الثلاثاء 2018/07/24

لماذا ينشر الأسد “قوائم الموت” في هذه المرحلة؟

لماذا ينشر النظام بعد قمّة هلسنكي بين الرئيس الروسي بوتين، والرئيس الأمريكي ترامب، قوائم المعتقلين الذين قتلهم في سجونه ومعتقلاته؟ الملف السري المحكم الإغلاق، الذي عجزت كل جولات جنيف وأستانا عن فتحه.

كان الوسيط الدولي "ديمستورا" يكرر دائماً أن هذا آخر ملف يمكن أن يفتحه النظام، نعم فملف المعتقلين أحد الملفات عالية الحساسية، إن لم يكن من أخطرها على الإطلاق، يقارب في خطره على النظام ملف استخدام الكيماوي، فالمعتقل هو الشاهد الحي على عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب الممنهجة، ورغم أن ملف المعتقلين كان ملفاً رئيسيا في مسار أستانا إلا أن نسبة التقدم فيه بقيت معدومة تقريبا، النظام أبلغ الروس الضامنين أنّ "رانيا عبّاسي" الطبيبة المعتقلة التي طالب بها وفد أستانا العسكري، إنّما هي شخصية خيالية لم تكن موجودة على قوائمه يوماً ما، رغم أن رانيا بطلة سوريا، وبطلة العرب في لعبة الشطرنج، اعتقلها النظام وأطفالها الستة وزوجها من منزلهم حسب شهود عيان.

هو الأمر المتوقع من النظام ألا يُخرج إلى العلن أدلة تدينه، ريثما يتوصل إلى تسوية يحصل بها على حصانة من الملاحقة الدولية بسبب هذا الملف.

قد يكون مضمون ملف المعتقلين تقليديا كما هو في بلدان أخرى عانت من مثل هذا الصراع، انتهاكات يصعب حصرها، لكن بلا شك سيكون حجمه الهائل جدا هو الملفت للنظر. تشير بعض الأرقام إلى مئات آلاف المعتقلين.

النظام بدأ بإبلاغ ذوي المعتقلين أنهم ماتوا! هل توصّل النظام إلى صفقة من هذا النوع، ومع من؟ أم إنه يرى نفسه قوياً اليوم ولا يخشى المحاسبة؟ هل فتح الملف مكرهاً بضغط من روسيا لإنجاح مسار أستانا؟

المتابعون يؤكدون أن النظام كان يغطي خطواته دائما بطريقة قانونية، وإن كانت قوانين تحت الطلب، أو على مقاس جرائمه، لكنها في النهاية قوانين دولة معترف دولياً بقوانينها الوطنية، من ذلك قانون الاستملاك على سبيل المثال، وهو في قضية المعتقلين الذين كانوا يفارقون الحياة في سجونه ومعتقلاته فعل نفس الشيء، فلسنوات خلت كان يصدر شهادات وفاة المعتقلين من مشافيه الحكومية، ويسلّمها لعائلة المعتقل مع هويته الشخصية.

*كيف يجب التعامل مع قوائم الموت التي يصدرها النظام؟*

مضى عام كامل على التقرير الذي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية حول اتهامات الولايات المتحدة لنظام الأسد بالتستر على عمليات القتل الجماعي في سجن صيدنايا. وأن وزارة الخارجية الأمريكية اتهمت النظام بإنشاء محرقة للتغطية على الجرائم التي كان يقوم بها في السجن صيدنايا قرب دمشق، كما إن وزارة الخارجية نشرت "صورا صادمة التقطت من الجو، لبناية يبدو أنها خصصت لحرق الأجساد في السجن سيئ السمعة".

كانت هذه هي الأفران الضخمة التي تلقى الجثث فيها، لإخفاء آثار الجريمة، وعدم ترك مقابر جماعية تدين النظام مستقبلاً حال اكتشافها. لذا يجب أن يكون أول مهام المعارضة ولجان حقوق الإنسان المطالبة بتسليم جثث الضحايا التي يعترف النظام بموتها، أو الكشف عن أماكن دفنها، ومطابقتها للحمض النووي للضحايا.

في تقرير "منظمة العفو الدولية" تحت عنوان: "المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسوريا" قالت "لين معلوف" نائبة مدير قسم البحث بمكتب المنظمة في بيروت: "لا يجوز السماح باستمرار قتل آلاف السجناء العزل بصورة وحشية داخل سجن صيدنايا، مع ما يرافق ذلك من برامج ممنهجة، صُممت بعناية لإلحاق التعذيب البدني والنفسي بهم. ولا بد من جلب المسؤولين عن هذه الجرائم الوحشية للمثول أمام القضاء".

*هل خطّط النظام للإفلات من الملاحقة القانونية؟*

قد يلجأ النظام إلى أحد الأساليب التالية للإفلات من العقاب:

١-التذرع بأن الضحايا جميعهم إرهابيون وأنهم قتلوا خلال العمليات العسكرية في حرب النظام على الإرهاب، كما يفعل التحالف الدولي وروسيا.

٢-أن القتل وقع بسبب عمليات انتحارية أو قصف شنّها إرهابيون على مراكز الاعتقال. كما حدث في تفجير القزّاز بدمشق في المربع الأمني الذي يضم بعض أكبر أماكن الاعتقال: فرع الدوريات، وفرع فلسطين.

٣-أن القتل وقع في مراكز محددة للاعتقال وأنه لم يكن ممنهجا، بل بشكل تجاوزات وليس بأوامر من "القيادة العليا"، وأنه مستعد لتقديم المتورطين بهذه التجاوزات للمحاكمة. ثم يتخلّص منهم تدريجيا كما فعل في ملف "رفيق الحريري". رستم غزالة مثالاً.

٤-تقديم تقارير طبية تثبت أن الوفيات طبيعية بسبب نوبات قلبية أو أمراض مزمنة وغيرها من الأسباب.

مع كل هذه الإجراءات التي يمكن أن النظام خطط لها وعمل عليها، إلا أنه لن يغامر دون ضمانات دولية قوية، فهل حصل الأسد على صفقة ما؟

تعتبر الأجهزة الأمنية لنظام الأسد من الأجهزة العريقة في الإجرام بالمنطقة، وأثبتت قدرتها العالية على اختراق التنظيمات المعارضة السياسية والعسكرية على حد سواء، وأن لها

يداً في إنشاء التنظيمات الإرهابية وخصوصا بعد حرب العراق، ومن ذلك تنظيما القاعدة والدولة، وأن النظام يملك قاعدة بيانات مهمة لهذه التنظيمات، وأنه من خلالها عقد شراكات مع الأجهزة الأمنية الأوروبية وغيرها لتبادل هذه المعلومات، وقدّم خدمات عديدة لمنع وقوع هجمات إرهابية في أوروبا، إضافة إلى أنه أنشأ سجونا سرية استقبل فيها معتقلين من أوروبا وأمريكا وحصل على اعترافات منهم حسب طلب الأجهزة الأمنية للدول التي أرسلتهم.

ضمن هذه المعطيات يستطيع النظام الحصول على صفقة من هذه الدول مقابل عدم فضح ملفات التعاون السرية "القذرة" التي كانت تجري معه.

في هذه الحالة قد تجري محاكمات صورية أمام الرأي العام العالمي تمتد لسنوات طوال دون الوصول إلى قرارات إدانة، فالمحكمة الخاصة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني "الحريري" بعد ثلاثة عشر عاماً لم تتوصل إلى شيء وهي قضية لضحية واحدة، فكيف بهذا العدد الكبير من الضحايا؟

أو يساق متهمون للمحاكم الدولية، لكنهم يموتون وهم ينتظرون صدور نتائج محاكماتهم كما جرى مع الصربي "ميلوزوفيتش" إثر حرب البوسنة.

*هل الأمر بضغط روسي؟*

الروس يريدون نجاح مسار أستانا، هو الملف الوحيد المفتوح فعليا، وتحقيق إنجاز في ملف المعتقلين فيه سيزيد كثيرا من فرص نجاحه، والنظام قد يكون رضخ مضطرا لهذا، لكنه سيضع العراقيل أمامه ليحقق مكاسب مهمة فيه مثل:

١-الحصول على ضمانات من الروس بعدم الملاحقة الدولية.

٢-الضغط على المعارضة لتسليم المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين.

٣-من المتوقع أن النظام يحتفظ بكثير من جثث قتلاه في المشافي أو في مقابر جماعية، ولا يزال يوهم ذويهم بأنهم مفقودون أو معتقلون لدى المعارضة، كما فعل في الغوطة، وسيضغط على المعارضة للاعتراف بمسؤوليتها عن قتلهم، وأنهم كانوا بحوزتهم كل تلك الفترة الماضية تجنبا لغضب مواليه.، وخصوصا في مناطق الساحل.

٤-فرض مشروع مصالحة بدل العدالة الانتقالية بذريعة تساوي الانتهاكات على الطرفين.

جولة أستانا 10 ستعقد في مدينة سوتشي الروسية 30تموز/يوليو الجاري، وهي ستعطي ملامح أولية عن حقيقة نيات النظام من خطوته التي أقدم عليها.