الأثنين 2018/04/09

انقلاب على ترامب في البيت الأبيض

الصواريخ الأمريكية الفرنسية يمكن القول إنها قد تكون في الطريق لضرب نظام الأسد، تحديد الأهداف لن يأخذ وقتاً طويلاً، فقط هناك قضية تحييد موت الجنود الروس المنتشرين في القواعد الجوية السورية.

كان آخر ما يحتاج إليه الأسد أن تظهر صور الأطفال والنساء يعانون من قصف كيماوي جديد على شاشات التلفزة العالمية، وبغضّ النظر عمّن يقف وراء هذا الخطأ الفادح، فإنه وقع، ومع أنه دائماً لم يكن هناك مسوِّغ للنظام لاستخدام السلاح الكيماوي في مناطق تعجّ بالمدنيين، لكن لا يوجد اليوم أي تفسير لهذا الهجوم، فجيش الإسلام في طريقه لمغادرة دوما آخر معاقل الجيش الحر في الغوطة الشرقية، وبعدها ستكون دمشق آمنة من مرمى نيرانهم.

هل وراء هذا الهجوم عناصر متفلّتة من داخل قوات النظام تحرّكت دون أوامر مباشرة من وزارة الدفاع، أو عناصر موالية لإيران تلقّت تعليمات منها، أو إنّ الذي ارتكب الجريمة هو الحرس الثوري الإيراني بنفسه، أو ميليشيات حزب الله اللبناني؟

ففي النهاية هذا التوقيت لا يصبّ في مصلحة النظام ولا في مصلحة روسيا، قد تكون إيران هي المستفيد الوحيد من حدوثه، فهي التي تجد فرصتها الوحيدة في الهيمنة على سوريا من خلال الإبقاء على الفوضى فيها، وعدم السماح لأي تسوية سياسية محتملة لا تحقق لها هذه الهيمنة كما فعلت سابقاً في العراق.

روسيا مرتاعة حقيقة اليوم من هذا الهجوم الكيماوي، سيكلّفها جهداً كبيراً جداً في مجلس الأمن، وفي حال الذهاب إلى قرار لإدانة النظام فإن الفيتو الروسي سيلقى استنكاراً دولياً غير مسبوق، و لا سيّما مع إمكانية ربطه بمحاولة اغتيال الجاسوس المزدوج في بريطانيا الذي لا تزال تداعياته تتفاعل حول العالم، وروسيا ستخشى استثمار أي قرار لها في الأمم المتحدة لمنع إدانة النظام في الحملة الغربية القائمة عليها في قضية الجاسوس.

على الجانب الآخر تصريح ترامب في سحب قواته من سوريا "قريباً" لقي رفضاً قاطعاً من أهم جهازين في الإدارة الأمريكية: الدفاع (البنتاغون)، ووكالة المخابرات المركزية (CIA)، فهذه ترى أن مرحلة "الحرب الباردة" لم تنته، إن لم تكن في طور استعادة الزخم الذي كانت عليه في مراحل سابقة، مع عودة خصومهم "الشيوعيين" لمحاولة استعادة الثنائية القطبية في العالم عن طريق بوتين الذي يريد استرداد مكانة "الاتحاد السوفييتي" السابقة قبل تفككه وانهياره.

ترامب رجل الأعمال والصفقات السريعة يكره الحروب الطويلة، ويكره الإنفاق عليها من الخزانة الأمريكية، هذا يفسّر طلبه من وليّ العهد السعودي دفع الأموال لتغطية بقاء القوات الأمريكية في سوريا، وطلبه من الدول التي يقدم لها الحماية أن تدفع ثمن هذه الحماية.

أيضاً هو يرى أن حماية الأمن القومي الأمريكي يكون بحماية حدود الولايات المتحدة جغرافياً، لذا عمل على بناء الجدار مع المكسيك، ومنع دخول رعايا العديد من الدول الذين يحتمل أن يشكلوا تهديداً إرهابياً، وفرض قيوداً شديدة على قوانين الهجرة واللجوء والإقامة في أمريكا.

مستشارو الأمن القومي دائماً ما رأوا عكس ذلك وبنوا استراتيجياتهم عليه، فهم لا ينتظرون الإرهاب حتى يغزوهم في عقر دارهم، بل يذهبون إليه لمكافحته، ولتجفيفه في منابعه.

كذلك هم يرون أنّ أمن حلفائهم جزء من أمنهم القومي، فمصالح الولايات المتحدة منتشرة بشكل واسع في الدول الحليفة لها، وكلما كان الأمن قوياً ومستقراً في هذه الدول، فستكون المصالح الأمريكية أيضاً في مأمن.

الولايات المتحدة تحتاج كذلك إلى قواعد متقدمة قريبة من بؤر التوتر، تتيح لها التدخل السريع، لذا فقضية انكفائها وسحب قواتها التي يسعى إليها ترامب ستفقدها هذه الميزة، وتفقدها مكانتها كقوة أولى في العالم.

من الناحية الاقتصادية الولايات المتحدة هي الأولى عالمياً في صادرات السلاح، وهي بلا شك تحتاج إلى إثبات جدارتها في سباق التنافس الذي تواجهه من دول أخرى، وأفضل طريقة لإثبات ذلك يتمثل في إثبات فعاليتها وكفاءتها القتالية، وخير من يثبت هذا هم الجنود الأمريكيون المدربون عليها تدريباً عالياً، والحرب في سوريا جعلت العديد من الدول المشاركة فيها، والمصنّعة للسلاح تتحدث عن تجربتها لأصناف حديثة من الأسلحة والذخائر، ما يفتح لها أسواقاً جديدة حول العالم.

أخيراً رجال الدفاع والاستخبارات عملهم المعارك العسكرية والاستخباراتية، هم لا يملّون منها، ولا من طول مدتها، هذا صلب عملهم، وبدونها يفقدون وظائفهم ومناصبهم، ولو أدى الأمر بهم لاختلاق تهديدات وهمية للأمن القومي كما حدث في أكاذيب أسلحة التدمير الشامل التي شنّوا الحرب على أساسها على العراق، لفعلوا ذلك، فكيف بوجود هذه الأدلة القوية على استخدام النظام المتكرر لأسلحة دمار شامل، وضد المدنيين العزّل.

فرصة الضربة الكيماوية على دوما قد لا تتكرر قريباً، والدفاع والاستخبارات الأمريكية ستستثمرها إلى أقصى حد للانقلاب على سياسات ترامب حول انتشار القوات الأمريكية خارج الحدود، والتخلّي عن فكرة سحبهم إلى غير رجعة.