الأثنين 2019/04/22

الأسد بين عصر “التحديث والتطوير”، وعصر الحمير!

الاستحمار هو الاكتشاف الكبير الذي توصّل إليه الموالون لعائلة الأسد بعد خمسين عاماً من تسلّمها للحكم، الذي بدأ في عهد الابن بشعار عصر "التحديث والتطوير" فإذا به ينتهي بالموالين له إلى "عصر الحمير"، هذه هي الحقيقة التي لم يعد بالإمكان التغطية عليها، أو التلاعب بها. شوارع البلاد فارغة من آلة تتحرك وتنقُل الناس، لا مواصلات عامة ولا خاصة، كأن القوم في بادية أو صحراء، أو في أدغال أفريقيا، أو غابات الأمازون، السوري المتحضر عاد إلى العصر الحجري، والإنسان البدائي، بقي أن يحمل آلة الصيد ليقوت نفسه وعائلته.

ما الذي دفع الموالين اليوم للاحتجاج بالحمار على أحوالهم المعيشية المتردية سوى شعورهم بالاستحمار من عائلة ركبت على ظهورهم خمسة عقود، مارست فيها عليهم جميع انتهاكات حقوق الإنسان، ولم تراع فيهم حتى حقوق الحيوان؟.

شتان ما بين ثورة الحرية والكرامة التي أشعلها الإنسان السوري الحقيقي، وما بين ثورة البنزين والخبز، "ثورة الجياع والعلف" لهذا القطيع الذي بدأ الجوع يؤلمه، وقام يطالب بحصّته من "الشعير" التي كان يحصل عليها في الخمسين عاماً الماضية.

الموالون صفّقوا ووّزعوا الحلوى، بل وشاركوا في القتل والتعذيب والسلب والنهب والتهجير، واغتصاب "بنات السنّة"، لم تعرف الرحمة والشفقة إلى قلوبهم طريقاً، شمتوا كثيراً وكانوا قساة، لكن يوم العدالة يقترب، والمحاكم لن تقبل منهم قولهم إن الأسد استحمرهم، رغم هذه المعادلة السيئة إلا أن ثورة الحرية والكرامة لا تعرف الحقد والكراهية، سيكون للتسامح باب واسع مفتوح.

من أشهر قصص "كليلة ودمنة" قصة الحمار مع الأسد حين احتال ابن آوى ليطعمه قلب حمار وأذنيه وصفة للشفاء من الجرب والضعف الذي أصابه، تقول القصة إن ابن آوى جاء إلى حمار فقال له: "مالي أراك مهزولاً? قال ما يطعمني صاحبي شيئاً فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا? قال: فما لي حيلة في الهرب منه، لست أتوجه إلى جهة إلا أضرّ بي إنسان فكدّني وأجاعني قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس، لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيه قطيع من الحمر لم تر عين مثلها حسناً وسمناً قال الحمار: وما يحبسنا عنها? فانطلق بنا إليها" تتابع القصة أن الحمار نجا أول مرة من أنياب الأسد بسبب ضعفه، لكن ابن آوى أقنعه أنّ ما رآه كان حماراً من بني جلدته خرج ليعانقه ويرحّب به، فكان ذلك وقتله الأسد الذي قال لابن آوى: "قد ذكرت الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الغسل والطهور: فاحتفظ به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتاً لك فلما ذهب الأسد ليغتسل، عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطيّر الأسد منه، فلا يأكل منه شيئاً، فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه? قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعد ما أفلت ونجا من الهلكة".

معارضو الأسد عانوا ما عانوه من قتل وتعذيب وتشريد بشرف وكرامة، ولم يرضوا الذلّ والهوان، ونجوا من براثن الأسد، ولم ينخدعوا بمصالحة ولا استسلام، ولن يعودوا إليه أبداً، فقلوبهم التي يفقهون بها، وآذانهم التي يسمعون بها، تقول لهم: إن هلاكهم على يديه لو عادوا محقّقة، ولهم فيما يحدث للموالين اليوم عبرة.

المصيبة في الموالين الذين يرون هلاكهم يكاد يحيط بهم من كل جانب، وهذا سبيل النجاة اليوم يلوح لهم بالتخلص من قاتلهم الذي يزعم أنه حاميهم وراعيهم، فرصة قد لا تتكرر لهم، فالانهيار وصل إلى نقطة اللاعودة، والأسد مستعد لتسليط كلاب إيران وحزب الله عليهم ليعودوا إلى بيت الطاعة، والسير في ركاب القطيع كما فعلوا طوال خمسين عاماً.

هل سيعترف الموالون أنهم أخطؤوا بحق الذين ثاروا على عائلة الأسد قبل ثماني سنوات، ويطلبون منهم الصفح والمغفرة، ويعلنون وقوفهم إلى جانب ثورة الحرية والكرامة، وتنقلب مطالبهم من البنزين والغاز والخبز، إلى المطالبة بإسقاط الأسد ومحاكمته عن جرائمه التي لم يعرف لها العصر الحديث مثالاً؟.