الجمعة 2018/01/05

الأسد خامنئي سوريا

اليوم نحن في الحكومة الخامسة للنظام أثناء الثورة، ففي انطلاق الثورة كانت حكومة محمد ناجي عطري التي أقيلت في 29 آذار/مارس 2011، أي بعد بداية الثورة بأسبوعين تقريبا، وفي هذا دلالة على أن الإقالة قد تكون لاختلاف طريقة تعاطي الحكومة المدنية مع الثورة، مقابل طريقة تعاطي النظام والأجهزة الأمنية والعسكرية بالعنف المفرط، وازدياد حالات الاعتقال والتعذيب والقتل منذ الأيام الأولى.

جاءت بعدها حكومة عادل سفر والتي شُكّلت في نيسان / أبريل 2011، واستمرت عاماً واحداً و شهرين تقريباً، و أقيلت في 6 حزيران / يونيو 2012 ، و هو ما أوحى أيضاً باستمرار الخلافات بين الحكومة من طرف، و بين الرئيس و الأجهزة الأمنية و العسكرية من طرف آخر، خصوصا بعد اجتياح المدن و قصفها بالطيران و الأسلحة الثقيلة، ثم بدء استقدام الميليشيات الطائفية العراقية و الايرانية. الحكومة الثالثة كُلف بها رياض حجاب الذي استمر فيها لمدة شهرين فقط، وأعلن في 6 آب/ أغسطس 2012 انشقاقه عن النظام وغادر سوريا مع عائلته إلى الأردن، وهذا أعطى دلالات أكبر على عدم رضا الحكومة عن أفعال الرئيس وأجهزته الأمنية والعسكرية.

بعدها جاءت حكومتان ويبدو أنها استسلمت لقدرها بعدما رأت ما حدث لسالفاتها، ومن ثَمّ تماهت مع النظام الذي أيضاً تخلّص من الحكومة الرابعة رغم خضوعها الكامل له، لكنه فعل ذلك معتبراً إياها من خطواته الإصلاحية التي يخدع بها الموالين له.

كان النظام يعرف هذا التصدّع جيداً، ويعلم أنه نقطة ضعفه ومقتله، لذلك رفعت أجهزته الأمنية والعسكرية شعار "الأسد أو نحرق البلد" معلنة أنه مهما أقيلت حكومات، أو استقالت، أو انشق كبار رجال الدولة وعسكرييها، فهذا لن يؤثر مطلقا في شرعية النظام، فالشرعية تبدأ وتنتهي ببقاء الرئيس في منصبه و لو زالت الدولة السورية عن وجه الأرض.

منذ تسلّم حافظ الأسد السلطة في سوريا إلى يومنا هذا تمّ تغيير 12 رئيس حكومة كانت كلها صورية، الحاكم الأحد كان المرشد الأسد، وكما ورث بشار الأسد الحكم عن أبيه ورث كذلك كل مؤسسات الدولة، التي كان يظن أنها قد دُجّنت بما فيه الكفاية كي تكون طوع أمره كما هي حال الجيش والمخابرات، لذا عمل على إقالة الحكومة بعد أسبوعين من بدء الثورة حين تبيّن له أنها لن تكون جزءاً من حملته القمعية الوحشية على المحتجين في الشارع.

الوضع في إيران شبيه بالحالة السورية، فمنذ تسلّم الخميني المرشد الأعلى السلطة تناوب على الرئاسة فيها سبعة رؤساء، عزل الخميني الرئيس الأول "أبو الحسن بني صدر" بعد سنة ونيّف، فيما قُتل الرئيس الثاني "محمد علي رجائي" بعد شهرين من الحكم، إلى أن وصل "علي خامنئي" المرشد الأعلى الحالي للرئاسة فمكث فيها دورتين متتاليتين ثماني سنوات، كمثل من جاؤوا بعد جميعا "أكبر هاشمي رفسنجاني" المتهم باضطرابات 2009، و "محمد خاتمي" و "محمود أحمدي نجاد" و "حسن روحاني" الرئيس الحالي، كان بعضهم من المحافظين المحسوبين على التيار الديني المتشدد، وبعضهم من الإصلاحيين، لكن الجميع كان خاضعاً خضوعاً شبه مطلق للمرشد وللأجهزة التابعة للمرشد مثل: مجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس الشورى، والمجلس الأعلى للأمن القومي، كانت هذه المجالس تكبّل عمل الرئيس، وتضعه تحت سيطرتها وسيطرة المرشد، إضافة للحرس الثوري الإيراني الذي أسسه الخميني وجعله تحت إمرة المرشد مباشرة.

كما هو "شعار الأسد أو نحرق البلد" فالشعار في إيران "المرشد أو نحرق البلد" وكما كان احتجاج السوريين على سلطات وصلاحيات للمرشد الأسد المطلقة، فاحتجاج الإيرانيين كذلك على مثل هذه السلطات والصلاحيات المطلقة الممنوحة للمرشد الخامنئي، وكما كان غضب السوريين على العصابات المافيوية والأجهزة الأمنية التابعة مباشرة للرئيس، كذلك ينصب سخط الإيرانيين على مثيلاتها من المجالس والحرس الثوري الإيراني المرتبطة بالمرشد.

وكما تعامل خامنئي سوريا مع المحتجين السلميين على قلة أعدادهم ومساحة انتشارهم في البلاد بتلك الوحشية التي قوبلت بازدياد عدد المتظاهرين وتوسّع انتشارهم يوماً بعد يوم إلى أن ملأوا ساحات البلاد، فخامنئي إيران يفعل مثله، وسيواجه غضباً شعبياً عارماً، لا يجد أمامه حيلة إلا بإنزال الجيش للشارع للقضاء على هذه الثورة الشعبية.

هل سيكون روحاني أول ضحايا الخامنئي، فيطرده من الحكم، ويحمّله مسؤولية التساهل في قمع المحتجين؟ أم إن روحاني سيقدّم استقالته ويتبرأ من أفعال الحرس الثوري الإيراني؟ علينا أن ننتظر قليلاً.