الأربعاء 2020/07/22

تقدير موقف عن شرعية الانتخابات في سوريا

"تزوير الانتخابات" واحدة من خصائص نظام الأسد المعهودة عنه في أي انتخابات جرت منذ خمسين عاما في البلاد، رئاسية كانت أو برلمانية أو حزبية، أو مجالس محلية، أو نقابات واتحادات مهنية أو طلابية، فالأمور يجب أن تبقى تحت السيطرة، والانتخابات في سوريا عموماً لا تعدو كونها "قائمة أمنية" توزع من فروع المخابرات السورية، كنتائج مسبقة للصناديق التي لا بدّ من تسميتها بالصناديق الانتخابية.

لا بدّ أيضاً أن الشعب السوري في المناطق التي بقيت ترزح تحت سلطة النظام بعد عشر سنوات من الثورة عليه، كانت تتوقع تغييراً ما في هذا السلوك، وأن تمنحهم العصابة الحاكمة ولو جزءاً يسيراً من المشاركة في السلطة، وهو الأمر الذي لم ولن يحدث بالطبع.

بعيداً عن هذا، فإن النظام في ثلاث محطات أممية ودولية، يقرّ ببطلان أي انتخابات تجري في البلاد قبل عملية الانتقال السياسي، ويفرض على نفسه وصف سلطة الأمر الواقع التي لا تملك دستورية إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية.

ما هي هذه المحطات الثلاث؟

أولاً: مسار جنيف.

مسار جنيف يعتمد على عنصرين رئيسيين فيه، هما بيان جنيف/ 2012، وقرار مجلس الأمن 2254/2015.

بيان جنيف الذي شارك النظام في أول جولة تفاوضية في جنيف على أساسه، وهو ما يعني قبوله به، يؤكد على "خطوات واضحة في العملية الانتقالية " تتضمن:

  • " إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية . وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية . ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.

  • الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد . ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته في الجمهورية العربية السورية من المشاركة في عملية الحوار الوطني. ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضا أن تكون مجدية - أي أن من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية

  • على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.

  • بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.

القرار 2254 الذي شارك النظام على أساسه في كل جولات جنيف التالية زاد على بيان جنيف بوضع جدول زمني لتطبيق خطوات الانتقال السياسي المذكورة في البيان.

ثانياً: مؤتمر سوتشي/2018.

شارك النظام بكثافة في هذا المؤتمر باعتبار أنه أقيم على أرض حليفه الروسي، ومشاركة الأمم المتحدة فيه أضفت عليه صبغة أممية إضافة إلى صبغته الدولية، وصدر عن المؤتمر بيان ختامي قبل فيه النظام على "تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، وذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254".

وناشد البيان الأمين العام للأمم المتحدة "أن يكلّف المبعوث الخاص لسوريا بالمساعدة في إنجاز أعمال هذه اللجنة الدستورية في جنيف"

ثالثاً: اللجنة الدستورية/2019.

في الرسالة ذات الرقمS/2019/775 المؤرخة 26 أيلول/سبتمبر 2019 المرسلة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن يعلمه فيها أنه قد "وافقت على الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية حكومة الجكهورية العربية السورية، ولجنة المفاوضات السورية".

هذه الاختصاصات تضمنت أن اللجنة ستعمل على "وضع مسار دستوري لصياغة دستور جديد تجرى استناداً إليه انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة"

هذا الفهم كان واضحاً تماماً في تصريح "بان كي مون" الأمين العام السابق للأمم المتحدة في تعليقه على الانتخابات الرئاسية عام 2014  "إن مثل هذه الانتخابات لا تتوافق مع نص وروح بيان جنيف"ـ  كما "رفض مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الانتخابات ووصفها بأنها غير شرعية".

رغم ذلك استمرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن في التعامل مع النظام على أنه نظام كامل الشرعية، وسمح له بالاتفراد بتمثيل الشعب السوري رغم وجود ما يزيد عن نصف السوريين خارج سلطته، ويرفضون أن يتحدث هذا النظام باسمهم.

على الأقل إذا كان القصور في ميثاق الأمم المتحدة لا يتيح طرد نظام الأسد ا من هذه المنظمة، فإنه على الأقل يتوجب على الأمم المتحدة أن تمنح هؤلاء السوريين الذين يرفضون النظام، أن تمنحهم حق التمثيل هم أيضاً عبر ممثليهم في المعارضة المعترف بها في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية.

هذا الأمر الذي يتوجب على المعارضة من جانبها أيضاً أن تبدأ بالإجراءات القانونية اللازمة للحصول عليه في الأمم المتحدة .