الأثنين 2018/06/18

ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻹﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳا ﻟﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﻛﺴﺐ ﺍﻟﺤﺮﺏ

روبرت فيسك - (الإندبندنت) 31/5/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

عندما تنتهي الحرب، عادة ما يقوم المنتصرون بإعادة رسم الخرائط. هذا ما فعله البريطانيون والفرنسيون مع الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وهو ما فعله هتلر في أوروبا الشرقية عندما ظن أنه يكسب الحرب. وهو ما فعله الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية. وهو ما فعله الإسرائيليون خلال النكبة الفلسطينية في العامين 1947/1948. والآن، وحتى قبل أن يتمكن من استعادة كل سورية، يقوم نظام الأسد ببعض من إعادة الترسيم الخاصة به أيضاً. ليس لحدوده الوطنية، وإنما في داخل مدنه نفسها.

لأن القانون 10 الجديد يدعو إلى ما يبدو طرداً جماعياً من الممتلكات في تلك المناطق من البلد التي ثارت على الحكومة السورية بعد العام 2011. وحتى في داخل حدودها، يزعم الكثير من السوريين أن القانون سيجرد عشرات الآلاف من المواطنين من منازلهم –خاصة في تلك المناطق المسحوقة من مدن البلد الكبيرة، التي حولتها سنوات من الاقتتال إلى ركام أشبه بستالينغراد أو دريزدن أيام الحرب. وسوف يفيد ذلك النظام -واضع القانون- بما أن كل الممتلكات التي لا يطالب بها أحد ستصبح أملاكاً للدولة. فهل هذه هي الطريقة المناسبة لتحقيق "المصالحة" التي يتحدث عنها الروس والدولة السورية نفسها وأنصارها -بقدر كبير من العاطفية؟

قال بشار الأسد العام الماضي: "صحيح أن سورية خسرت أفضل شبابها وبنيتها التحتية... لكنها كسبت من ناحية أخرى مجتمعاً أكثر صحة وتجانساً". هل هذا هو ما يُفترض في القانون 10 أن يحققه؟ لأنه يحرم فعلياً أي شخص كان قد عارض النظام أو يُعتقد أنه عارض النظام، أو أقارب أولئك الذين عارضوا النظام أو أقارب أولئك الذين يُعتقَد أنهم عارضوا النظام، من استعادة ممتلكاتهم. ولنظام القيام بذلك -وآلية القانون- طابعمها الشرير الخاص.

إليكم الطريقة التي يعمل بها هذا القانون. سوف تتم إعادة تنظيم المناطق التي دُمرت في سورية، وتطويرها وإعادة بنائها. وحتى تثبت مطالبتك بالأملاك -متضررة كانت أم مدمَّرة- فإن عليك أن تحضُر شخصياً صحبة وثائق ملكية عقاراتك في غضون 30 يوماً. وكما هو واضح، لا يستطيع أي أحد خارج سورية ويعارض الحكومة أن يفعل هذا -ولا يستطيعه كذلك عشرات الآلاف من أولئك الذين يعيشون خارج حدود سورية لتجنب الخدمة العسكرية الإلزامية، والذين سيواجهون نظرياً -وربما عملياً- مذكرات اعتقال إذا عادوا إلى الوطن.

تحدثت عن هذا القانون مع شخص بارز في غرفة التجارة السورية. وقال، لا مشكلة. يستطيع أصحاب الأملاك تعيين آخرين -من الأقارب أو محامين- ليثبتوا مطالبتهم بالممتلكات. وهذا صحيح. فالأقرباء من الدرجة الرابعة -أبناء العم الثاني، على سبيل المثال- يمكن أن يقدموا هذه المطالبة خلال الثلاثين يوماً نفسها. لكن التفويض بالوكالة نفسه يتطلب تصريحاً أمنياً، والذي لا يُرجح أن يُمنح إذا كان أبناء العم الثاني هؤلاء سيتقدمون نيابة عن أقارب على قائمة "المطلوبين". كل هذا قبل أن نواجه قلة حيلة ملايين السوريين في الخارج من الذين احترقت وثائق ملكيتهم في بيوتهم أو في مباني الحكومة خلال الحرب السورية. فإذا لم تكن لديك أوراق، كيف يمكنك أن تثبت ملكيتك لأرضك؟

حتى لبنان، الذي تضم حكومته متعاطفين مع النظام السوري -الرئيس نفسه واحد منهم- عبَّر علناً عن انتقاده للقانون 10 -بشكل رئيسي لأن بلدهم يستضيف أكثر بكثير من مليون لاجئ سوري، والذين -مثلهم مثل اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا إلى لبنان في العامين 1948 و1967- ربما لا يعودون الآن أبداً إلى الديار. وقال غسان حاصباني، وزير الصحة اللبناني (ونائب رئيس الوزراء) بصراحة لقناة تلفزة سعودية إن الكثير من السوريين في لبنان "فقدوا أوراق هويتهم الشخصية، وبعضهم ممنوعون -بسبب مخاوف على السلامة- من العودة إلى البلد الذي غادروه، خوفاً من مواجهة الاضطهاد".

تقول وكالة الأمم المتحدة للاجئين إن أكثر من 11 مليون سوري قد شردوا داخلياً أو إلى دول مضيفة أخرى خلال الحرب. ووفقاً لمجلس اللاجئين النرويجي، فإن أكثر من 70 في المائة من هؤلاء اللاجئين لا يمتلكون الأوراق الشخصية الأساسية. وهناك تشابهات مؤلمة هنا مع محنة اللاجئين الفلسطينيين في 1947/1948 وعائلاتهم، المحرومين من منازلهم بموجب قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي، الذي يمنع عملياً أي عربي من العودة إلى أرضه داخل إسرائيل الحالية، كان قد طُرد، أو فر أو غادر البلد بعد 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1947.

وبالإضافة إلى ذلك، لم يتلق جبران باسيل، وزير الخارجية اللبنانية –حتى تاريخ كتابة هذه السطور- أي رد على رسالة كان قد أرسلها إلى نظيره في دمشق، وليد المعلم، والأمين العام للأمم المتحدة، وعبر فيها عن مخاوفة الخاصة من القانون. وكتب: "إن عدم قدرة الذين شردوا على إثبات ملكيتهم خلال الفترة المحددة ربما يجعلهم يفقدون ملكياتهم وإحساسهم... بالهوية الوطنية، وهو ما يجردهم من واحد من الحوافز الرئيسية للعودة إلى سورية". وليس الأمر أن لبنان يدافع عن لاجئي سورية؛ إنه يريدهم أن يغادروا فحسب -ويعد القانون رقم 10 عقبة كبيرة أمام ذلك، بما أن القانون ربما يحرمهم من بيوتهم التي يمكن أن يعودوا إليها.

كان اعتراض حاصباني واضحاً ومباشراً: تطبيق القانون الجديد وإطاره الزمني: لماذا تحدَّد فترة 30 يوماً فقط لاستخراج الأوراق والمطالبة بالملكية؟ بالنسبة لخصوم الأسد، الأمر أبسط بكثير. بالنسبة إليهم، يحاول النظام أن يجرد معارضيه الذين هم من المسلمين السنة إلى حد كبير من ملكياتهم، وإعادة بناء المناطق المدمرة التي كانوا يعيشون فيها ثم بيعها بأرباح هائلة. وهذا، كما يقولون، شكل من أشكال التطهير العرقي الطائفي، بما أن الحكومة ستسمح حتماً لحلفائها من المسلمين الشيعية، بمن فيهم الأقلية العلوية، بالعيش في المناطق التي أعيد بناؤها حديثاً.

بالعودة وراء في الزمن إلى العام 2012 فقط، سمح مرسوم تشريعي سوري (رقم 66) للحكومة في دمشق بـ"إعادة تطوير مناطق الإسكان غيرال مرخص والمستوطنات غير الرسمية (الأحياء الفقيرة)". وفي العام نفسه، سمح القانون 63 لوزارة المالية السورية بمصادرة أصول الناس الذين يشملهم قانون مكافحة الإرهاب (مرة أخرى للعام 2012). لكن هذا القانون نفسه يتبنى تفسير النظام لما يعنيه "الإرهابي". هل هو المعارض للحكومة؟ المنتقد للنظام؟ المدني الذي تحول إلى حمل السلاح عندما تعرض بيته للهجوم؟

أحد المزاعم واسعة الانتشار هو أن القانون يمكِّن الإيرانيين من الاستيلاء على أملاك السوريين المنفيين. وبحكم القانون، لا يستطيع الإيرانيون أو غيرهم من الأجانب أن يفعلوا ذلك -لكن الشركات الإيرانية يمكن أن تحوز أملاكاً في حال انضمت إلى عملية إعادة الإعمار، وكذلك تستطيع أن تفعل الشركات الروسية. وهناك إشاعات متكررة في سورية نفسها، والتي تقول إن الشركات الإيرانية اشترت فنادق بجوار مدينة دمشق القديمة، إلى جانب عمارات شقق بالقرب من مسجد السيدة زينب الشيعي في المدينة، وهو مكان يحج إليه الشيعة الإيرانيون والعراقيون. وفي الحقيقة، يشعر السوريون بالقلق من تطلعات إيران المالية في سورية أكثر مما يقلقون من قوات الحرس الثوري الإيراني التي تشغل بشكل كبير ذهن إسرائيل والولايات المتحدة -والتي ربما يكون عدد أفرادها أقل من 3.000 رجل في كل سورية.

الآن، تحاول كل الدول، بطبيعة الحال، أن تزيل آثار الحرب التي تركتها. وكانت إعادة إعمار روتردام -التي أطلقها اللوتفاف في العام 1940- قد بدأت تحت الاحتلال الألماني. ولا يمكن إصلاح عشرات الآلاف من البيوت المدمرة في سورية أو "ترميمها" لأنها مصابة بأضرار لا يمكن إصلاحها، أو، في بعض الحالات، لا يمكن أن يميزها حتى أصحابها الذين عادوا إليها. وتعطي استعادة معظم المدن السورية النظام فرصة لتجريف عشرات الآلاف من البيوت غير المرخصة التي تحيط بدمشق وحمص وحلب، أو ما تدعى "المستوطنات غير الشرعية" المشار إليها في التشريع 66. وكان الذين بنوا الكثير من هذه الهياكل الفقيرة هم الفقراء الريفيون المعدَمون الذين اجتاحوا المدن قبل الحرب وبعد الجفاف الشديد الذي ضرب المناطق الريفية، ثم انضموا إلى الميليشيات المسلحة والإسلامية التي حاولت تدمير الأسد في وقت لاحق.

ليس هناك أي تشريع يذكر لماذا أُجبِرَ هؤلاء الشباب على بناء منازلهم الفقيرة هذه -كان هناك الكثير من الأخطاء في سياسات الحكومة الخاصة بالريف قبل الحرب- ولا كيف تم بناء هذه المباني في المقام الأول. ويعرف السوريون أن هناك رشاوى قد دُفعت. ولكن، لِمن كانت هذه الرشاوى تُدفع في ذلك الحين؟ الآن يمكنكم معرفة السبب في أن هذه القوانين اختارت أن لا تحفر عميقاً في أصول نشوء هذه الضواحي الفقيرة.

ثمة تناقضات. كان حاكم إقليمي واحد على الأقل قد حاول إقناع المواطنين بالبقاء في بيوتهم المدمرة -وأن لا يغادروا في الحافلات التي حملت مقاتلي الثوار إلى إدلب، المحافظة التي أصبحت مزبلة سورية، والتي ستعاني بالتأكيد هي الأخرى من نيرانها وموتها الخاصين في الأشهر المقبلة (إلا إذا أقنعتهم روسيا بالمغادرة إلى تركيا). كان طلال البرازي، محافظ حمص، قد ناشد مدنييها بأن لا يغادروا مع قوافل المسلحين في الحافلات التي رافقها الجيش الروسي في الطريق إلى إدلب أو الحدود التركية في العام الماضي. وكان يصعد إلى الحافلات ويعد ركابها بأن بوسعهم البقاء، وبأنهم لن يتعرضوا للاعتقال أو العقاب -إلى أن قال له رجل دين سني على متن إحدى الحافلات -على حدة- إن المقاتلين الإسلاميين قالوا للعائلات إنها ستتعرض للتصفية إذا لم ترحل عن حمص. ويقال إن البرازي يحتمل كثيراً أن يكون وزير المصالحة التالي في سورية. لكنه سيواجه بالتأكيد مهمة بالغة الصعوبة بعد صدور القانون رقم 10.

وإذن، لماذا العجلة؟ لماذا الآن، عندما ما تزال الحرب بعيدة عن الانتهاء، يكون من الضروري الإلقاء بهذا التشريع في وجه الفقراء واللاجئين والمشردين؟ صحيح أن من المرجح أن تكون هناك عملية إعادة تنظيم لأجهزة الأمن الداخلي، المخابرات، عندما ينتهي الصراع -ويقال إنها سوف توضع تحت سيطرة وزارة الداخلية في دمشق، والتي ربما تحد من أنشطتها ووحشيتها التي بلا رقيب في معظم الأحيان. ويعلم بشار الأسد أن استمرار وجود سورية يأتي فقط من قدرات الجيش السوري القتالية والثمن الذي دفعه -مجموع القتلى العسكريين الآن بلغ 87.000- وبمساعدة الروس. وبعد هذه التضحية، سيكون للجيش دور رئيسي في إعادة بناء سورية.

وإذن، ما الغاية من القانون رقم 10؟ لقد رأينا مصادرة الأملاك في سورية من قبل. فعندما كانت جزءاً من جمهورية ناصر العربية المتحدة (إلى جانب مصر)، تم تأميم المزارع والبيارات، إلى جانب نحو 23 مصرفاً خاصاً وشركات أخرى. وفعل البعثيون الأمر نفسه في الأعوام ما بين 1963 و1965 على نطاق أوسع. وقد انهارت معظم الشركات التي صودرت في تلك الفترة بسبب الفساد وسوء الإدارة.

لكن هذا كله كان صغير النطاق مقارنة بما يفعله القانون رقم 10، الذي يثير أسئلة بالغة الأهمية عن أي نوع من سورية هي التي يريد بشار الأسد أن يراها بعد أن ينتهي سفك الدماء وتدمير الإسلاميين واستعادة كل سورية إلى سيطرة الحكومة. هل سيؤدي هذا إلى خلق "المجتمع الأكثر صحة" الذي تحدث عنه العام الماضي؟ أخمن أن بالوسع اختصار هذا كله في مسألة بسيطة: إن القوانين لا تصنع "المصالحة". والقوانين لا تكسب الحروب. إنها يمكن أن تبدأها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: جريدة الغد الأردنية