الجمعة 2019/09/20

التوتر بين الأسد ودروز سوريا إلى أين؟

العرض الأول لفيلم "دم النخل" في دار الأوبرا بدمشق، الذي حضره بشار الأسد، كان الطريقة التي أراد الأسد من خلالها إظهار موقفه من دروز سوريا، وإرسال رسائله المتعددة، والتي أراد أن تكون أحداث الفيلم جزءاً من رسائله هذه.

"الدروز جبناء" و"العلويون شجعان" لقطة عابرة، ورسالة ممجوجة، وسطحية، وساذجة، لكنها تتناسب تماماً مع طريقة تفكير الأسد الذي يظنّ أنه بذلك سيتمكن من الانتقام من الدروز حين يعمل على تشويه تاريخهم، وتلويث سمعتهم.

لماذا يريد الأسد الانتقام من دروز سوريا؟

منذ استيلائه على السلطة مطلع سبعينات القرن الماضي، لم يخفِ حافظ الأسد عدم ارتياحه لوجود شخصيات وطنية تاريخية في سوريا، وهو الذي أراد أن يبدأ تاريخ ما سيسمّيه "سوريا الأسد" من "حركته التصحيحية". كان على رأس هذه الشخصيات الوطنية "سلطان باشا الأطرش" الذي لا يزال يحتفظ بلقب "قائد الثورة السورية الكبرى" التي اشتعلت شرارتها في الجبل، وأدّت إلى طرد الاحتلال الفرنسي، ونيل البلاد استقلالها.

الأسد الابن ورث أوهاماً كثيرة إلى جانب الحكم الذي ورثه، من هذه الأوهام، أنّ الأقليات في سوريا تؤمن أنّ نظام الأسد هو الذي يحميها من الأغلبية العربية السنّية، وأنّها مدينة له بالخضوع والولاء الكامل مقابل هذه الحماية.

لكن مع بدء الاحتجاجات الشعبية عام 2011 فوجئ النظام بانحياز كل هذه الأقليات إلى جانب هذه الاحتجاجات، أو وقوفها على الحياد، ما عدا الطائفة التي تنحدر منها عائلة الأسد، ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وخروج مناطق عديدة عن سيطرة النظام، واضطراره إلى سحب قواته العسكرية، وأجهزته الأمنية، وفي الوقت الذي كان يفترض حسب نظرية النظام، أن تجد الأقليات في تلك المناطق نفسها في مأزق بسبب انعدام حماية النظام لها، وجدت الأمر معكوساً تماماً، ومضت استناداً لتاريخ العيش المشترك، والعقد الاجتماعي الأصيل الذي استعاد دوره، تمارس حياتها اليومية بطريقة قد تكون أفضل مما كانت عليه أيام النظام الذي كان يمارس عليها معظم -إن لم يكن كل- المضايقات والانتهاكات التي كان يمارسها بحق الأغلبية، مع ضرورة التذكير مرة ثانية أن مفهوم الأغلبية والأقليات سيبقى "ماركة حصرية" لنظام الأسد الذي اخترعها ليضمن استمراره إلى "الأبد" كما هو شعار النظام المعروف.

كان موقف الأقليات هذا من أعظم الأخطار الذي يواجهها النظام، فهي تسحب الورقة التي يسوّق نفسه دولياً بها، ولذا عمل على إثارة الفتن والقلاقل في المناطق التي وقفت على "الحياد" ورفضت أن تشاركه جرائمه، ومن تلك المناطق محافظة السويداء التي استهدفها النظام بسلسلة من التفجيرات، ومن الاغتيالات لرموزها التي أعلنت معارضتها لطريقة تعامله مع الاحتجاجات الشعبية ضده، بدأ النظام باغتيال شيخ العقل الأول للدروز في سوريا "أحمد سلمان الهجري" مطلع العام 2012، ثم الشيخ وحيد البلعوس شيخ "مشايخ الكرامة"، أواخر عام 2015، الذي كان “قائد انتفاضة ترفض الخدمة العسكرية في جيش النظام”. بحسب وصف الزعيم الدرزي اللبناني "وليد جنبلاط" الذي اتهم نظام الأسد باغتياله، كما عمل النظام على إثارة النعرات بين الدروز وبين جيرانهم أهل حوران تارة، أو بينهم وبين البدو تارة أخرى، ثم لجأ إلى بثّ الرعب في مدنهم وقراهم عبر تسهيل الهجمات التي كان يشنّها تنظيم الدولة، والتي أودت بحياة المئات من أبناء جبل العرب إضافة إلى اختطاف عدد من النساء على يد التنظيم في واحدة من أسوأ المشاكل التي تعرّض لها الدروز بسبب النظام.

لا يزال الدروز على موقفهم الذي تأسست عليه مجموعة "مشايخ الكرامة" في رفض التحاق الشباب الدرزي بقوات الأسد، وحصر دورهم في حماية محافظة السويداء والدفاع عنها ضد أي اعتداء، كما إنهم عملوا على إدارة المؤسسات الحكومية لتفويت الفرصة على النظام في زرع عملائه بين صفوفهم بذريعة وظائفهم المدنية.

بهذا الإجماع في الجبل كان من الصعب على النظام إحداث أي خرق في الموقف الدرزي ولو عبر المؤسسة الدينية الرسمية لطائفة "الموحّدين"، إضافة لفشله المتكرر من إحداث خرق من جهة بعض زعامات دروز لبنان، لذا لجأ مطلع هذا الشهر إلى شيوخ الدروز من مرتفعات الجولان المحتلة، حيث تشير بعض التقارير الصادرة في تل أبيب عن رفض السلطات هناك لطلب وفد من شيوخ الدروز للدخول إلى سوريا تحت مسمّى "أسباب دينية" فيما كان الوفد " يعتزم الاجتماع بممثلي حكومة الأسد، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الإسرائيلي".

تحرّك النظام هذا يترافق حسب التقارير الإسرائيلية بمحاولات تدخّل النظام في شؤون دروز الجولان المحتل، وإعادة فتح العلاقات معهم بعد انقطاعها عدة سنوات عقب خروج المناطق الحدودية عن سيطرته.

النظام يهدف من هذه الزيارة كعادته إلى إحداث انقسام في الصف الدرزي يستطيع من خلال القسم الموالي له، الزعم أن هذه هي الإرادة الحقيقية للدروز، وأن المعارضين له يُرهبون أبناء المحافظة ويفرضون هذا الموقف، وأنه لا بدّ أن يتدخّل في لحظة ما لإنقاذهم من هؤلاء "الإرهابيين".

على الدروز أن يعلموا أنهم لن يكونوا بحال من الأحوال استثناء على أجندة النظام، السويداء بالنسبة له لا تختلف عن إدلب، ما دامت خارج سيطرته، وهو يريد استعادتها جميعاً ليعلن انتصاره النهائي في معركته، ما يمهّد الطريق له لاستعادة "شرعيته الدولية".

الوقت يضيق بالنسبة للنظام مع المشاكل التي تمر بها إيران، ويمر بها "حزب الله"، ولا شيء يردعه عن ارتكاب حماقة في قصف السويداء، أو اجتياحها برياً كما فعل في أحياء دمشق، وداريا، ودرعا والقنيطرة، والغوطة والقلمون، ودير الزور والرقة، وحمص وحلب، وأرياف اللاذقية وحماة.

الذي تابع سلوك النظام منذ بدء الاحتجاجات ضده يدرك أنّه سيجتاح السويداء قريباً.