الخميس 2019/03/21

الأسد غير المؤهّل لحكم الجولان، كيف يكون مؤهّلاً لحكم سوريا؟!

"بفضل الأسد، ستبقى مرتفعات الجولان بدون خسارة في يد إسرائيل"، كانت هذه هي الجملة الأخيرة التي كتبها "إيال زيسر" المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب العبرية، في مقال منشور له على موقع " The Algemeiner".

المفارقة غير المنطقيّة التي يتّكئ عليها كاتب المقال في تبرير احتفاظ تل أبيب بمرتفعات الجولان، وأن ذلك سيكون "أبديّاً" حسب تعبير كثير من رموز حكام تل أبيب، هو ما ينقله عن "نيكي هايلي" السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، التي كانت أوّل من صوّت ضد قرار يدين وجود إسرائيل في مرتفعات الجولان في وقت سابق من العام الماضي، كانت "هايلي" قالت حينذاك: "الدّمار الذي خلّفه الأسد على أعقابه يثبت أنه غير قادر على حكم أي شيء".

يتزامن هذا الكلام مع بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يوم أمس الأربعاء، أنه "حان الوقت للمجتمع الدولي، للاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان"، عقب مؤتمر صحفي، جمعه بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. القادم من الكويت في جولة شرق أوسطية جديدة.

في التقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن أوضاع حقوق الإنسان حول العالم، تمّ إزالة الإشارة إلى مرتفعات الجولان بوصفها "مناطق محتلّة"، واستبدالها بعبارة "التي تسيطر عليها إسرائيل".

بلا شك.. الأسد الابن لا يفكّر لا بالجولان المحتل الآن، ولا بكل القضية الفلسطينية بعد أن ملأ شعار تحرير القدس أدبيات نظام الأسد على مرِّ عقود خلت، وكانت طريقه وطريق والده، وغيرهما من حكام المنطقة نحو إنشاء أنظمة استبدادية، وإخضاع شعوبها بذريعة أنه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، واستنزاف مقدّرات البلاد بالإنفاق على جيوش وأسلحة تبيّن لاحقاً أنها لم تكن أبداً لتحرير "الأراضي المحتلة" أو لتحرير "القدس والأقصى"، وإنما أداة لقمع وإرهاب الشعوب أن تسعى نحو نيل حقوقها الإنسانية.

الأسد مشغول الآن فقط باسترجاع الأراضي التي فقد السيطرة عليها في سنوات الحرب الماضية شمال غرب، وشمال شرق البلاد، والتي يبدو له الآن أنها صارت بعيدة المنال بعد قرار الرئيس الأمريكي "ترامب" الذي يسمح ببقاء جنوده شمال شرق الفرات، وباستمرار العمل بالاتفاق الروسي التركي باعتبار إدلب ومحيطها منطقة خفض تصعيد، ووجود نقاط مراقبة تركيّة حولها.

أخطأ ظنّ الأسد حين أُعيد له الجنوب السوري، وريف دمشق، وتجاوزت عناصره الأرياف الشمالية لحمص، ورأى في ذلك بداية إعادة تأهيله، وأن الأمر لن يتوقّف على إعادة تأهيله محلياً بتمكينه ليس فقط من مناطق خفض التصعيد الثلاثة، وإنما سيعيد بسط سيطرته على كامل مساحة البلاد، وستذهب الأمور نحو إعادة تأهيله دولياً بعودته للجامعة العربية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية معه، تمهيداً لاستئناف العلاقات الاقتصادية، ورفع العقوبات الدولية عنه، وصولاً لمنحه الشراكة الكاملة في عمليات إعادة الإعمار القادمة.

بدا ذلك كله أوهاماً توهّمها النظام بعد تراجع ترامب عن قرار سحب القوات الأمريكية من شمال شرق الفرات، وتوقّف مسار التطبيع العربي معه، وإغلاق الباب أمام حضوره اجتماع الجامعة العربية الذي سيعقد بعد أسبوع في تونس، ورفض مؤتمر المانحين في بروكسل تخصيص أي أموال لإعادة الإعمار ما لم تترافق بعملية الانتقال السياسي حسب القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن.

تل أبيب ترى أنّ كبار المسؤولين الأمريكيين الحاليين، مثل السناتور ليندسي غراهام، الذي كان في زيارة لها الأسبوع الماضي سوف يتّبعون خطوات "هايلي"، وسيتّبع هؤلاء آخرون في المجتمع الدولي في أعقاب اعتراف الرئيس الأمريكي "ترامب" بالقدس عاصمة لإسرائيل.

إذن تل أبيب لا يساورها القلق من أن يجد الأسد من يسانده في ملف الجولان المحتل، مع دخول عدد من الدول العربية على ملف التطبيع مع تل أبيب من بين بنود "صفقة القرن" المتوقعة بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة بعد مدة وجيزة، ولكن وباعتبار أنّ الأسد لا يعلم عن أشياء كثيرة تدور في بلده يقوم بها على وجه الخصوص كل من إيران وحزب الله، الّلذين ينسبان الفضل لانتصارات النظام العسكرية الأخيرة لهما، ويريدان الاستيلاء على ذلك النصر، واستثماره حسب مصالحهما، ومن ذلك ما كشفت عنه تل أبيب مؤخراً عن " تشكيل وحدة سرّية لجمع معلومات استخبارية عن القوات الإسرائيلية على طول الحدود لإعداد هجمات إرهابية في المستقبل".

تل أبيب ترى اليوم أنّ افتقار نظام الأسد للشرعية الدولية، بسبب فظائعه وخاصّة ضعفه ورغبته في الرضوخ لإيران وحزب الله، هو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تغيير سياساتها المتعلقة بوضع إسرائيل على الجولان.

بنفس المنطق الذي تسير فيه هذه القضية، هل يمكن للمجتمع الدولي أن يغيّر سياسته، ويتحدث عن عدم أهلية الأسد في الاستمرار في حكم سوريا، وإدارة شؤونها، وبالتالي ينزع يده عنها، ويساعد بجدّية في عملية الانتقال السياسي فيها؟