الجمعة 2018/08/17

لهذا السبب أرسلت الولايات المتحدة وفد “ب ي د” إلى دمشق؟

كمدخل لهذا الموضوع فإن الرأي السائد وسط المتابعين والمحللين السياسيين أنه لن يخرج أحد قريباً من سوريا، لا روسيا، ولا الولايات المتحدة، ولا إيران، ولا تركيا، ولا القوات الفرنسية والبريطانية والألمانية والإيطالية، ولا المليشيات اللبنانية أو العراقية أو الأفغانية، الجميع سيبقى لأسبابه، وليكون وجوده ورقة يساوم بها لتحقيق مصالحه.

كذلك الرأي السائد الآن أن العلم الكردي لن ينزل بعد مئة عام عن شمال شرق سوريا، بالطبع هي ليست اتفاقية سايكس بيكو جديدة بعد مضي مئة عام على الاتفاقية الأولى التي اقتسمت فيها الدول الاستعمارية المنطقة العربية شرق المتوسط، فالعهد الاستعماري حسب مفهوم الاتفاقية ولّى، لكن أدوات الرسم التي استخدمت فيها عادت للظهور مرة أخرى لكن بيد الرسّام الأمريكي وريث الأوربيين هذه المرة، وبتواطؤ الطرف الروسي الذي رعى الاتفاق الفرنسي البريطاني الأول.

بعد قمة ترامب بوتين في هلسنكي تغيرت الخارطة السورية بشكل عنيف، فالجنوب صار بكامله تقريباً بيد النظام، وهذا الأخير يريد أن يفعل شمال غرب البلاد في محافظة إدلب ما فعله بشكل مطابق في جنوبه، والروس والإيرانيون يضغطون باتجاه أن يكون الجيش الوطني-المكون من فصائل الشمال مع ما انضم إليها من الفصائل التي رفضت المصالحات في مناطق أخرى-نسخة مطابقة تماماً للفيلق الخامس بقيادة شخص يشبه "أحمد العودة" في الجنوب، وعرّاب للصفقة يشبه "خالد المحاميد" أيضاً. هذه هي النهاية المألوفة لكل القصص السابقة مع فارق عدم وجود باصات ترحيل خضراء.

دار الحديث مرات عديدة عن تقسيم مؤقت لسوريا إلى أربع مناطق نفوذ، ثلاث منها للمعارضة: شمال غرب، وجنوب غرب، وشمال شرق، ورابعة هي باقي البلاد للنظام، لكن بالموازاة كان الحديث يجري عن مخاطر السماح للعرب السنّة بإدارة أي منطقة نفوذ بذريعة إمكانية التعاطف مع المنظمات المصنفة إرهابية كتنظيم الدولة وجبهة النصرة، باعتبار أن الغالبية العظمى من المنضمين لهذين التنظيمين من أبناء العرب السنة، ويبدو أن هذا المنطق هو الذي ساد في النهاية، وعليه تم تصفية الجنوب، وعلى غراره سيتم تصفية الشمال.

النهاية غير المألوفة ستكون في المنطقة الشرقية والسبب واضح، فهي تحت سيطرة القوات الكردية المدعومة أمريكياً، والأمريكيون حسموا قرارهم في البقاء فيها إلى أجل غير محدود، وقد ظهرت عدة مؤشرات تدل على هذا القرار:

١- تكرار تصريحات الإدارة الأمريكية أنها لن تسحب قواتها من المنطقة الشرقية إلا بعد تحقيق أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية المتمثلة بهدفين رئيسيين أولهما القضاء على الإرهاب، والثاني تحجيم النفوذ الإيراني.

٢- ظهور تقارير أمريكية تتحدث عن الأعداد الكبيرة التي تبلغ عشرات الآلاف من أعضاء تنظيم الدولة لا يزالون منتشرين في المناطق الممتدة على جانبي الحدود العراقية السورية.

٣- استمرار التصعيد الأمريكي ضد النظام الإيراني، وتشديد العقوبات الاقتصادية عليه، وبالتالي استمرار السعي لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة كلها.

٤- التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وتركيا يدفعها للحفاظ على الورقة الكردية كورقة ضاغطة على تركيا.

٥- استمرار الولايات المتحدة في بناء قواعد عسكرية جديدة لها في المنطقة.

لكن كيف نفسّر إرسال الولايات المتحدة وفد المليشيات الكردية إلى دمشق مرتين متتاليتين في خطوة اعتبرها الكثيرون نوعاً من تخلّي الولايات المتحدة عن هذه المليشيات كما تخلّت قبل فترة قريبة عن فصائل الجنوب؟

الولايات المتحدة تريد استنساخ إقليم كردستان العراق في سوريا، ولذا تريد حصوله على الشرعية القانونية اللازمة له من دمشق كما حصل إقليم كردستان العراق على شرعية وجوده القانونية من بغداد، وبالتالي سيكون وجود قواتها ودبلوماسييها وشركاتها الاقتصادية والنفطية قانونيا حين يتم بطلب من إدارة الإقليم، والمنطقة الشرقية تحتوي معظم ثروات سوريا ومواردها الزراعية والحيوانية والنفطية والمائية، ويحتاج شركاء الولايات المتحدة الأوربيون والخليجيون لهذا الغطاء القانوني حين يبدؤون مشاريع إعادة إعمار ضخمة لما يمكن تسميته "سوريا المفيدة"، تاركين الروس والإيرانيين يتخبطون في باقي المناطق وعاجزين عن إعادة إعمارها بسبب اقتصادياتهم المتواضعة مقارنة باقتصاديات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج الغنية.

ستتابع الولايات المتحدة الضغط على دمشق بشتى الوسائل لمنح الأكراد هذا الاعتراف إن كان بصلاحيات موسعة حسب القانون 107، أو باتفاقية خاصة تبرم بين الطرفين، فهل ستنجح في ذلك؟