الأحد 2017/08/06

لماذا خطب الجربا البارحة؟

مركز الجسر للدراسات...

لنستعرض أولاً موجز ما قاله الجربا في مؤتمره الصحفي:

أولاً: قررنا في هذه المرحلة أن نتخذَ القرارَ الصعب، وجدنا أنَّ أقصر الطُرقِ، وأقلها ضرراً، وأكثُرها فاعليةً التواصُلُ مع الطرفِ الروسي للوصولِ الى نتيجةٍ مُرضية، وهذا كما يعلمُ ويخبَرُ الجميع هو السبيلُ الوحيد المتوفِرُ حالياً.

ثانياً: اختيارُ مِصرَ دولةً راعيةً، الاتفاقات التي بيننا وبين الروس والتي تنطلق من القاهرة، ليست موجهةً لأيِّ طرفٍ إقليمي أو دولي. سمعنا أصواتاً تُطالبُ بأن يكونَ الضامنُ التُركي موجوداً في الاتفاق، نقولُ لهم، وبكل صراحةٍ أيضاً: إنَّ مفاوضات أستانا الجارية مُنذ عدةِ أشهر لم تفض إلى وقف إطلاق النار في الريفِ الشمالي.

الفقرة الأولى: قرار التواصل "الصعب" مع الطرف الروسي، ليس الجربا هو من اتخذه، مسار أستانا الذي يرعاه الروس مفتوح من بداية عام 2017، وانعقدت فيه خمس جولات، وأثمرت عن مناطق خفض التصعيد الأربع، وهذه الجولات كانت تتم بمعزل عن أي تشكيل سياسي، لا هيئة المفاوضات، ولا الائتلاف، فما بالك بحزب سياسي، يدّعي أنه اتخذ قرار فتح مسار أستانا بكامله ومن أصله، هذه مغالطة كبيرة.

مسألة أن "أقصر الطرق، وأقلها ضرراً، وأكثرها فاعلية" تضاف إلى التخبّط السياسي الذي وقعت فيه المعارضة السورية في أكثر من قرار، مسار أستانا شابته أخطاء عديدة منذ أن قررت الفصائل -وليس تيار الجربا- المشاركة فيه، ولعلّ أكبر أخطائه قبول إيران كطرف راعٍ وضامن للاتفاقات الناتجة عنه.

الجربا يعلم جيداً هنا أن القرار قديم، وأنه قرار الفصائل لا قراره، لكن الذي أراده أمر واحد: هو إعلان وفاة مسار جنيف، وكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وخصوصاً أن منصتي القاهرة وموسكو ليس لهما دور كبير فيه إلى الآن، كذلك يتزامن مع فصل الهيئة العليا للمفاوضات لممثل منصة القاهرة "خالد المحاميد" من صفوفها، ورفض رئيس منصة موسكو "قدري جميل" دعوة هيئة المفاوضات للحضور إلى الرياض لمناقشة ضم المنصتين إلى الهيئة وتشكيل وفد موّحد منها. كما يتزامن مع الأخبار التي تتحدث عن تأسيس مجموعة تواصل دولية بجهود فرنسية بديلة عن المجموعة السابقة التي أدارت اجتماعي فيينا، ومهّدت لولادة هيئة المفاوضات بديلاً عن الائتلاف.

وأما أن الروس هم السبيل المتوفر حاليا، للوصول إلى نتيجة مرضية، فإن كان الحديث عن خيارات الجربا فنعم، تلك خارطة علاقاته الخاصة به، أما أنهم السبيل الوحيد للسوريين فلا، الموضوع السوري صار شأناً عالمياً، ولم يعد يقتصر على تغيير النظام الذي كان الطلب الأول في الثورة السورية، بل دخلت فيه ملفات مكافحة الإرهاب، واللاجئين، وتصفية الحسابات للمصالح الدولية المتنافرة، وكل ذلك أكبر من أن تقوم به روسيا لوحدها، وستكون نتائج هذا الخيار ليست مرضية قطعاً للشعب السوري، فالروس مع تثبيت النظام كما هم مع إجراء تعديلات شكلية عليه لا أكثر.

الفقرة الثانية : هي لعبة تغيير المحاور الدولية نتيجة الخلافات والانقسامات السياسية السائدة في المنطقة، وما ذكر اسم القاهرة إلا للتعمية مبدئياً عمّا خلفها، وإلا فنحن وتأسيساً على نجاحات مزعومة لاتفاقات أستانا في الجنوب، وفشلها في الشمال، سنشهد ظهور المحور الجديد المتمثل بمصر والأردن والسعودية والإمارات، يتبعها البحرين والعراق ولبنان، مقابل محاولة تقليل دور المحور الثاني المتمثل بتركيا وقطر، هذا اللعب الخطير على سياسة المحاور قد يتسبب بكارثة على الوضع السوري، فتركيا التي يتهدد أمنها القومي اليوم، ستسعى للحفاظ على دورها الحالي في المشهد السياسي، والعسكري، وستبقي على تأثيرها الكبير في الشمال السوري، ولن تفرّط فيه، وهي دولة ذات ثقل إقليمي ودولي يصعب تجاوزه بهذه البساطة التي يتحدث عنها الجربا، فهي عضو في الناتو، وللاتحاد الأوربي علاقات متشابكة معها، إضافة للمصالح المتقاطعة مع روسيا وإيران، والمضي في المسار الذي يتحدث عنه الجربا قد يكون فعليّاً أول لبنة في مشروع تقسيم الحل في سوريا شمال جنوب بطريقتين مختلفتين، وقد يرسم هذا صورة من صور تقسيم البلاد لاحقاً، فيما لو لم يكن خطاب الجربا  لايتعدّى ورقة مكتوبة له لتحسين شروط التفاوض بين المحورين المذكورين.

إذن: خطاب الجربا الذي خالطه التهديد والوعيد لمن يخالفه، يكاد يهدف إلى الإعلان عن المحور الجديد فقط، وأمّا إذا صحّت الأخبار المسرّبة عن اجتماع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، بهيئة المفاوضات، وأنه خلال هذا الاجتماع تقدّم المنسق العام للهيئة رياض حجاب بطلب إعفائه من منصبه، فالجربا أيضاً يريد من مؤتمره بعد ثمانٍ وأربعين ساعة من هذه الاستقالة، الإعلان عن نفسه رئيساً جديداً للمعارضة السورية بكل منصاتها.