، ولا يتصوّر معارضة الفصائل المسلحة والضباط المنشقين له، حيث يعطيهم دوراً كبيراً في مستقبل سورية، وهم بالأصل غير راضين عن المعارضة السياسية، يبقى دور الائتلاف محورياً في رفض المجلس العسكري، والعودة نحو التطبيق الكامل والمتسلسل لبيان جنيف والقرار 2254، بدءاً من هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة-التي تعتبر الشؤون العسكرية والأمنية واحدة من اختصاصاتها- ثم اللجنة الدستورية، وصولاً إلى الانتخابات العامة في البلاد.

المعارضة السورية تعلّمت درساً قاسياً بقبولها مناقشة اللجنة الدستورية قبل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، اللجنة احتاجت عاما ونصف لتسمية أعضائها-وهم مدنيون- وعاما ونصفاً آخر لتعلن فشلها،فهل ستستفيد المعارضة من ذلك في رفض مناقشة المجلس العسكري الذي سيماطل النظام في تسمية أعضائه  لعدد من السنوات بذريعة تصنيف العديد من الأعضاء في جانب المعارضة كإرهابيين قاتلوا النظام.

أمر آخر لافت للعيان أن المجلس العسكري يشترط في عضويته الضباط المنشقين الذين لم يقاتلوا النظام، هذا يفسّر نوعاً ما التصريحات التي تصدر عن بعض الضباط المنشقّين في نقدهم للجيش الوطني وللمعارضة السياسية كنوع من تقديم أوراق اعتمادهم ليقبل النظام بهم في المجلس العسكري.

 

الجسر للدراسات