الأحد 2018/08/19

روسيا تعمل على تخريب المشروع “الأمريكي الكردي” شرق سوريا


مركز الجسر للدراسات...


روسيا تضغط لإقناع تركيا بفتح طريق لخروج جميع الفصائل المقاتلة في إدلب بما فيها "هيئة تحرير الشام"، وعبور الفرات إلى المنطقة الشرقية لتخريب المشروع الأمريكي الكردي هناك، وستطلب من تركيا فك نقاط المراقبة تمهيداً لدخول قوات النظام إلى إدلب، هذا ما توصّلت إليه مراكز الدراسات التابعة للاستخبارات، ولوزارة الدفاع الأمريكية.

ما حدث في الجنوب تتحمل الولايات المتحدة الجزء الأكبر منه، رسالتها للفصائل بأنها تخلّت عنهم كان سبب السقوط المتسارع للجنوب، وتحوّل قسم من تلك الفصائل إلى مليشيات تابعة للنظام باسم الفيلق الخامس، وتقاتل إلى جانبه تنظيم الدولة، فيما رحل نحو الشمال قسم رفض هذا الحل.

الدافع الأمريكي في الجنوب كان الرغبة الإسرائيلية بعودة الهدوء الذي ساد الحدود المشتركة مع نظام الأسد طيلة عقود، وثبت خلالها الموثوقية العالية بهذا النظام في حفظ أمن واستقرار هذه الحدود.

الآن في الشمال وفي إدلب تحديداً تتعدد السيناريوهات والاحتمالات، لكن يبدو أن ثمة شيئاً يدور في الخفاء وتخشاه الولايات المتحدة، وهو قد يكون أحد دوافعها في إرسال حليفها في المنطقة الشرقية مليشيات "ب ي د" الكردية إلى دمشق المرة تلو المرة للتفاوض معها، لا بأس هنا بمقارنة الدافع الإسرائيلي في الجنوب مع الدافع الكردي في الشرق، كلاهما يحقق المصالح الأمريكية، لذا يجب حمايته بنفس الطريقة.

التحرك الدبلوماسي الروسي المحموم يقلق دوائر الدفاع والاستخبارات الأمريكية، 14 وزارة روسية بما فيها الخارجية تعمل تحت إمرة وزارة الدفاع لرسم الحل النهائي في سوريا. روسيا قدمت خطة مغرية لجميع دول العالم لترحيل اللاجئين خلال فترة قصيرة قد لا تتعدّى الشهرين من الزمن، وهي جهّزت مراكز الإيواء لاستقبالهم، وتعمل على إقناع دول اللجوء بالمساهمة في إعادة إعمار سوريا.

أمام روسيا عقبة وحيدة الآن هي إدلب، وترى أن توتر العلاقات التركية الأمريكية المتصاعد يساعد على تحقيق خطتها في إدلب المتمثلة بـ:

تأمين كامل لخط النار الفاصل بين إدلب والمنطقة الساحلية، وسهل الغاب، حيث تنتشر حاضنة النظام الأساسية، فالمتوقع حين بدء شنّ عملية عسكرية، فإن "هيئة تحرير الشام" على وجه الخصوص ستقوم بقصف القرى العلوية المجاورة، وفي حال امتداد المعركة لفترة طويلة فسيشكل هذا عبئاً وضغطاً كبيراً على النظام.

بذريعة وجود "عناصر إرهابية" سيتم الطلب من تركيا عدم الوقوف في وجه الحملة العسكرية الواسعة لاجتياح إدلب، فالإرهاب لا يمكن حمايته، وبهذا تريد روسيا تحييد فصائل الجيش الحر في بداية هذه المعركة، بل الطلب منها كما حدث في الجنوب تشكيل "فيلق خامس" يشارك في قتال "الهيئة".

ولعدم حدوث صدام مع قوات المراقبة التركية أثناء تقدم قوات النظام ستطلب روسيا من تركيا تفكيك نقاط المراقبة التي أنشأتها داخل سوريا، بذريعة أن اتفاقية خفض التصعيد قد انتهى العمل بها، ولأنها بالأصل لا تشمل مناطق تنتشر فيها "عناصر إرهابية".

وبسبب ما تعتبره روسيا "حقاً قانونياً" للنظام في استعادة كافة أراضيه، فإنها ستعرض المصالحة على عناصر الجيش الحر في المنطقة، وإلى جانب ذلك ستطلب من تركيا فتح طريق للرافضين للمصالحة مع النظام وتسوية أوضاعهم لعبور الفرات والتوجه نحو المنطقة الشرقية، طبعاً سيكون على رأس القافلة عناصر "هيئة تحرير الشام" كما حصل في حلب، وفي كل مرة قبلها وبعدها.

في حال اختيار "الهيئة" القتال ورفضها الخروج شرقاً، فالقصف التمهيدي الشديد لمدينة إدلب سيضعها تحت ضغط شعبي هائل يطالبها بالخروج من المدينة وتجنيبها مصير "غروزني" الشيشانية، وبهذا سيتم محاصرتها في جيب جبلي صغير.

الروس سيطرحون أنه يمكن الاستمرار بمشاريع الإدارة المدنية التي بدأتها تركيا شمال غرب البلاد، بحيث تحافظ على مصالحها وخصوصاً ما يتعلق بالأمن وحفظ الحدود ومنع عودة المليشيات الكردية إلى عفرين، وكذلك بإعلان المنطقة أنها آمنة، ويمكن لعدد كبير من اللاجئين الراغبين بالعودة إلى ديارهم مغادرة المخيمات والمدن التركية متوجهين إلى سوريا، كما يمكن للنازحين داخلياً كذلك العودة إلى مدنهم وقراهم التي نزحوا منها.

في حال تمّ عبور الفرات شرقاً للهيئة ولفصائل الجيش الحر، فهذا يعني بدء المواجهات مع المليشيات الكردية المنتشرة هناك، والتي تَعتبر نفسها هي الحاكم الفعلي للمنطقة، وهذا يعني تخريب المشروع الأمريكي الكردي وضرب الاستقرار ومشاريع إعادة الإعمار التي تسعى إليها الولايات المتحدة بالتمويل الخليجي الذي بدأت تظهر بوادره، والنظام بحاجة شديدة إلى ثروات المنطقة لترميم اقتصاده المنهار، لذا هو يتشدد في مفاوضاته مع وفد "ب ي د"، في دمشق، ويرفض إعطاءهم أي دور في حكم ذاتي للمنطقة الشرقية.

الروس أثبتوا نجاح خططهم في حلب وفي ريف حمص الشمالي، وفي الغوطة، وأخيراً في الجنوب، فهل سينجحون هذه المرة في إدلب؟