السبت 2019/06/29

الإطاحة بالأسد عبر الانتخابات.. هل هي صفقة مؤتمر القدس الثلاثي؟


الجسر للدراسات...


يوم أمس 29 حزيران/يونيو 2019 ، قدّم المبعوث الأممي إلى سوريا "جير بيدرسن" إحاطته الثالثة أمام مجلس الأمن الدولي، في الإحاطة الأولى في 28 شباط/فبراير 2019 أشار بيدرسن إلى أن "التدخل الخارجي كان عاملاً مؤثراً في الصراع" ولذا هناك "حاجة إلى منتدى مشترك تتناقش فيه الدول الرئيسية بجدية" بغرض "التوصّل إلى تسوية سياسية موثوقة ومستدامة للصراع السوري وتتمتع بشرعية دولية".

في الإحاطة الثانية في 30 نيسان/أبريل 2019 أكّد بيدرسن أن "النزاع هو ذو طابع دولي كبير، فالتدخل الخارجي هو حقيقة صعبة في الصراع" وأنّه سيستمر "في استخدام مساعيه الحميدة لمساعدة اللاعبين الرئيسيين ذوي التأثير للانضمام إلى محادثة واحدة نشطة لتقديم دعم مشترك للعملية السياسية" وكرر قوله في الإحاطة الأولى أنه في سبيل ذلك " يجب تأسيس منتدى مشترك لدعم عملية جنيف".

حدد بيدرسن في الإحاطة الثالثة أمس أعضاء هذا "المنتدى المشترك" الذي سمّاه هذه المرة "مجموعة دولية" حيث يمكن على حد قوله: "جمع الإرادة الدولية المتمثلة في مسار أستانا وما يطلق عليه المجموعة المصغرة والأعضاء الدائمين لمجلس الأمن" وهذا يعني أن تكون المجموعة الدولية من عشرة أعضاء: دول أستانا الثلاث روسيا وتركيا وإيران، ودول المجموعة المصغرة السبع: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر، وأن تكون الصين هي الدولة العاشرة باعتبارها العضو الخامس المكمّل للدول دائمة العضوية صاحبة حق الفيتو، والغائب الوحيد منها عن هذين المسارين. لكن مع استحالة جمع الفرقاء هؤلاء جميعاً على طاولة واحدة كما حدث في مؤتمر فيينا 2015 الذي مهّد لصدور القرار 2254، فقد أوضح بيدرسن أنه لا يتحدث عن "إطار مشترك" يكون بديلاً عن المسارات الموجودة بالفعل بسبب رفض هذه الدول التخلي عن مساراتها، وتمسكها باستمرارها. أي إنه يتحدث عن إطار مشترك بينها لمساندة المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف.

الاستنتاج الأولي من كلام بيدرسن أن مسار جنيف سيبقى متوقفاً ما لم يوافق رعاة مساري أستانا والمجموعة المصغرة على تحريكه. وهذا يعني أن الأمم المتحدة ربطت مصير الحل السياسي في سوريا وبشكل نهائي على حدوث هذا التوافق الدولي، وليس على حدوث توافق وطني أو داخلي بين المعارضة والنظام.

ما  حدث في جلسة مجلس الأمن حول اللجنة الدستورية المنبثقة بالأصل عن مؤتمر سوتشي لم يكن مفاجئاً كما تصوّرته بعض التعليقات عليها، وإنما كان أمراً متوقعاً حتى من بيدرسن، لكنه لم يكن يريد الإعلان عن نهاية اللجنة الدستورية بنفسه وترك مهمة ذلك لكل من المندوبين الأمريكي والفرنسي ليعلنا ذلك.

كان بيدرسن قد جعل تشكيل اللجنة الدستورية الهدف الرابع من أهدافه الخمسة التي وضعها كخارطة طريق في إحاطته الأولى في شباط/فبراير مطلع هذا العام، وتحدث بالتفصيل في ست نقاط متتالية عن عملها عليها في الإحاطة الثانية في نيسان/أبريل، لكنه عاد ليشكك في إمكانية إطلاقها في الإحاطة الأخيرة، لينتهي بوصفها أنها " يمكن أن تشكل مدخلاً للعملية السياسية، ولكنها لن تحل وحدها الصراع أو تزيل التحديات التي تواجه سوريا" وكأنه يمهّد الطريق لإطلاق النار عليها وخاصة مع تعنت النظام وتفننه في وضع العراقيل في وجه بيدرسن حول تشكيلها وآليات عملها.

بدأ السفير الأميركي في الأمم جوناثان كوهين بالقول إن "الوقت حان" لكي يتخلّى مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن عن هذا المشروع ويفكّر بمبادرة أخرى. وقال إنه "بعد مرور 17 شهرا على انطلاق المفاوضات في سوتشي بروسيا لتشكيل لجنة دستورية، حان الوقت لكي ندرك أنّ هذا الملفّ لم يتقدّم وأنّه لا يزال بعيد المنال لأنّ هذا هو ما يريده النظام: أن يبقى هذا بعيد المنال". وأعلن عن البديل الذي يراه للجنة الدستورية بقوله "لقد حان الوقت لكي يحضّ المجلس المبعوث بيدرسن على تجربة وسائل أخرى للتوصّل إلى الحلّ السياسي المنصوص عليه في القرار 2254، من خلال التركيز على التحضير لانتخابات وطنية تجري بإشراف الأمم المتحدة ويشارك فيها نحو خمسة ملايين لاجئ سوري والإفراج عن المعتقلين وإرساء وقف لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد".

السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر كذلك حمّل نظام الأسد مسؤولية الفشل في تشكيل اللجنة الدستورية مبتدئاً بالقول بأنّه "لم يتمّ إحراز أي تقدّم" على صعيد تشكيل اللجنة الدستورية" لأن "النظام السوري يرفض أيّ حلّ وسط ويضاعف مناورات التسويف للحؤول دون نجاح هذا المنتدى الأول للحوار". وختم كلامه بأن "الأمر متروك للمبعوث الخاص (بيدرسن) لإخبارنا بكل صراحة عندما يعتقد أنّه استنفد كلّ وسيلة ممكنة للتوصّل إلى اتفاق بشأن اللجنة. إذا أبقى النظام على رفضه، فسيكون الوقت قد حان لهذا المجلس لكي يستخلص العبر ويفكّر في طرق أخرى للمضي قدما".

من الواضح أن هذا الموقف من مجموعة الدول المصغرة كان موقفاً متفقاً عليه مع بيدرسن مسبقاً، ويحتمل أحد أمرين:

الأول: ممارسة أعلى أنواع الضغط على روسيا والنظام لتسهيل تشكيل اللجنة الدستورية، وإطلاق عملها في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وهو ما ستظهر نتيجته في زيارة بيدرسن خلال الأيام القريبة القادمة إلى دمشق.

الثاني: التحوّل فعلياً عن اعتبار اللجنة الدستورية مدخلاً للعملية السياسية، وهذا يعني تغييراً جذرياً في قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعتبر القرار الأساسي الذي حُدّد ولأول مرة في قرارات مجلس الأمن تسلسل العملية السياسية ووضع خطاً زمنياً لها.

تسلسل القرار 2254 يبدأ بإقامة حكم ذي مصداقية في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، يتبعها صياغة دستور جديد تجري على أساسه انتخابات حرة ونزيهة خلال ثمانية عشر شهراً.

إذن الولايات المتحدة ومن معها تدعو إلى البدء بالانتخابات فوراً تحت الوضع الحالي القائم في البلاد عسكرياً وسياسياً ودستورياً، لكنه يعني ضمان الإطاحة بالأسد عبرها، أو التخلص منه قبلها، وهذا ما يمكن أن يكون الصفقة التي تمّت في مؤتمر القدس الثلاثي بين تل أبيب وواشنطن وموسكو، وهو العلامة الوحيدة الفارقة التي سبقت جلسة مجلس الأمن هذه.

وهو ما يضع الأرضية المناسبة لضمان أمن تل أبيب بالمحافظة على الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية لمنع الفوضى في البلاد، وضمان عملية انتقال سياسي عبر انتخابات يشارك فيها جميع اللاجئين والنازحين، وهو ما يستلزم أن يسبقها تهدئة الأوضاع وإرساء بيئة آمنة، بفرض اتفاقات وقف إطلاق نار شاملة، ثم سيعمل الحكم الجديد على مجموعة الإصلاحات الدستورية المطلوبة.