الأحد 2018/07/29

أيّها اللاجئون.. إياكم أن تعودوا إلى آل الأسد

لا تكون العودة إلى الوطن طوعية أبداً عندما تلغي سلطات البلدان المضيفة أية إمكانية أمام حرية الاختيار للاجئين من خلال فرض إجراءات قسرية مثل تقليص الخدمات الحيوية للاجئين، أو إسكانهم في مناطق معادية أو خطرة، أو تشجيع الخوف من الأجانب بين السكان المحليين. أو باستعمال الضغط السياسي ولو بصورة غير مباشرة من خلال إجراءات مثل حملات تزييف المعلومات. في البلدان التي لا تعترف باللاجئين إجراءات مثل عدم منح الإقامة والتشديد في شروط الحصول عليها وفرض الرسوم الباهظة عليها، كذلك فرض قيود مشدّدة في قوانين العمل، أو منع اللاجئ من دخول سوق العمل بشكل كامل، إضافة لإجراءات مثل الحرمان من التعليم في المدارس العامة، أو مراجعة المشافي الحكومية، أو سنّ قوانين منع تجوّل خاصة باللاجئين، أو إيقاف عمل المنظمات الدولية التي توزع المساعدات الإنسانية.

عادة ما تطبّق دول الجوار، التي يصلها العدد الأكبر من اللاجئين بسبب الحروب، كل أو بعض هذه الإجراءات لإجبار اللاجئين الذين عبروا الحدود للعودة إلى دولهم التي فرّوا منها، ستكون هذه إعادة قسرية وليست عودة طوعية.

الإعادة القسرية: يُقصد بها ردُّ الشخص إلى المكان الذي تكون فيه حياته أو حريته مهددتين، ويعتبر مبدأ "عدم الإعادة القسرية" -المبدأ الذي يضمن الطبيعة الطوعية لأي عملية إعادة- حجر الزاوية في الحماية الدولية للاجئين، ورغم أن الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 لا تنصّ صراحة على ذلك، إلّا أنها تستمد مباشرة من مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في الاتّفاقيّة، والذي يحظر إعادة الأشخاص إلى بلدان يخشون فيها على سلامتهم. الإعادة القسرية انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وينبغي أن يخضع مرتكبوها أفراداً وحكومات للمساءلة والمحاكمة وتحمّل تبعات ذلك أخلاقياً وقانونياً.

اللّاجئ: هو كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته، أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك.

من هذا المنطلق سننظر فيما تسوّق له روسيا، ويلقى آذاناً صاغية في بعض البلدان التي لجأ إليها السوريون، هل ما يجري عودة طوعية أم إعادة قسرية؟، وهل هناك إمكانية يحصل من خلالها اللاجئ على أدنى ضمانات دولية من مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تمنحه القليل من الطمأنينة أو الحصانة من التعرّض للاعتقال والتعذيب والقتل، أو تحمي اللاجئة من الاغتصاب والعنف الجنسي والجسدي؟

التقرير التالي مأخوذ بمجمله من نصوص الاتفاقيات والقوانين الدولية الخاصة باللاجئين، لنرى مدى إمكانية تطبيقها إثر حديث الروس عن الظروف الجديدة في البلاد والتي تسمح بعودة طوعية وآمنة لملايين السوريين اللاجئين في مختلف دول العالم!

الذي يحدث إعادة قسرية بكل معنى الكلمة:

حتى لا ينخدع اللاجئون بكلام الروس أو غيرهم فإنّ قانون اللاجئين الدولي لا ينصّ على أحكام تهدف إلى حماية الأشخاص ضمن حدود بلادهم، إذ لا بدّ من أن يكون اللاجئون قد عبروا حدوداً دولية -بحسب التعريف السابق للاجئ -، وفي حال بقائهم في بلادهم، فإنهم يُعتبرون نازحين، وتكون حكوماتهم مسؤولة كلياً عنهم.

واتّفاقيّة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (المعروفة باسم اتفاقيّة اللاجئين) تعطي فقط تفويضاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لحماية الأشخاص الذين عبروا الحدود. ولا يمكن ممارسة هذا التفويض إلا في حالة المنفى. وتتوقّف الحماية التي توفّرها عند حدود دولة المنشأ، وهذا يعني أن اللاجئين من حيث المبدأ يفقدون الحماية التي توفرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عندما يقرّرون العودة إلى وطنهم. إنّ توقّف الحماية التي توفرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عند حدود الدولة الأصلية، تَعتبر العودة غير الطوعية مساوية للإعادة القسرية.

العودة الطـوعية:

عندما يبدأ الحديث عن عملية عودة طوعية يرغب بها اللاجئون دون أي ضغوط إنسانية أو سياسية كما مرّ سابقاً، فهناك شروط مسبقة قبل قيام أي طرف -وخصوصاً مفوضية اللاجئين- بالتشجيع على العودة أهمّها:

1-يجب أن تُظهر الظروف في البلد الأصلي تحسناً عاماً ومهماً لكي تتمكن غالبية اللاجئين من العودة بأمان وكرامة.

2-يجب أن تتعهد كافة الأطراف المعنية باحترام الطبيعة الطوعية للعودة.

3-يجب أن يكون البلد الأصلي قد هيَّأ ضمانات مناسبة تخص سلامة اللاجئين من بينها ضمانات رسمية قانونية أو تشريعية.

4-يجب أن يتوفر لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مطلق الحرية في الوصول إلى اللاجئين والعائدين.

5-يجب تحديد شروط وأحكام العودة في اتفاقيّة عودة مكتوبة ورسمية توقعها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأطراف المعنية.

بعد أن يتمّ توفير هذه الشروط، يمكن لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشجيع العودة، والمشاركة فيها، رغم ذلك فإنّه يتطلّب من المفوضية أيضاً:

1-توفير المعلومات المتعلقة بالظروف في البلد الأصلي، بصورة عامة، وفي المناطق التي سيعود إليها اللاجئون، بصورة خاصة، ويجب أن تكون هذه المعلومات كاملة وموثوقة.

2-توفير المساعدة المادية للعائدين.

3-إبلاغ العائدين بحدود الحماية والمساعدة التي تستطيع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقديمها في هذا الوضع (مثل عدم تواجد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مناطق الإعادة، وعدم وجود اتفاق بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والبلد الأصلي، يحدّد الضمانات بوضوح ...إلخ).

4-إبلاغ اللاجئين بشأن المعوقات التي قد يواجهونها في عودتهم أو إعادتهم.

كلما أمكن، يجب أن تسعى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى تحسين سلامة العائدين في بلدهم الأصلي. وبعد أن تتمّ العودة، يجب أن تحاول المفوضية التفاوض للحصول على ضمانات بالإضافة إلى اتفاقيات بشأن وجودها في المنطقة التي سيعودون إليها.

في حال نجاح مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الحصول على إذن للتواجد في المنطقة التي سيعود إليها اللاجئون، يجب أن تمارس مسؤولياتها في المراقبة قدر الإمكان، بالتعاون مع السلطات المحلية.

الإعادة إلى الوطن في أوقات النزاع:

معنى هذا أنّه في حالة استمرار نزاع ما، فلا يمكن لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشجيع الإعادة إلى الوطن، لكن على غرار ما كان يحدث في عمليات التهجير القسري حيث كانت الأمم المتحدة تسهّل خروج المحاصرين إلى الشمال بطلب منهم، فإن المفوضية هنا يمكن أن تعمل على تسهيل مثل هذه الحركة إذا ما حدثت بقرار من اللاجئين أنفسهم، هذه النقطة فيها ضعف "لا تمكّن الصكوك القانونية الخاصة بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من حماية اللاجئين بفعالية"، ففي حالة قصف مخيم للاجئين، مثلًا، أو قطع إمدادات المياه والطعام عنه، أو انعدام الرعاية الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة، أو وجود ضغوط سياسية أو اقتصادية في بلد الملجأ، "يصعب القول إن حركة السكان التي تنجم عن ذلك هي حركة ذات طبيعة طوعية. ولذلك تكون أحكام القانون الدولي الإنساني في هذا الخصوص أكثر ملاءمة في مثل هذه الأوضاع من أحكام قانون اللاجئين"، وهنا يبرز دور جديد للمفوضية يتمثّل بالتالي:

1-الظروف السائدة في البلد الأصلي (إذ يجب أن يحصل اللاجئون على معلومات موثوقة قبل المغادرة).

2-الوضع في بلد الملجأ (الذي يجب أن يسمح بحرية الاختيار).

ويجب أن تتأكد من أن العوامل التي تدفع اللاجئين إلى العودة إلى بلادهم الأصلية هي العنصر الفاعل، وليست القيود التي تجبرهم على مغادرة بلد اللجوء.

يجب أن يتأكد ممثّلو مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أنهم لا يتحدثون فقط لممثلي اللاجئين. بل يجب أن يتشاوروا وبصورة خاصة مع اللاجئين أنفسهم للتحقق من أن القادة يمثلون حقاً إرادة ومصلحة اللاجئين ككل.

ما هي العودة الآمنة؟

تتميّز العودة الآمنة بالخصائص التالية:

1-هناك شروط قضائية تجعل عودة اللاجئين أكثر أماناً (مثل قرارات العفو، الضمانات العامة لأمن الأشخاص، قوانين عدم التمييز، عدم وجود خطر من عمليات الانتقام أو الاضطهاد نتيجة العودة).

2-ضمان الأمن البدني (الحماية ضدّ الهجمات المسلحة لحمايتهم من التهديد بالألغام الأرضية).

3-ضمان السلامة المادية (الوصول إلى الأرض، ولوسائل العيش العامة ...إلخ).

ويمكن إدخال هذه العناصر في أي اتفاقيات ثلاثية بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، البلد الأصلي، وبلد اللجوء.

ما ذا يعني العودة بكرامة؟

يتضمّن هذا ضرورة احترام شرف وكرامة الأشخاص الإنسانية، ويجب أن يتمكن اللاجئون من العودة إلى الوطن دون شروط، وإذا ما قرّروا القيام بذلك بصورة تلقائية، يجب أن يكونوا قادرين على القيام بذلك بالسرعة التي يريدونها وليس في شكل أرتال حيث يُجبَرون على المسير، ولا يجوز فصلهم عن عائلاتهم، ويجب معاملتهم باحترام، ويتعيّن على السلطات الوطنية قبولهم ومنحهم حقوقهم الإنسانية الشاملة. وعلى المستوى العملي، وبهدف مراقبة احترام مبادئ السلامة والكرامة، يجب على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقييم العناصر التالية:

1-السلامة البدنية للاجئين في كل مرحلة من مراحل عودتهم (على الطريق، أثناء وبعد عودتهم، وعند استقبالهم، وفي وجهتهم النهائية).

2-احترام وحدة عائلاتهم.

3-العناية بالمجموعات الضعيفة (مثل الجرحى والمرضى، والعجَزة، والنساء الحوامل والأطفال ...إلخ).

4-تخفيف الإجراءات الرسمية على الحدود.

5-التفويض الممنوح للاجئين بجلب كافة مقتنياتهم القابلة للنقل معهم.

6-حرية الحركة.

الخلاصة:

حين يعبر اللاجئ الحدود عائداً إلى سوريا، سيواجه الحقائق التالية:

1-تنعدم فرصة الأمم المتحدة بكل منظماتها وقوانينها من تقديم أي نوع من الحماية والرعاية له، داخل الحدود. وحدها فقط قوانين النظام ومؤسساته المخابراتية والعسكرية والخدمية هي التي تتحكّم به الآن.

2-ليس لك بيت في سوريا، غالب البيوت تهدّمت أو احترقت أو لست تحمل سند ملكيتك، أو استملكتها عناصر المليشيات الطائفية، "فالوطن لمن دافع عنه" حسب مقولة بشار الأسد، واللاجئون سيُجمَعون في مراكز إيواء هي حقيقة مراكز اعتقال، وقد يطول المكوث فيها لسنوات، لأن عملية إعادة الإعمار عملية صعبة ولها حسابات دولية معقّدة، وهي لو حصلت سيشوبها الكثير من عمليات الفساد والمحسوبيات.

إعادة إعمار هي "تطوير وتجميل" مناطق الموالاة، ستكون أولاً مكافأة لهم على موالاتهم، وستكون مناطق "المتمردين على النظام" طيّ النسيان لسنوات طوال. هذه هي الهندسة الديموغرافية لصنع "المجتمع المتجانس" كذلك حسب مقولة بشار الأسد.

ليس لديك وثائق تثبت هويتك، الكثير فقدتَها تحت الأنقاض، أو أثناء الهجرة، أو اضطررتَ لاستخراج بدائل عنها، النظام لن يعترف حتى بالوثائق التي صدرت عن جهات رسمية في بلد اللجوء، حتى شهادات الولادة، ووثائق التعليم، النظام لن يعترف بها، وسيُدخلك في سلسلة من المماطلات والإجراءات المشددة كي يبقى اللاجئ في معسكر الاعتقال "الإيواء" قبل السماح له بدخول البلاد فعلياً. في هذه الحال قد يحدث فصل للعائلات عن بعضها، الأزواج عن زوجاتهم بحجة التثبت من عقود الزواج، والأطفال عن أمهاتهم وآبائهم بحجة التثبت من شهادات الولادة.

قد تحتاج في الأيام الأولى إلى مترجم أثناء الاستجواب والتحقيق معك على المعابر أو مراكز الإيواء، فالبلد تغيّر قليلاً، سيحقق معك الروس ثم الإيرانيون ثم الأفغان، وقد تكون هناك أيضاً أجهزة استخبارات غربية بانتظارك، ريثما يتم تسليمك إلى الأجهزة الأمنية "الوطنية"!

كل الذكور في سنّ الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية سيُجبَرون على حمل السلاح والالتحاق بقوات الأسد لقتال "المتمردين" الذين يرفضون إلى الآن الاستسلام والعودة "الطوعية" للعبودية تحت حكم آل الأسد.

الشيء الوحيد الذي سيحصل عليه اللاجئون شهادات وفاة أقاربهم الذين قضوا تحت التعذيب المروّع في سجون النظام الرهيبة، لا جثث ولا قبور، قد يذهب بكم النظام للوقوف على جدارية "المحرقة" التي تحوي رماد الضحايا، ويطلب منكم أن تلعنوا الخونة الذين كفروا بنعمة نظام آل الأسد.. نعم آل الأسد.. فالأسد الوريث يجهّز نفسه لحمل السوط عمّا قريب أو بعيد.