الأثنين 2018/10/22

بوتين لن يستطيع الحفاظ على نظام الأسد


مركز الجسر للدراسات..


إذا كان القتال أمرا حتميا، فكن أول من يضرب ". هذه القاعدة الوحيدة التي تعلّمها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في شوارع لينينغراد، قبل خمسين عاماً حسب جوابه في نادي فالداي الخامس عشر الذي انعقد في 18 تشرين أول/أكتوبر الجاري على سؤال: بعد ثلاث سنوات من التدخل العسكري، وهذه الخسائر والإصابات الهائلة، هل كان الأمر يستحق ذلك فعلاً؟ كان السؤال عن التدخل في سوريا أول سؤال يوجّه له في المؤتمر الذي يحضره بحدود ألف شخصية سنوياً.

تحدّث بوتين في جوابه عن الأهداف الرئيسية التي دفعته نحو قرار الحرب في سوريا، والتي لخّصها بهدفين اثنين:

١-الحفاظ على قيام "الدولة السورية"، ومنع استمرار تدهورها وانهيارها.

٢-منع تسلل الإرهابيين المسلحين إلى أراضي الاتحاد الروسي وإلى أراضي الدول المجاورة لها.

يرى بوتين أن الأهداف الروسية تحقّقت من خلال ذلك التدخل، فقد تم استبعاد تلك الأخطار إلى حد كبير، فالقوّات الروسية أوقعت الكثير من الضرر "بالإرهابيين" في سوريا، و "تمّ تحرير نحو 95٪ من كامل أراضي الجمهورية السورية". وبالمقابل عقد بوتين مقارنة بين ما حقّقه التدخل الروسي وبين ما نتج عن التدخل الأمريكي، فالضفة اليسرى لنهر الفرات التي تقع تحت رعاية الأمريكيين - الذين يعتمدون على القوات الكردية-، لا تزال برأي بوتين تحتوي على العديد من المشاكل مع تنظيم الدولة الذي عاد ليوسّع نفوذه مؤخراً في تلك المنطقة.

سوريا منطقة نفوذ روسيّة:

"لن يطلب الدب من أي شخص إذنًا. إنه سيد التايغا، ولن ينتقل إلى مناطق مُناخية أخرى، ولن يتخلى عن التايغا لأي شخص. يجب أن يكون ذلك واضحًا للجميع، هذا كل ما في الأمر ".

هذه هي القاعدة الثانية التي يرددها بوتين من سنوات! الملفت في نادي فالداي هذا العام أنه استخدمها في سياق الملف السوري، هذا يعني أن بوتين يريد أن يعلن للعالم أن سوريا واحدة من مناطق نفوذه التي هو سيّدها حصرياً، كما إن الدب "هو سيّد غابات التايغا"، وأنه لن يغادرها، أو يتخلى عنها لا للولايات المتحدة ولا لأي جهة أخرى إن كانت من الدول الغربية، أو تركيا أو إيران، ويبدو أن تحقق حلم الوصول لموطئ قدم في مياه المتوسط الدافئة عن طريق القاعدة البحرية في مرفأ طرطوس، والقاعدة الجوية في مطار حميميم. موضوع لا تريد روسيا من أحد أن يساومها عليه. المشكلة في نظرية بوتين هذه أنه لا يرى إمكانية الحفاظ عليها إلا عبر الحفاظ على نظام الأسد الذي سمح للقوات العسكرية الروسية باحتلال سوريا، ومنحها ما يشبه حق الانتداب الذي كان يجري أيام الدول الاستعمارية في القرن الماضي.

عدم التخلي والتراجع ليس فقط عن سوريا، لكن عن جميع القضايا العالقة بين روسيا والغرب، بدءاً من أوكرانيا والقرم، وانتهاء باتفاقيات أسلحة الدمار الشامل. حيث يلوّح ترامب اليوم بإنهاء واحدة من معاهدات القوى النووية متوسطة المدى، وسط اتهامات لروسيا بانتهاكها، فبوتين كان واضحاً في فالداي أن روسيا مع خفض التوترات الجيوسياسية "ولكن ليس عن طريق جنازتنا. إذا كانت تكلفة خفض التوترات الجيوسياسية هي جنازتنا، فنحن لسنا سعداء بذلك. لا يمكن رؤية الجنازة في أي مكان بعد، ولكن هذه الطريقة، كما أعتقد، ما زالت تعتبر في بعض أجزاء العالم كخيار".

لم يكتف بوتين بهذا التصعيد بل ذهب أبعد من ذلك حين أكّد استعداده لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لحماية روسيا ومصالح روسيا، وأن هذا هو معنى ما قصده بقوله العام الماضي: "لماذا نحتاج إلى العالم إذا لم تكن روسيا فيه؟".

روسيا التي فقدت نفوذها في مناطق شاسعة من العالم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تعلم هي قبل غيرها أن ما يقوله بوتين هو رسائل لا أكثر، وتعلم استحالة استعادة مكانتها في ثنائية القطب العالمية التي تسيطر على عقلية بوتين، الأمر يعود إلى المعطيات الذاتية الداخلية التي لا تؤهل روسيا للعب هذا الدور، ولمعطيات خارجية تعمل على منع روسيا من العودة للهيمنة على مناطق حساسة في العالم، فهذا سيهدد مصالح الدول الكبرى التي رسمت خطوط نفوذها على أنقاض الاتحاد السوفييتي وخصوصاً في دول شرق أوروبا.

الملف السوري أصبح يشكل عامل تهديد مرتفعا لمصالح هذه الدول، من حيث التهديد الذي خلقته أزمة اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي، ومن حيث الخرق الذي يعمل عليه بوتين في حلف الناتو، ومن حيث محاولاته تقوية نفوذه في منطقة الشرق الأوسط عبر إيران، والدول الغربية وإن كانت ستسمح لبوتين بنوع من النفوذ في سوريا، لكن ذلك النفوذ سيكون مشروطاً بشكل أو بآخر بتغيير جوهري يدخل على نظام الحكم هناك، وهذا سيتضح قريباً في الضغط الذي سيمارسه بوتين على الأسد للانخراط في أعمال اللجنة الدستورية حسب مقررات الأمم المتحدة في مسار جنيف التفاوضي، والذي سيؤدي إلى عملية انتقال سياسي، لا تُخرج الأسد فقط من السلطة، ولكن تأتي بحكومة جديدة من أولى مهامها إخراج إيران والمليشيات الأجنبية من البلاد.

نظام الأسد سيرضخ غالباً للضغوط الروسية ويعلن بعد عدة أيام قبوله بقائمة الأمم المتحدة في اللجنة الدستورية، سيكون ذلك أثناء الزيارة الأخيرة لديمستورا للعاصمة دمشق، وحينها يمكن القول إنّ نظام الأسد قد بدأ يكتب الأحرف الأولى من نهايته بعد خمسة عقود من الحكم الدامي.