الأثنين 2017/10/23

لماذا عاكس الملك سلمان التاريخ وزار روسيا ؟

في مطالعة دورية لخبراء "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" بعنوان "ما ذا تشي زيارة الملك سلمان إلى روسيا حيال العلاقات الأمريكية السعودية" وصفت المديرة التنفيذية للمركز "رايتشل برونسون" الزيارة بالقول: يمكن تلخيص رحلة الملك سلمان إلى موسكو الأسبوع الماضي بكلمة واحدة: مُحرجة. مُحرجة، بكل ما للكلمة من معنى، بدءاً من تعطُّل السلم الكهربائي المُذهّب الذي استخدمه الملك للنزول من طائرته إلى المدرج، وبقائه مُجمّداً على نحو غير مريح لبضع لحظات قاسية. لكن رحلته كانت غريبة أيضاً لأن السعودية كانت سعت طيلة تاريخها تقريباً إلى الحدّ من النفوذ السوفياتي والروسي مؤخراً، في الشرق الأوسط. فلماذا عاكس الملك سلمان التاريخ وزار روسيا، في أول رحلة من هذا النوع يقوم بها عاهل سعودي؟

ترى الباحثة أن الاستراتيجية العليا السعودية ترتكز على صمود النظام وتجنّب التطويق الخارجي، وقد تعمّقت العلاقات الأميركية-السعودية خلال الحرب الباردة، حين شعر السعوديون بالتهديد جرّاء التقدّم السوفياتي في مصر وسوريا والعراق واليمن. ومنذ غزو العراق عام 2003، اعتبرت السعودية إيران الخصم الأول المُهدِّد لها. وراقب السعوديون قيام إيران على نحو مطرد بتعزيز نفوذها السياسي في المنطقة: في لبنان، وقطاع غزة، والعراق، وسورية، واليمن. واليوم، يختبر الملك سلمان ما إذا كان بإمكانه زعزعة العلاقة بين طهران وموسكو، من خلال إدخال المملكة بين الطرفين، في إطار ترتيبات عسكرية واقتصادية مُربحة جديدة.

أما عن تداعيات هذا التطوّر على العلاقات الأميركية-السعودية؟ فتجيب الباحثة: ربما ليست كثيرة. فنظراً إلى نفوذ روسيا المتنامي في المنطقة، يحتاج السعوديون إلى حليفهم القديم، حتى لو كانت الولايات المتحدة مشتتة محلياً ولا يمكن التنبؤ بخطواتها دولياً. وتُعتبر عقود الدفاع الأميركية-السعودية، التي تمّ توقيعها في أيار/مايو الماضي والتي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، دليلاً على الأهمية المستمرة للعلاقات. لكن السعوديين يشعرون بالتوتر بشكل واضح، ويتطلّعون إلى لعب دور أكثر فعالية في تشكيل الواقع السياسي لمنطقتهم، حتى لو كان ذلك يعني التغاضي عن تاريخ حافل بالعلاقات الإشكالية مع روسيا.

فريدريك ويري؛ الباحث أول في المؤسسة؛ يرى أن زيارة الملك سلمان لموسكو ليست انزلاقاً في الصفائح الكيتونية للقوة العالمية، يترافق مع انحسار للنفوذ الأميركي، بل هي تعبير عما كان دائماً نموذجاً دبلوماسياً سعودياً، حتى قبل أن يتسنّم الملك سلمان الحكم، أي "محفظة متنوعة" للتحوّط ضد واشنطن، وهو ما وصفه أحد الباحثين بأنه "التبعيّة المتعدّدة المدروسة".

من جانب آخر يرى أن المحادثات تضمّنت في ثناياها اعترافاً سعودياً صريحاً بسلطة روسيا في سوريا ونفوذها المطّرد في المنطقة. وكانت السعودية تتقرّب أيضاً من روسيا في اليمن، وتأمل أن تؤدي صفقة الغاز مع موسكو إلى تعزيز عزل منافستها قطر. كذلك تمنح صفقة الأسلحة المقترحة البالغة قيمتها 3.5 مليار دولار الدعم لرؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد  محمد بن سلمان، مع إمكانية نقل التكنولوجيا التي يمكن أن تحفز إنشاء قطاع لتصنيع أسلحة سعودية محلية، وخلق فرص عمل للسعوديين. وفي المقابل، قد تمنح الاستثمارات السعودية المحتملة روسيا بعض الغيث من العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وبرأي الباحث أن هذه الرحلة لا تدشّن ولادة حكم مشترك جديد لإدارة الشرق الأوسط، حيث تستمتع روسيا "بلحظتها" وتختفي أميركا من المعادلة. كما قد تكون آمال الرياض بأن تدفع المغرَيات الاقتصادية روسيا إلى إقناع إيران بالخروج من سوريا مفرطاً في التفاؤل على المدى القريب. فمع أن العلاقة بين طهران وموسكو حيال سورية يشوبها التوتّر، إلا أن روسيا لاتزال تعتمد على القوات الإيرانية لتتمكن من الوصول إلى مناطق أساسية في البلاد، ناهيك عن أنها ترغب في الحفاظ على ارتباط أوسع مع إيران في أوراسيا وآسيا الوسطى.

من بين التصريحات الأخرى غير المتروّية هي التحذيرات اللاهثة من أن صفقة الأسلحة بين الدولتين ستقوّض العلاقات الأمنية للولايات المتحدة. إذ تمّ الإعلان سابقاً عن إبرام مثل هذه الصفقات مع روسيا، لكنها لم تتحقق غالباً. في مطلق الأحوال، يتقزّم العرض الروسي مقارنةً مع حجم الصفقات الراهنة والمقترحة لتوريد الأسلحة الأميركية إلى المملكة.

جاين كينينمونت؛ الباحثة الأولى ونائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتام هاوس"؛ رأت أن الزيارة تعكس مخاوف الحكام الخليجيين من احتمال ألا تهبّ الولايات المتحدة إلى نجدتهم في وجه المخاطر الكُبرى التي يعتبرون أنها تترصّد بهم. ففي العام 1991، أبدت الولايات المتحدة استعدادها للدفاع عن الكويت ضد الغزو، إلا أنها لم تكن مستعدة للدفاع عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العام 2011 ضد الانتفاضة الشعبية. من منظور الغرب، كان الاختلاف واضحاً بين الحالتين، إلا أنه لم يكن على الدرجة نفسها من الوضوح بالنسبة إلى حكّام الخليج. فهم يعتبرون أن التهديدات الأساسية المُحدقة بهم تشمل التحديات السياسية الداخلية المتربّصة بأنظمتهم القائمة، والتهديدات الداخلية والخارجية الهجينة التي يرتبط فيها الخصوم المحليّون بحركات عابرة للوطنيات ورعاة أجانب. لذا وجّه العديد من الأمراء الخليجيين إلى أميركا رسالة مفادها: لسنا موافقين على ما تقوم به روسيا في سوريا، لكننا نتمنى لو كان لدينا حلفاء يفعلون لنا ما تفعله روسيا لبشار الأسد.

في ظل هكذا حالة التباس، تتطلّع دول الخليج إلى إقامة تحالفات جديدة تجلّت من خلال زيارة العاهل السعودي الرسمية الأولى إلى موسكو، ومدّ جسور التعاون مع الشركاء الآسيويين. كذلك، تسعى دول الخليج إلى تعزيز علاقاتها القديمة، عبر تكثيف التعاون الأمني مع الجيشين المصري والأردني، ومع المملكة المتحدة التي تعمل على توسيع وتطوير قواعدها البحرية في البحرين وعُمان.

أما حسين إبيش؛  باحث أول مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة؛ فيرى أن توطيد العلاقات مع موسكو، قد يحفّز الولايات المتحدة على الاستجابة لمخاوف السعوديين. وخير مثال على ذلك توصّل روسيا والسعودية إلى اتفاق لشراء المملكة عدداً غير محدّد من منظومة صواريخ "إس-400" الروسية المضادّة للطائرات. تجدر الإشارة هنا إلى أن لدى الرياض رغبةً كبيرة في الحصول على منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الأميركية "ثاد"، لزيادة مخزونها الراهن من بطاريات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ. وكانت واشنطن تماطل في إتمام صفقة البيع، التي قد يوقفها الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. لكن لم يكن مستغرباً أن توافق وزارة الخارجية الأميركية يوم الجمعة، في أعقاب الإعلان عن صفقة بيع صواريخ "إس-400"، على بيع الرياض منظومة "ثاد" الصاروخية" بقيمة 15 مليارات دولار.