الأحد 2018/08/26

واشنطن تدفع “ابن سلمان” للتورّط في شمال شرق سوريا


مركز الجسر للدرسات..


"إغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية وإلغاء التعاون العسكري مع تركيا"!!

كان هذا واحداً من الطلبات الثلاثة عشر التي فرضتها دول الحصار الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) على قطر، قبل عام وبضعة أشهر، في أزمة سياسية غير مسبوقة افتعلتها هذه الدول، وكانت ستقوم باجتياح قطر عسكرياً.

المفارقة في هذا الطلب أنه يأتي في منطقة تعجّ بالقواعد الأجنبية على أراضيها، والأساطيل والقطع البحرية تجوب المياه المحيطة بها ليل نهار، ناهيك عن المراقبة الدائمة بالأقمار الصناعية "التجسسية".

بعد قرار تركي حاسم بالوقوف إلى جانب قطر في هذه الأزمة، ظهر بشكل مفاجئ وغير مفهوم الوزير السعودي "ثامر السبهان" في مدينة الرقة السورية برفقة عناصر من المليشيات الكردية "ب ي د"، اعتُبرت تلك الزيارة يومها أنها رسالة تهديد لتركيا بسبب نقل قواتها إلى "دولة عدوة" بجوار الأراضي السعودية، وأن السعودية قادرة للوصول إلى الحدود التركية عبر جهة عدوة لتركيا هي ميلشيات "ب ي د".

الولايات المتحدة لا تنسحب من الشرق الأوسط، كما يبدو المشهد للوهلة الأولى، مصالحها ضخمة في المنطقة، لكنها لا تريد الاستمرار بالطريقة التقليدية التي كانت تتّبعها، فهي في العراق تكبّدت خسائر مادية وبشرية هائلة، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة فإن الأرقام تتحدث عن عشرات آلاف من القتلى والجرحى في صفوف الجنود الأمريكيين، وعن عشرات أو مئات مليارات الدولارات التي كلّفتها الحرب هناك. لكنها أيضاً لا تريد أن تترك فراغاً تتمكن من خلاله روسيا وإيران من توسيع نفوذهم فيها.

"القيادة من الخلف" واحدة من الاستراتيجيات التي يسعى الأمريكيون لتطبيقها في سوريا، ليس هناك حاجة لدولة كبرى مثل الولايات المتحدة في نقل مئات آلاف الجنود والقطع العسكرية إلى سوريا لوقف المد الروسي الإيراني فيها، بعد تأمين الحدود الإسرائيلية في الجنوب، سيكون نشر 2000 جندي في القواعد الأمريكية شمال وشرق البلاد كافياً، لكن ماذا لو تعرضوا لتهديد ما؟ هنا يتحدث الأمريكيون عن دور حلفائهم في المنطقة ليشاركوا في تحمل عبء "دعم النظام الدولي" -بالمفهوم الأمريكي بالطبع-، وأي عمل يمكن للآخرين أن يفعلوه اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، فيجب دفعهم لفعله، وبالذات من لديه حافز أو خوف من التمدد الإيراني  على وجه الخصوص.

الولايات المتحدة اختارت شمال شرق سوريا لأهداف عديدة أهمها:

1-منع انفراد روسيا من الهيمنة على كامل سوريا.

2-قطع الطريق البري على إيران للوصول إلى سواحل المتوسط ولبنان.

3-رفع مستوى التهديد الكردي لتركيا.

4-إفشال محاولة النظام إعلان نهاية الحرب والانتصار، أو المطالبة برفع العقوبات الدولية عنه إلى أن يتم التوصل لاتفاق سياسي دولي.

5-عدم تمكين تنظيم الدولة من استعادة السيطرة على المنطقة بعد طردها منها.

6-حرمان النظام من الموارد والثروات الطبيعية الموجودة في المنطقة.

 

بعد تأمين الشريك المحلي المتمثل بالمليشيات الكردية، ووضع أي شكل حكم قادم للمنطقة الشرقية تحت قيادة كردية، لا بد من تأمين مشاركة العرب في هذا الحكم تحت هذه القيادة الكردية، فالدرس المستخلص في العراق-رغم شناعات الحكم الطائفي الشيعي- هو عدم تمكين العرب السنّة من الاستقلال بإدارة أي منطقة بذريعة تعاطفهم مع التنظيمات الإرهابية "السنّيّة"، وبحكم الطبيعة القبَلية  للمنطقة وروابط شيوخها مع دول ذات طابع قبلي مثل دول الخليج، وقع اختيار ترامب على ولي العهد السعودي (المغامر) "محمد بن سلمان" ليتزعم مجموعته الخليجية كشريك إقليمي في المنطقة الشرقية، هذه الدول (القبلية)الغنية -كما يحلو لترامب أن يسميها- ستكون قادرة على الإنفاق على مشاريع إعادة الإعمار ريثما يتم إعادة تأهيل ثرواتها، فعودة شركات النفط العملاقة للمنطقة قد تصل بالإنتاج إلى مليون برميل نفط يومياً، وعشرات ملايين الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، مع احتياطي جيد قابل لاستمرار الإنتاج بهذه الوتيرة إلى عقود قادمة.

المؤشر الأول لهذا الأمر كان في الأسبوع الماضي حين أعلنت كلٌّ من السعودية والإمارات مساهماتها في إعادة إعمار المنطقة الشرقية حصرياً في سوريا، وتباعاً ولحماية الشركات النفطية، والشركات الاقتصادية الأخرى من "تهديدات إرهابية محتملة" سيصل الجنود السعوديون إلى القواعد الأمريكية ليتقاسموا عبء حماية المنطقة من تلك التهديدات.

إرسال وفود المليشيات الكردية إلى دمشق يصبُّ في أمر واحد، هو الحصول على اعتراف من النظام بإدارة ذاتية للمنطقة الشرقية، حيث سيكون هذا الاعتراف هو "قصُّ الشريط الحريري" للمشروع الأمريكي الذي سيحظى بدعم أوروبي بلا شك، فهو أيضاً بوابة لإعادة ملايين اللاجئين السوريين من أوروبا ودول الجوار.

النظام يرفض بشدة الاعتراف بالسيادة الكردية على المنطقة الشرقية، ويرفض العروض الكردية بمنح الحكم المركزي في دمشق جزءاً من واردات المنطقة حسب قانون الإدارة المحلية 107 الذي أصدره النظام عام 2011،

كجزء من عملية الإصلاح التي راوغ بها لمواجهة الاحتجاجات المتسعة ضده في طول البلاد وعرضها، يريد النظام استعادة السيطرة المُطلقة على المنطقة الشرقية فهي الوحيدة القادرة على ترميم اقتصاده المنهار تماماً.

المفاوضات الكردية مع نظام دمشق لن تنجح، الولايات المتحدة تدرك ذلك جيداً، ولعل هذا من أسباب اختيار المبعوث الأمريكي الجديد "جيمس جيفري" صاحب نظرية فرض منطقة حظر جوي وبري شمال شرق سوريا.

فرض الحظر الجوي والبري سيحقق جملة الأهداف الأمريكية السابقة، وسيُبقي الخليجيين في دائرة النفوذ الأمريكي بعيداً عن أي تقارب محتمل مع روسيا كما حدث في الحالة التركية، ولا يوجد معوّقات أو صعوبات لوجستية عالية لتنفيذها حتى لو اعترضت عليها تركيا بسبب توفيرها الحماية للمليشيات الكردية التي تصنّفها تركيا كمنظمة إرهابية، فالمنطقة محاذية لإقليم كردستان العراق الذي سيؤمن طرق الإمداد العسكرية والاقتصادية بشتى أنواعها، كذلك ستتسابق الدول الأوروبية للدخول إلى المنطقة لنيل حصتها من عقود إعادة الإعمار.

يبدو هذا الخيار هو الأقرب للتطبيق حالياً، مع أنه يفتح الطريق إلى مواجهة عدد من الجيوش في هذه الرقعة من سوريا.