السبت 2018/09/08

 الأصابع على الزناد بعد قمة طهران الثلاثية

كان السلاح على الطاولة، هذا هو وصف لقاء رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا، لا اللغة ولا تعابير وجوه الرجال الثلاثة، ولا وجوه كبار مرافقيهم توحي بأي نوع من الدبلوماسية، أو الرضا عما يجري، ملامح الغدر الروسي والإيراني لم تكن خافية على العين المراقبة لهما، كان الوفد التركي يجلس بين الضباع.

الذي يقرأ البيان الختامي المكرر لما سبقه من بيانات على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية لا يجد فارقاً يُذكر، أمر واحد فقط تم الإعلان عنه بطريقة مواربة كي لا يُظهر الخلاف الشديد الذي يدور تحت الطاولة، "لم يعد هناك مناطق خفض تصعيد"!!

بداية مناطق خفض التصعيد كانت في مذكرة 4/5/2017، حيث أُعلن الاتفاق عن "إنشاء مناطق خفض التصعيد في محافظة إدلب، إلى الشمال من حمص، في الغوطة الشرقية (التي ينشئها الضامنون)، وفي جنوب سوريا (التي ينشئها الضامنون والأطراف المعنية الأخرى)" تضمّنت هذه المذكرة أنّ " إنشاء مناطق خفض التصعيد هو إجراء مؤقت ستكون ابتداء مدته ستة أشهر، ويتم تمديدها تلقائياً على أساس التوافق بين الضامنين".

بعد سنة من تاريخ هذه المذكرة كانت الغوطة قد سقطت بيد النظام، وبمساعدة روسيا وإيران الضامنين الموقّعين على هذا الاتفاق، بعد أيام من سقوط الغوطة اجتمع الرؤساء الثلاثة في أنقرة 4/4/2018، وبسبب ما جرى في الغوطة أكد بيانهم "أن إنشاء مناطق خفض التصعيد كان مؤقتاً على النحو المنصوص عليه في مذكرة ٤ أيار ٢٠١٧".

خلال تلك الأيام أبلغ الروس المفاوضين عن ريف حمص الشمالي أن اتفاق خفض التصعيد سينتهي بعد أيام أيضاً، أي وسط الشهر الخامس 2018، وهو ما دفع بمضي عقد المصالحات وتسليم السلاح من قِبل كثير من فصائل هذه المنطقة.

المنطقة الثالثة في الجنوب نالت نصيبها من القصف والتهجير كسابقتيها، وتم اجتياحها إلى أن سَلّمت سلاحها واستسلمت للنظام المنتشي بانتصاراته، والذي يعلن رأسه بعد سقوط الجنوب أنه سيتوجه إلى إدلب ليقضي على "آخر معاقل المتمردين" عليه هناك.

إذن لم يبق من اتفاق خفض التصعيد اليوم إلا إدلب، لذا لم يظهر غيرها في البيان المشترك للرؤساء الثلاثة في ختام اللقاء الذي جمعهم في طهران 7/9/2018، ليس هناك حديث عن أربع مناطق بتاتاً، كان ذلك من الماضي الذي طواه النسيان، ومع هذا فإن بيان طهران يعلن بشكل أو بآخر أن هذا الشهر هو آخر العهد بالاتفاق، قال بيان طهران: "تناول الرؤساء الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب وقرروا معالجته بما يتماشى مع المبادئ المذكورة أعلاه ومع روح التعاون التي ميزت صيغة أستانا". ليس هناك إشارة إلى المذكرة التي أنشأت هذا الاتفاق. بقي من عمر الاتفاق ظاهرياً أقل من شهر، سنرى ما الذي يمكن أن يحدث خلاله؟

لماذا كان لقاء طهران علنياً؟

لم يكن معهوداً قطّ أن يجري التفاوض على مثل هذه المسائل الحساسة جداً علناً كما حدث في طهران، غالباً الإيرانيون هم من اختار هذا السيناريو، لماذا؟

الإيرانيون يريدون إرسال رسالة للمجتمع الدولي الخائف من انفجار الوضع في إدلب، أن إيران هي الطرف الأقوى في هذا الوضع، وهي التي ستفرض مجريات الأحداث القادمة، وأن على الدول أن تتحدث معها هي قبل غيرها، وهي تريد عبر ملف إدلب المناورة لتخفيف العقوبات الأمريكية عنها، وتحسين وضعها الاقتصادي، وعلاقاتها السياسية بشكل عام إقليمياً ودولياً. لذا تظاهرت بالمسارعة لقبول اقتراح الرئيس التركي في عقد هدنة بإدلب.

إيران أرسلت الرسالة وتركت الباب مفتوحاً لمدة شهر تقريباً تنتهي بعده اتفاقية خفض التصعيد بشكل رسمي، وهي فيما لو نجحت في مسعاها فستسير إدلب في طريق التفاهمات السياسية، وليس في ساحات المعارك العسكرية.

روسيا على الطاولة تعي ما تفعله إيران، وهي لا تسمح بالطبع بتمرير رسالة من هذا النوع، أيضاً هي لطالما أرسلت رسائل أنها المتحكمة بالملف السوري، ويجب مراعاة مصالحها حول العالم في سبيل قبولها للحلول السياسية المطروحة في سوريا؛ لذا سارعت إلى رفض الهدنة بذريعة عدم إمكانية عقد هدنة مع من تصفه بـ"الإرهابيين".

تركيا بدورها استطاعت جمع المجتمع الدولي خلفها عقب هذا اللقاء، وهو ما ظهر جلياً في اجتماع مجلس الأمن، فالجميع يتحدث عن وجوب التهدئة في إدلب، صحيح أن العناوين الإنسانية هي السائدة في خطابات دول مجلس الأمن، وخصوصاً في منع حدوث موجة لاجئين قد تفوق المليوني شخص، وهو أمر غير مسبوق في الحديث، لكن خارطة المصالح المعقدة تقف لا شك خلف هذه المواقف الدولية، أقلّها أنّ الولايات المتحدة تريد عرقلة أي هجوم على إدلب لأنه سيفتح الطريق للهجوم على حلفائها المليشيات الكردية في المنطقة الشرقية. خطابات مجلس الأمن أمس كانت بمثابة وضع الأصبع على الزناد، الكل يهدد بالرد العسكري فيما لو هوجمت إدلب.

الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل والعديد من الدول الإقليمية ليست في مزاج مستعد لإعطاء إيران أي نوع من التنازل ضمن سلوكها الحالي، وبالتالي ستحاول إيران إثارة الفوضى ورفع التصعيد العسكري، ستستغل إيران الكثافة السكانية العالية لرفع كلفة تدخلها في الخسائر البشرية التي يمكن وقوعها، وفي نتائج موجة النزوح التي ستحدث، سعياً منها إلى إجبار المجتمع الدولي على تقديم تنازلات، مقابل تهدئة الأوضاع في إدلب. وهو ما قد لا يحدث.. وبالتالي هل ستنجح إيران في جر العالم كله إلى معركة إدلب؟