الجمعة 2019/12/13

المساعدات الإنسانية إلى سوريا: لعبة روسيا القادمة بعد فشلها في اللجنة الدستورية

 بعد أقل من شهر، سينتهي العمل بالقرار 2245 الذي صدر عن مجلس الأمن في مثل هذا اليوم 13 كانون الأول/ديسمبر 2018، والذي قرر فيه "أن الوضع الإنساني المروّع في سوريا لا يزال يشكّل خطراً يهدّد السلام والأمن في المنطقة" وقرر كذلك "تجديد الإجراءات التي قررها في الفقرتين  2 و 3 من قراره 2165 (2014) لمدة اثني عشر شهراً إضافيّة أي حتى 10 كانون الثاني/يناير 2020.

تحدّث القرار يوم صدوره منذ عامين عن أكثر من 13 مليون شخص في سوريا هم الآن بحاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، بما في ذلك "المساعدة الطبية"، وتعرّض القرار إلى مجموعة من الضوابط والمعايير التي يجب أن تجري عمليات المساعدة الإنسانية وفقها.

على رأس ذلك أن تكون "على أساس تقييم الاحتياجات الذي تقوم به الأمم المتحدة، وفي منأى عن أي تحيّز أو هدف سياسي" و"ضمان أن يكون تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية، بما في ذلك في مرحلة التوزيع، محايداً وغير تمييزي، وقائماً على الاحتياجات، وأن يكون الأشخاص الأكثر احتياجاً هم المستفيدين من تلك المساعدات والخدمات، دون أن يُستولى على شيء منها" و"أهمية وصول شحنات المعونة الإنسانية إلى المستفيدين المقصودين بها".

كان القرار 2165 في فقرته الثانية قد قرر "أنّ الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وشركاءها المنفّذين يُؤذن لها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع، والمعابر الحدودية باب السلام وباب الهوى، واليعربية والرمثا، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل" "مع إخطار السلطات السورية بذلك" ، كما قرر في فقرته الثالثة على أنّ مجلس الأمن "يُنشئ تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، آلية للرصد، تقوم بموافقة البلدان المعنية المجاورة لسورية، بمراقبة تحميل جميع شحنات الإغاثة الإنسانية" "من أجل تأكيد الطابع الإنساني لشحنات الإغاثة هذه".

بالطبع لا بدّ من التذكير بأن نظام الأسد وحلفاءه الروس قاموا بقصف قوافل المساعدات الإنسانية الأممية أكثر من مرة، رغم إخطارهم المسبق بطابعها الإنساني، وامتنع النظام عن منح أذونات الدخول للقوافل، وعمل على تفتيش أخرى ونزع المواد الطبية منها، إضافة للعثور على الكثير من هذه المساعدات في مقرات الشبيحة، والميليشيات المرتزقة التابعة للنظام.

بسبب الاعتداءات المتكررة على القوافل الإنسانية أعلن مجلس الأمن في قراره 2286 (2016) " اعتزامه كفالة أن تكون الولايات المنوطة بعمليات حفظ السلام المعنية التابعة للأمم المتحدة قادرة عند الاقتضاء وعلى كل أساس على حدة، على المساعدة في تهيئة بيئة آمنة تسمح بإيصال المساعدات الطبية، وفقاً لمبادئ العمل الإنساني"

مجموعة من قرارات الأمم المتحدة كانت تمدد العمل بإدخال المساعدات الإنسانية، وقبل وقت كافٍ من انتهاء تاريخها، لكن هذه المرة إلى الآن لم يصدر قرار بالتمديد، فهل هناك احتمال بعدم صدور قرار جديد، أو التهديد بفيتو روسي ضده حال عرضه على التصويت، أو وجود شروط روسية للموافقة على تمريره؟

الانهيار الاقتصادي للنظام وصل حدّاً يعجز فيه  عن الإنفاق على حربه الوحشية على الشعب السوري، حيث ضيّع موارد الدولة كلها في شراء الأسلحة، وتبديد الأموال على الأجهزة الأمنية والعسكرية، والقوات شبه العسكرية التابعة له، إضافة للميليشيات المرتزقة من الروس والإيرانيين والعراقيين واللبنانيين الذين يدفع لهم رواتب عالية مقابل دعمه وحمايته من السقوط، ومقابل هذا حرم الشعب السوري من تلك الموارد، مما جعل الغالبية الساحقة منهم تحت خط الفقر.

روسيا إثر انعقاد الجولة الأولى للجنة الدستورية طالبت برفع العقوبات الاقتصادية المضروبة على رموز النظام والكيانات والمؤسسات المتورطة في الجرائم والانتهاكات المستمرة في البلاد، وطالبت بتمويل مشاريع إعادة الإعمار بحجة أن عملية التسوية السياسية بدأت، لكن رد المجتمع الدولي كان واضحاً في أن هذه الخطوة الواحدة وغير الجدية ليست كافية لتلبية هذه الطلبات، وأنه لا بدّ من تنفيذ الخطوات الأخرى المنصوص عليها في القرار 2254 في ما يتعلّق بالحكم أو ما كان يسمّى قبل هذا القرار هيئة الحكم الانتقالي، إضافة لتهيئة البيئة الآمنة والمحايدة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد.

بعد هذا الفشل روسيا أولاً عطّلت الجولة الثانية للجنة الدستورية، ثم ألمحت في بيان أستانا 14 إلى ما يشير لوضعها قضية المساعدات الإنسانية موضع الابتزاز والمساومة الدولية، وورقة ضغط على مجلس الأمن لتعديل قراراته السابقة بحيث تصبّ في مصلحة النظام حين يتحكّم بدخول هذه المساعدات ويوزّعها على شبّيحته المقاتلين، ويحرم منها المدنيين سواء كانوا في مناطق سيطرته أو خارجها، فهو يخشى انقلاب هؤلاء المقاتلين عليه ما لم يلبِّ احتياجاتهم التي هو بالأصل يعجز عن كثير منها الآن، لذا ستكون المساعدات الإنسانية وسيلة وأداة مهمة لاستمرار كسب ولائهم.

أستانا 14 تضمّن الحديث عن دخول المساعدات الإنسانية مع إضافة قيود إليها أن تكون " لجميع السوريين في جميع أنحاء البلاد دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة" الشروط المسبقة التي يقصدها الروس هي التي وردت سابقا:

  • أن تكون "على أساس تقييم الاحتياجات الذي تقوم به الأمم المتحدة، وفي منأى عن أي تحيّز أو هدف سياسي" .

  • "ضمان أن يكون تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية، بما في ذلك في مرحلة التوزيع، محايداً وغير تمييزي، وقائماً على الاحتياجات، وأن يكون الأشخاص الأكثر احتياجاً هم المستفيدين من تلك المساعدات والخدمات، دون أن يُستولى على شيء منها".

  • "أهمية وصول شحنات المعونة الإنسانية إلى المستفيدين المقصودين بها".

هذا يعني ضرب عمليات المساعدة الإنسانية برمّتها، فالأمم المتحدة ليست مستعدة لإرسال مساعدات تصل ليد النظام الذي سيتستخدمها لخدمة أهدافه السياسية، ويدعم بها اقتصاده المتهالك، وهذه الإشارة في بيان أستانا تعتبر خطوة استباقية من الروس كيلا يتم اتهامهم في مجلس الأمن بزيادة معاناة الشعب السوري فيما لو تمّ رفض شروطهم وبالتالي توقّف إرسال المساعدات الإنسانية. ولينقلوا هم الاتهام إلى المجتمع الدولي فيما تعطّل تمديد القرار.

الإشارة الثانية في بيان أستانا 14 كانت في الحديث عن تنفيذ المبادرات الرامية "إلى تنظيم مؤتمرات دولية بشأن تقديم المساعدة الإنسانية إلى سورية" هذا يبيّن أن الروس ماضون في فرض شروطهم، ويتوقّعون رفضها، وأنه لو عُرض قرار التمديد على التصويت فسيستخدمون الفيتو ضده، ولذا هم في طور تنظيم مؤتمرات دولية خارج نطاق الأمم المتحدة حول المساعدات الإنسانية.

تزامن قانون قيصر في الولايات المتحدة ليس ببعيد عن هذه المعضلة، فبعد بنود العقوبات على الشخصيات والكيانات والمؤسسات التي تموّل أو تسهّل عمليات القتل والانتهاكات التي يمارسها النظام، أفرد فقرة سمّاها "التنازلات الإنسانية" أجاز فيها للرئيس الأمريكي "أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية التي لا يغطيها التفويض الموصوف في القسم 201 إذا أقر الرئيس ، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين".

إذن الولايات المتحدة وبالطبع الاتحاد الأوربي خلفها يتوقّعون الفيتو الروسي على تمديد قرار المساعدات الإنسانية، والاتهام الروسي لهم بالتسبب بوقفه لعدم تلبية شروط الروس، لذا يأتي قانون قيصر ليأذن بعودة المساعدات الإنسانية من بابها الواسع لكن خارج إطار الأمم المتحدة، وبإشراف الدول المانحة لها مباشرة مما يعني غالباً تركيز ذلك في المناطق خارج سيطرة النظام وخصوصا شمال غرب وشمال شرق البلاد.