الأحد 2020/03/15

مبادرة جديدة للأمين العام للأمم المتحدة حول سوريا!!

بعد بيان جنيف (2012) والقرار 2254 (2015)، توقّفت الأمم المتحدة عن تقديم قرارات جديدة جوهرية لإيجاد حل سياسي في سوريا، ومن كل قرارات مجلس الأمن لم يظهر إلى النور منها سوى ما يخصّ إدخال المساعدات الإنسانية مع عراقيل كبرى في وجه تطبيقها من طرف نظام الأسد وحليفه الروسي، الذي صوّت بالفيتو حتى ضدّ قرارات المساعدات الإنسانية.

المبعوث الأول "كوفي عنان" قدّم مبادرة النقاط الست، وسار عليها المبعوث الثاني "الأخضر الإبراهيمي"، فيما قدّم المبعوث الثالث "دي ميستورا" مبادرة "مجموعات العمل الأربع" أما المبعوث الخاص الرابع "بيدرسن" فلم يبادر بشيء حتى الآن.

تلاقى مسار أستانا الناشئ على أنقاض سقوط مدينة حلب نهاية عام 2016 بعد عام كامل من التدخل الروسي العسكري المباشر، مع مسار جنيف الأممي في مسألة واحدة هي اللجنة الدستورية، التي انطلقت يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وعقدت جولة ثانية بعد شهر تقريباً، ثم لتتعطّل أعمالها إثر رفض النظام الاتفاق على جدول أعمال يتسّق مع صلاحيات وولاية اللجنة.

مسار أستانا الذي بُني بعد مرور مراحل عدّة من جولاته، توصّل إلى اتفاق مناطق خفض التصعيد الأربع، والتي سقطت الواحدة تلو الأخرى بيد النظام، وحين بدأ الهجوم على المنطقة الرابعة في إدلب، عاد مجلس الأمن للانعقاد بوتيرة متسارعة مدفوعاً بشكل أساسي من الهلع من موجة لاجئين تهدد تركيا بفتح أبواب أوروبا أمامها فيما لو صارت أمراً واقعاً.

روسيا المنزعجة جداً من "تركيز" مجلس الأمن على سوريا، تريد المحافظة على مسارها الخاص بها في أستانا، مع التعريج بين الفينة والأخرى على القرار 2254، بالمقابل ترى مجموعة الدول الغربية أنّه "لم يعد من المناسب أن نثق في فريق أستانا لإنهاء العنف" كما قالت السيدة "كرافت" السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن.

تُظهر اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة اتجاهاً قوياً يدعو الأمين العام للأمم المتحدة السيد "غوتيريس" ومبعوثه الخاص "بيدرسن" لطرح مبادرة جديدة حول سوريا، تمثّل ذلك في دعوة السفيرة الأمريكية كرافت في جلسة 19 شباط/فبراير 2020 التي قالت: "أوضح طريق نراه لإنهاء العنف فوراً في شمال غرب سوريا، هو أن تتولّى الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار، وهذه المبادرة ينبغي أن تكون الأولوية الأكثر إلحاحاً للأمين العام، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة بيدرسن".

السفير الفرنسي "دو ريفيير" كان في نفس الجلسة أكثر تحديداً من السفيرة الأمريكية حين قال: "نظراً لعدم قدرة ضامني أستانا على وقف إطلاق النار، يجب أن ننجح في اتخاذ إجراءات جماعية، إنّ القيام بذلك هو واجب الأمين العام، ومجلس الأمن، وأدعو المبعوث الخاص للأمين العام إلى العمل على التوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار في إدلب، تمشّياً مع الولاية المسندة إليه في القرار 2254(2015)، ونناشده أن يقدّم إلى المجلس مقترحات محددة في هذا الصدد".

وللتأكيد على أن المقصود ليس تحريك عمل اللجنة الدستورية، التي يكاد المجتمع الدولي يفقد الأمل في وصولها إلى نتائج بسبب تعنّت النظام والروس، فقد أوضح السفير الفرنسي أنّه يحثّ المبعوث الخاص على "أن يوضح لمجلس الأمن إذا وجد نفسه غير قادر على النهوض بعمل اللجنة الدستورية"، وهو بهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص لإطلاق مبادرة جديدة خارج الأطر المستندة إليها العملية السياسية الآن، أو في طريقة جديدة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة فعليّاً.

ظهر شيء من نتائج هذا الضغط في مجلس الأمن على الأمين العام والمبعوث الخاص، بإرسال فريق يمثّل الأمين العام إلى إدلب، واختلاف في طبيعة ووتيرة التصريحات الصادرة عنهما، حيث يتبيّن منها مزيد اهتمام لم يكن موجوداً سابقاً، لكن ما هي الآفاق المتاحة أمام هكذا مبادرة؟ وما هي المضامين التي ستأتي بها؟ وكيف يمكن تمهيد السبيل لإطلاقها؟

الأمين العام للأمم المتحدة محشور في سوريا، ومع أنّ وظيفته هي "أكثر وظيفة مستحيلة في العالم"، كما وصفها "تريغف لي" أول أمين عام للأمم المتحدة أثناء تسليم المنصب لخلفه "داغ هامرشولد" إلا أن وظيفته تعطيه صلاحيات مهمة تتمثل بقدرته على تنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد السلم العالمي، واقتراح قضايا على الجمعية العامة أو أي هيئة أخرى من هيئات الأمم المتحدة لمناقشتها، والاضطلاع بدور “الحكم” في النـزاعات بين الدول الأعضاء، وسيكون دخول الثورة السورية عامها العاشر مناسبة جيدة لتذكير المجتمع الدولي بفشله في معالجة الملف السوري، رغم امتداد آثاره خارج الحدود، وتسببه بأكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية، وحاجته إلى التعامل معه بشكل مختلف تماماً.

تتحضّر الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لوضع نهاية لمسار أستانا، وهي بدأت ذلك فعلياً برفض نقل نتائج اتفاق 5 آذار/مارس بين الرئيسين الروسي والتركي حول إدلب، إلى مجلس الأمن، وللاعتقاد الراسخ مسبقاً بفشل تطبيق هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة مطالبة بالاستجابة لحزمة اقتراحات قدّمها خبراء الحرب لتسهيل الانتقال إلى وضع جديد في سوريا وبشراكة مع تركيا خصوصاً.

الأمر الأول: أنه يجب على الولايات المتحدة تقديم دعم مالي وإنساني وعسكري محدود لمساعدة تركيا على إنشاء منطقة سيطرة يمكن الدفاع عنها على الجانب السوري من الحدود حيث يمكن لمنظمات المساعدة الدولية أن تقدم الإغاثة الإنسانية للسكان النازحين الضعفاء.

الأمر الثاني: أنه يجب على الولايات المتحدة توفير أنظمة الصواريخ باتريوت لمساعدة تركيا على إنشاء منطقة حظر جوي فوق إدلب. وتقييم طلبات تركيا في الدعم العسكري الإضافي الذي قد تحتاجه.

الأمر الثالث: قيادة جهود جديدة لجمع التبرعات لإنشاء صندوق مساعدات إنسانية للسكان النازحين منذ عدة سنوات، والعمل مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى لزيادة المساعدات الإنسانية الحيوية إلى إدلب، بما في ذلك الإمدادات والمعدات اللازمة للتصدّي لتفشي فيروس كورونا أو الأمراض المعدية الأخرى بين النازحين، وتقديم الدعم اللازم لمساعدة وكالات الأمم المتحدة في إنشاء ملاجئ إضافية وأكثر ديمومة.

الأمر الرابع: ممارسة الضغط الدبلوماسي على روسيا من خلال مجلس الأمن الدولي عبر تقديم قرار يحدد ويدين جرائم الحرب في إدلب ، بما في ذلك التهجير المتعمد للمدنيين. ورغم أنه ستستخدم روسيا حق النقض ضد القرار، لكنّ إجبارها على ذلك سيضع شروطًا سياسية تعزّز الموقف الدفاعي لتركيا.

سيكون مقابل ذلك مطلوباً من تركيا التخلّي عن صفقة نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 ، وترك مسار أستانا في ظل الهيمنة الروسية عليه، والعودة للالتزام بالعملية التي تقودها الأمم المتحدة، والموافقة على عملية جديدة للمفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة حول نتائج شمال شرق سوريا.

هذه التحرّكات ستسهّل الطريق أمام الأمين العام لجمعها لتكون أساس مبادرة أممية تتبنّاها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، من المحتمل أن يُعهد فيها إلى تركيا بإنشاء منطقة حظر جوي في الشمال بدعم غربي، وتحويلها لمنطقة آمنة تستوعب النازحين، وتحول دون عبورهم الحدود، مع إمكانية إعادة بعض اللاجئين إليها.

يبدو أنّ رياح التصعيد الغربي قد بدأت تهبّ فعلاً اتجاه روسيا ونظام الأسد، في البيان المشترك الأمريكي البريطاني الفرنسي الألماني الصادر قبل قليل، والذي تطالب فيه هذه الدول "نظام الأسد بوقف القتل الوحشي، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، وستظهر نتائج هذا البيان الرباعي قريباً في أروقة مجلس الأمن الدولي.